النجاح الإخباري -  يبذُل الفلسطينيّ محمّد سليمان (56 عاما) جهودا مضنية لاستكمال تجهيز منزله المبنيّ من الطوب الإسمنتيّ في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزّة، للفكاك من عذاب النزوح بخيمة يتجرّع مرارتها أبناؤه وأحفاده، منذ أن أجبره الجيش الإسرائيلي على النزوح من منزله وسط خان يونس قبل أكثر من 100 يوم كبقيّة سكّان المدينة.

يوفّر محمد مزيدا من العمّال الذين يساعدونه في البناء حتى ينتهي من أعمال الطوب والإسمنت وسقف المنزل بالصفيح، لينتقل إلى أعمال البلاط وتأسيس شبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي وملحقاتهما، حتى يتمكّن من نقل عائلته وعائلتي ابنيه المتزوجين إليها في أقرب وقت ممكن.

ينتهي الرجل من البناء الخارجي وتقسيم منزله الصغير إلى غرفتين وصالة مع حمام ومطبخ صغيرين وتغطية السقف، في حين يحفر بئرا صغيرة للصرف الصحي، ويجهّز برميلين سعة الواحد منهما 1500 لتر ليخصص أحدهما للمياه المنزلية والآخر لمياه الشرب.

ينجح الرجل في توفير معظم احتياجات بناء منزله الجديد بشق الأنفس وهو يتنقل بين أسواق دير البلح ورفح ومواصي خان يونس، فيشتري معظمها بأسعار مضاعفة، لكن حاجته الماسة لتشييد منزله المؤقت تدفعه للقبول بالمتوفر من حيث الجودة والأسعار رغم أنه استدان الجزء الأكبر من التكاليف من أحد أقاربه.

ويحرص الأب والجد على توفير مكان أكثر ملاءمة للحياة الآدمية لأبنائه وأحفاده بعدما تدهورت الأوضاع الصحيّة لمعظم عائلته لتعرّضهم لأمراض جلديّة وأعراض الشتاء ونحو ذلك، نتيجة لسوء المعيشة داخل الخيمة من حيث تسرب مياه الأمطار وغرق كل أمتعته وافتقادها للنظافة وعدم القدرة على القيام بالمهام اليومية.

* صعوبات متعددة والتأقلم الحل

يعدّ محمد أمد النزوح والحرب قد طال، ولا أفق للعودة إلى ما قبلهما في قت قريب، سواء نجح الوسطاء في الضغط على الطرفين للوصول إلى التهدئة أم لا، خصوصا أن منزله غير صالح للسكن ولا يمكنه العودة للمعيشة فيه حتى في حال وقف إطلاق النار وسماح الجيش الإسرائيلي بذلك.

وبينما يعد الرجل أنه أفضل حالا من غيره، كونه يمتلك قطعة أرض يمكن البناء عليها من جهة ونجاحه في توفير الطوب والإسمنت ومستلزمات البناء الأخرى رغم ظروف الحرب من جهة أخرى، فإنه يصف رحلته مع البناء بالشاقة جدا، كونه بقي لشهرين يبحث عن الاحتياجات لتوفيرها قبل البدء في البناء أخيرا.

بيد أن الصعوبات التي واجهها على تعددها، يصفها بالأقل مشقة من البقاء في خيمة لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف المقبل "ولا تقارن مع كلفة البحث عن الأطباء والأدوية لعلاج الأطفال المرضى من ظروف الخيمة".

يقول محمد "لا مجال للمقارنة بين الجهد والتكلفة والمشقة التي كابدتها مهما كانت كبيرة لتشيّد منزلا لا تزيد مساحته على 50 مترا وبين ويلات النزوح في خيمة مميتة نعيش فيها العذاب في كل لحظة".

ويضيف، محتضنا حفيديه عمر ورقية، "من أجلهما وغيرهما من الصغار، يجب بذل كل ما هو ممكن لنوفّر لهم بيئة أكثر نظافة وأقل خطورة".

ويردف قائلا "لا يمكننا الاستسلام للواقع مهما كان قاسيا؛ تجربتنا نحن الفلسطينيين خلال عقود من الاحتلال والحروب والمعاناة، علمتنا إيجاد البدائل والتعامل والاستفادة مما هو متاح وصولا لمرحلة التأقلم".

ويشير الرجل إلى رسالة إنسانية يعمد إلى إيصالها، أولا للنازحين، بضرورة الإصرار على الحياة وبذل كل الجهود لمواصلتها بشتى الطرق، والثانية لإسرائيل والعالم بأن الفلسطينيين يواجهون الهدم والتدمير بالبناء والتعمير حتى في زمن الحرب، وفق وصفه.

وعلى الرغم من أن منزل العائلة قبل الحرب مبني على مساحة 250 مترا ومكون من طابقين بثلاث شقق سكنية، فإن أحمد، الابن الأكبر للعائلة، يعدّ وجود مكان من الحجارة مهما كان صغيرا يأويهم أهون بكثير جدا من الخيمة التي ينزحون فيها مع عريش صغير مقسّم كحمام ومطبخ.

يوضح الشاب (35 عاما) أنهم يعانون الأمرين في كل تفاصيل الحياة بشكل يومي، بدءا من عدم القدرة على إعداد الطعام وانتهاء بالحمام غير الملائم المغطى بالنايلون الخفيف، ووصولا إلى عدم القدرة على الحركة أو النوم والبرد الشديد والافتقاد للنظافة الشخصيّة والعامة وغيرها.

يُعبّر الابن عن ارتياحه لقطعهم شوطا مهما في البناء، ما يعني اقتراب إمكانيّة الانتقال إليه بعد أسبوع أو أكثر قليلا، ما يمنحهم فرصة للحياة أقل قسوة من الأشهر الماضية.

* الإصرار والبعد عن الشكوك 
 
وبينما يذكر الشاب أن مشهد بناء منزلهم من الحجارة يثير استغراب النازحين الذين يقفون عند مرورهم بجانبه ليسألوا عن كيفيّة توفير مواد البناء، يؤكد أن الأكثر استهجانا بالنسبة إليهم هو قرار البناء ذاته رغم ظروف الحرب وإمكانية تعرّضه للقصف أو الهدم من جديد أسوة بما حدث داخل المدن.

ويوضح أن كثيرين حاولوا أن يثنوهم عن القيام بهذه الخطوة لكلفتها الباهظة من جهة وإمكانية التدمير أو الانتقال لنزوح جديد من جهة أخرى، خاصة أن الجيش الإسرائيلي أجبر الفلسطينيين على النزوح من مكان إلى آخر مرّات عدّة.

لكن العائلة، وفقا للشاب، لم تتردد في البناء مباشرة مهما كانت الأوضاع أو النتائج "فلا يمكن الركون إلى الشكوك أو التوقعات واستمرار العيش في ضنك ومعاناة لمجرد احتمالات قد تتحقق أو لا".

وقال "ندرك أن مجرّد فكرة البناء في مثل هذه الظروف أمر غريب للجميع، كوننا ما زلنا في الحرب ويمكن أن نتعرض لأي ضرر؛ لكننا نبني في منطقة مصنّفة بالآمنة وفق ما أعلن الاحتلال".

أضاف "يكفينا أن نعيش في منزلنا الصغير لأي مدة طالت أم قصرت، المهم وضع حد لمعاناة الصغار والكبار وقبل ذلك منح أنفسنا أملا بإمكانية الحياة".

الجدير بالذكر أن هناك محاولات مشابهة في مناطق متعددة جنوب قطاع غزة لبناء غرف من الطوب الإسمنتي ونحوها، لكنها محدودة جدا لصعوبة توفير مواد البناء وارتفاع أسعارها من جهة، والخشية من مواصلة عملية النزوح القسري من جهة أخرى.