النجاح الإخباري - تستلقي الفلسطينية نجاح الشافعي على سريرها بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بوسط قطاع غزة بعد إصابتها بحروق من الدرجة الرابعة الشهر الماضي إثر حريق نشب على سطح منزلها خلال إعدادها الطعام لعائلتها.

الحادثة المروعة بدأت عندما استخدمت نجاح قطع الحطب المتناثرة على سطح منزلها لإشعال النار وطهي الطعام، غير مدركة أن الحطب قد تشبع بمخلفات القصف والصواريخ، مما أدى إلى اندلاع حريق هائل. النيران البيضاء اللون، التي بدت أحيانًا وكأنها تنفجر، انتشرت بسرعة فائقة، محاصرة الأسرة داخل المنزل ومنعتهم من الهروب.

يغطي مرهم أبيض اللون وجه نجاح (35 عاما) التي بالكاد تستطيع فتح عينيها ولا تقوي على تحريك جسدها المحترق بنسبة تتجاوز 51 في المئة، بينما يجلس أبناؤها الثلاثة الذين تعرضت أجسادهم لحروق من الدرجة الثانية إلى جانبها على أرضية المستشفى تارة، ويقفون إلى جانب سرير أمهم تارة أخرى في قلق على حياتها المهددة.

الابنة الكبرى إسلام (15 عاما)

تمعن الابنة الكبرى إسلام (15 عاما) النظر في جسد أمها الممدد وعينيها المغمضتين أغلب الوقت، وهي تستعيد لحظات نشوب الحريق بعدما استخدمت قطع الحطب المتناثرة على سطح المنزل، مما تسبب في حريق كبير التهم أجساد أفراد الأسرة والمنزل.

تعتقد الابنة وعائلتها بأكملها أن سبب الحريق هو البارود ومخلفات القصف بالصواريخ التي تشبع بها الحطب المستخدم في الطهي، الأمر الذي أدى إلى اشتعال النيران بقوة لم تمنح الأم وأبنائها الثلاثة فرصة للفرار دون الإصابة بحروق في أماكن متعددة من أجسادهم. توضح الابنة أنهم كانوا يجلسون بجوار أمهم لتعد لهم الطعام على نار الحطب كما اعتادوا، وما إن وضعت بعض قطع الحطب التي جلبتها من السطح المكشوف حتى نشبت نيران تبدو بيضاء اللون أحيانا بصورة أقرب للانفجار. اشتعلت النيران في المكان بأكمله وبحثت الأسرة المحاصرة عن مخرج، ولم يستطيعوا فتح باب المنزل بسبب شدة ألسنة اللهب كما تروي إسلام، قبل أن يهب الجيران لإنقاذهم ونقلهم إلى المستشفى.

وتقول إسلام لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "لا أشك أن ما حدث لنا سببه مخلفات القصف والصواريخ التي تتناثر في كل مكان، خصوصا وأننا نسكن بجانب منطقة تعرضت لقصف عنيف وتدمير واسع لأبراج عين جالوت خلال الحرب".

وأضافت "أمي تطبخ دوما على النار، لكن هذه المرة الحطب ظل متروكا على السطح لمدة شهر طيلة فترة نزوحنا، مما جعله يتشبع بالبارود أو بمواد أخرى لا نعلمها، فالنار كانت بيضاء ملتهبة بشكل مخيف".

الابن أسامة (14 عاما) المصاب بحروق في الوجه والكفين والقدمين، يصر على عدم مفارقة أمه على الرغم من أن الأطباء قرروا خروجه من المستشفى منذ وقت طويل، ليبقى إلى جوارها ليل نهار يقرأ القرآن من مصحف صغير ويدعو لوالدته بالنجاة.

وبينما يوضح الابن أنه ما زال يعيش في صدمة جراء ما حدث، فإنه يقول إنهم نجوا من القصف المباشر لكن مخلفاته أصابتهم مباشرة وأحرقت أجسادهم. وأبدى الفتى خشيته على حياة أمه وهو يتحسس يديها خلف الغطاء محاولا إخفاء دموعه التي كانت تسيل بين فينة وأخرى، متسائلا "أي ذنب اقترفناه لتحترق أجسادنا وقلوبنا على أمي؟ أين الأطباء والمؤسسات الصحية المحلية والدولية من إنقاذ أمي التي تتوجع منذ شهر؟".

يربت الأب عاهد الشافعي (40 عاما) على كتف ابنه الحزين وشقيقه محمد (عشرة أعوام) ويهدأ من روعهما، محاولا طمأنتهما بإمكانية نجاة أمهما وعودتها إلى حياتها مجددا إذا ما نجحت الجهود في مغادرتها قطاع غزة للعلاج بالخارج بعدما تعثرت محاولات الطواقم الطبية الفلسطينية في علاجها. يعتبر عاهد أن حجم الحريق الذي شب وأحرق منزله بالكامل يعطي دلالات واضحة أنه غير طبيعي ولم يكن لمجرد إيقاد نار الحطب، وإنما هناك مواد أخرى من مخلفات القصف تشبع بها الحطب والجو زادت من انتشار النيران. وقال "لا أعرف بالضبط ما هي المواد التي تسببت في هذا الحريق، لكننا نزحنا عن بيتنا لمدة شهر وعدنا لنمارس نفس أسلوبنا بالطبخ على النار، حتى فوجئنا بهذه النيران تلتهم عائلتي منزلي".

وأضاف "يقيني أن ما حدث لنا سببه الاحتلال ومخلفاته والمواد التي يستخدمها في القصف". وبالنسبة لعاهد، فإن الأمل الوحيد في إنقاذ زوجته يكمن في تسهيل سفرها إلى مصر لتلقى العلاج، بعد حصولها على إذن العلاج بالخارج منذ اليوم التالي لإصابتها. وعلى الرغم من جاهزية الوثائق اللازمة لنقل الزوجة نجاح إلى مصر، فإنها ما زالت مستلقية على سرير في مستشفى الأقصى.

هذه الحادثة المأساوية ليست مجرد قصة عن حريق منزلي، بل هي شهادة على الأخطار الخفية التي تحملها آثار الحروب والنزاعات، حيث يمكن للمواد المتبقية من القصف أن تتسبب في كوارث لا يمكن توقعها، حتى في أبسط أعمال الحياة اليومية مثل طهي الطعام.