النجاح الإخباري -  مع شروق الشمس، يشرع الصياد الفلسطيني نبيل المسارعي في عمله، فيدفع قاربه الصغير بمجدافيه نحو البحر، ثم يبحر لمسافة قليلة قبالة شاطئ خان يونس في جنوب قطاع غزة، متنقلا شمالا وجنوبا في منطقة محدودة دون أن يستطيع الدخول في عمق البحر خشية استهدافه من قبل القوات البحرية الإسرائيلية التي تظهر زوارقها الضخمة بالعين المجردة.

يستمر المسارعي (30 عاما) لبعض ساعات قبل أن يعود أدراجه إلى الشاطئ حاملا القليل من الأسماك التي يصطادها رغم المخاطر المحدقة به، سواء احتمال تعرضه لإطلاق النار من قبل البحرية الإسرائيلية كما هو معتاد في ظروف ما قبل الحرب، أو الرياح العاتية.

ينتقل المسارعي، الذي يمتهن الصيد منذ كان طفلا صغيرا في دير البلح، إلى البحر في خان يونس يوميا بحثا عن منطقة صخرية تزيد فيها احتمالية وجود الأسماك فضلا عن هدوئها مقارنة بمناطق أخرى تعرض فيها ابن عمه لقصف إسرائيلي وقتل على الفور قبل عدة أشهر.

يضطر الصياد، وهو أب لأربعة أبناء، إلى العمل في الصيد في وقت الحرب بعد تعطله لنحو شهرين في بداية الصراع حتى كاد الجوع يتسلل إلى أطفاله بعد نفاد ما كان يوفره سابقا، وقال إنه لم يفكر كثيرا وقرر العودة لممارسة مهنته دون النظر لحجم الخطر الذي يهدد حياته، حتى يتمكن من شراء الدقيق والمواد الغذائية لعائلته.

ويقول المسارعي، الذي يساهم أيضا في توفير احتياجات والديه وأشقائه، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "أدرك أن العمل بالصيد في ظل ظروف الحرب لا يعني سوى الموت كما حدث مع غيري، لكن لا نعرف غيرها ولا يوجد أصلا أي عمل آخر خلال هذه الأيام الصعبة، وليس لدي خيارات أخرى سوى العمل بأي طريق لتوفير قوت أطفالي".

ويتساءل قائلا "حتى ما أصطاده بالكاد يوفر الخبز فكيف إذا جلست بلا عمل؟ من سيطعم عائلتي ويوفر لابني الذي لم يكمل عامه الأول الحليب؟ ماذا سأقول لأبنائي عندما يطلبون مني علبة فول أو زيت أو زعتر ليفطروا بها؟ هل مقبول أن أجلس أندب حظي وخوفي من الموت وفرصة العمل أمامي؟".

وعلى ذات القارب يعمل رفيقه أحمد (28 عاما) الذي تتشابه ظروفه مع المسارعي، لكنه يصر على مواصلة العمل ومحاولة توفير ما يمكن توفيره، حتى لو لم يخرجا سوى بالقليل من الأسماك التي لا تصلح للبيع.

يشير الصياد إلى أنه في بعض الأحيان لا يفلح سوى في اصطياد القليل من الأسماك بما لا يزيد على ثلاثة كيلوغرامات ولا يحظى بقبول الزبائن، فيكون نصيب عائلته التي تنتظره على أحر من الجمر، على حد تعبيره.

يجتهد أحمد في تنظيف بعض أصناف الأسماك بناء على طلب زبون كان ينتظره على الشاطئ بعد وزنه بميزان يدوي، قبل أن يبدأ في ترتيب أدوات صيده ويضعها في مظروف صغير إلى جانب القارب انتظارا ليوم آخر من الصيد المحفوف بخطر الموت.

ويقول الصياد "لقمة العيش هنا تساوي الموت ونحن نختارها مع وجود هذه الاحتمالية الكبيرة، فالكل معرض للموت خلال هذه الحرب ولا يمكننا انتظاره ليأتي بالقصف أو الجوع، سنعمل حتى آخر نفس علنا نطعم صغارنا قبل وصولهم لمرحلة التجويع الحقيقي".

وأضاف "أودع عائلتي كل صباح وأظل أنا وهم في حالة قلق مستمر حتى العودة إليهم مرة أخرى".

وارتفعت أسعار الأسماك مع نفاد اللحوم البيضاء والحمراء من الأسواق في جنوب قطاع غزة، لكنها عاودت التراجع في الآونة الأخيرة بعد توريد كميات من اللحوم والدجاج المجمد من مصر عبر معبر رفح، لكنها تظل مرتفعة مقارنة بما قبل الحرب.

وعلى بعد نحو 500 متر، يقضي الصياد إياد الأقرع (32 عاما) كامل يومه وهو يمد سنارته داخل البحر، لعله يظفر بالقليل من الأسماك يعود بها لعائلته أو يبيعها إن كانت كميتها تتجاوز ثلاثة كيلوغرامات.
  
يلجأ إياد إلى الصيد بالسنارة خشية استهداف قاربه الصغير الذي نقله مع بداية الحرب إلى مكان سكنه في دير البلح بعدما قصفت البحرية الإسرائيلية غالبية القوارب على الشاطئ، فآثر الاعتماد على السنارة للحفاظ على نفسه وقاربه.

يقف الصياد غالبية وقته ويجلس قليلا ويقضي في أحيان كثيرة معظم النهار دون أن يصطاد ما يكفي عائلته، فيعود خاوي الوفاض انتظارا لليوم التالي دون أن يتسلل اليأس إلى نفسه، كونه اعتاد على ذلك خلال 12 عاما من عمله في الصيد.

وبينما يوضح إياد أنه يستشعر الخطر كونه يعمل في أوضاع حرب مميتة ولا ضمان لعدم استهدافه من الزوارق الإسرائيلية التي اعتادت إطلاق النار والقذائف على الصيادين، فإنه يؤكد استمراره في عمله لعدم وجود بدائل أخرى لإطعام أطفاله الأربعة.