ترجمة خاصة - النجاح الإخباري - قالت صحيفة واشنطن بوست في تحليل مطول إنه على مدى ثلاثة أشهر، احتفل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً بسقوط حركة حماس في شمال غزة، متجاهلاً التحذيرات بأن الندرة الشديدة في الغذاء واتساع فراغ السلطة من الأسباب التي أدت إلى خلق حالة من الفوضى.

ولكن بعد كارثة قافلة المساعدات الأخيرة في مدينة غزة، ووسط تقارير عن وفاة أطفال فلسطينيين بسبب سوء التغذية، يواجه نتنياهو حسابا دوليا - تحت ضغط متزايد من الولايات المتحدة لدرء المجاعة واستعادة النظام في القطاع المدمر.

ويقول المسؤولون الحاليون والسابقون إن الأزمة تنبع من فشل إسرائيل في تطوير استراتيجية عملية لما بعد الحرب، أو التخطيط لعواقب الاحتلال العسكري المفتوح.

ونقلت الصحيفة عن عيران عتصيون، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قوله إن الوضع في شمال غزة يسلط الضوء على "عمق المستنقع والفوضى وعدم القدرة على إعادة أي نوع من الحياة الطبيعية" بعد انتهاء المراحل الأكثر كثافة من القتال".

وأضاف عتصيون: "إن منع المجاعة هو مسؤولية إسرائيل من الناحية القانونية - والقيام بخلاف ذلك سيكون مخالفًا للمعايير التي تتظاهر إسرائيل بأنها تتمسك بها - ولكن أيضًا من الناحية الاستراتيجية، من أجل تجنب الضغوط الدولية".

واستمرت الضغوط في التصاعد يوم الخميس، حيث حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر من أن إسرائيل تخاطر بأن تصبح "منبوذة" دوليًا إذا بقي نتنياهو في السلطة.

وكان الخطاب اللافت للنظر الذي ألقاه أعلى مسؤول يهودي في الولايات المتحدة هو أوضح علامة حتى الآن على سخط واشنطن تجاه الزعيم الإسرائيلي وطريقة تعامله مع الحرب في غزة.

ومع ذلك، تثير الفوضى في الشمال أسئلة أكبر لا ترغب الحكومة الإسرائيلية - الممزقة بين مؤسسة أمنية تطالب باستراتيجية خروج وائتلاف يأمل أعضاؤه اليمينيون المتطرفون في احتلال القطاع - في الإجابة عليها. 

وفي مقابلة مع صحيفة بوليتيكو يوم الأحد، رفض نتنياهو مرة أخرى فكرة تسليم السلطة إلى السلطة الفلسطينية، التي تعتبرها واشنطن البديل الوحيد القابل للتطبيق لحماس.

وعندما سُئل عن أزمة الجوع في شمال غزة، زعم نتنياهو: "هذه ليست المعلومات التي لدينا. ونحن نراقب عن كثب، والأهم من ذلك، أنها ليست سياستنا. سياستنا هي تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية”.

وتعمل حكومة نتنياهو على إضعاف الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي تتمتع بالخبرة الأكبر في تقديم المساعدات والخدمات الأخرى في غزة

وسحبت الولايات المتحدة، من بين مانحين دوليين آخرين، تمويلها من الوكالة في يناير/كانون الثاني بعد أن اتهمت إسرائيل أكثر من عشرة من موظفيها بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وقامت الأونروا بطرد العمال الذين يُزعم أنهم على صلة بـ 7 أكتوبر، وتقوم بالتحقيق في هذه المزاعم.

وتقول الوكالة إن أكثر من 150 منشأة تابعة للأونروا قد تعرضت للقصف في الحرب، واستشهد ما لا يقل عن 165 موظفًا.

 وأدت غارة إسرائيلية على موقع لتوزيع المواد الغذائية في رفح يوم الأربعاء إلى استشهاد موظف وإصابة 22 آخرين.

وقال الاحتلال الإسرائيلية إنه يستهدف قائدا في حماس مسؤولا عن تحويل المساعدات للحركة؛ وقالت حماس إن الرجل هو نائب رئيس الشرطة في المنطقة.

بدوره أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي يوم الخميس إن إدارة بايدن "قلقة للغاية" بشأن الغارة التي وقعت يوم الأربعاء في رفح وتريد أن ترى إسرائيل تجري "تحقيقا سريعا وشاملا بشأن ما حدث بالضبط".

ومع تهميش الأونروا بشكل فعال، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تماطل وتبحث عن بدائل، حيث تحذر مجموعات الإغاثة والحلفاء من أن الوقت ينفد. 

ويتناول العديد من الأشخاص المتبقين في شمال قطاع غزة البالغ عددهم 300 ألف شخص وجبة واحدة على الأقل يوميًا ويلجأون إلى تناول علف الحيوانات والبحث عن النباتات البرية. 

واستشهد ما لا يقل عن 27 شخصا، معظمهم من الأطفال، بسبب سوء التغذية أو الجفاف في الأسابيع الأخيرة، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

وقالت سيندي ماكين، رئيسة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان يوم الاثنين: "إذا لم نقم بزيادة حجم المساعدات المقدمة إلى المناطق الشمالية بشكل كبير، فستصبح المجاعة وشيكة" .

وفي حين تسعى الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية الآن جاهدة لزيادة المساعدات من خلال عمليات الإنزال الجوي وممر بحري جديد، فإن الحكومة الإسرائيلية "لا تعمل على ترجمة النجاحات التكتيكية الكبيرة التي حققها الجيش إلى شيء مستدام"، كما يقول يسرائيل زيف، الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي.

لقد برز حجم الأزمة الإنسانية في يوم 29 فبراير/شباط، عندما سارع آلاف من سكان غزة الجياع إلى قافلة غذائية في ظلام الفجر. 

وفتحت قوات الاحتلال النار وقتلت أكثر من 100 شخص، بحسب مسؤولي الصحة الفلسطينيين. 

وزعم دانييل هاجاري المتحدث باسم جيش الاحتلال إن الجيش أطلق طلقات تحذيرية فقط وإن "معظم القتلى" تعرضوا للدهس أثناء التدافع، على حد قوله.

وقال الأطباء الفلسطينيون إن غالبية الضحايا الذين يقدمون لهم الرعاية مصابون بطلقات نارية. ووصفها فريق من خبراء الأمم المتحدة بأنها "مذبحة".

وقال اثنان من كبار المسؤولين في إدارة بايدن لصحيفة واشنطن بوست، إن تسلسل الأحداث لا يزال غير واضح، لكنهم قالوا إن إسرائيل هيأت الظروف التي أدت إلى المأساة.

وبعد ثلاثة أيام، وفي أشد توبيخ من جانب الإدارة الأميركية لإسرائيل حتى الآن، دعت نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى "وقف فوري لإطلاق النار" وتقديم المزيد من المساعدات إلى غزة - "بدون أعذار"، على حد قولها.

وأعلن الرئيس بايدن بعد ذلك عن بناء رصيف قبالة ساحل غزة وإنشاء ممر بحري للمساعدات ستكون إسرائيل مسؤولة عن تأمينه.

وقال أحد مسؤولي الإدارة، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة المحادثات الحساسة: "لقد كانت هذه فوضى من صنع إسرائيل"..في نهاية المطاف، إسرائيل هي المسؤولة عن المجاعة الجماعية ونقص المساعدات".

وظل نتنياهو متحديا. وفي خطاب ألقاه يوم الثلاثاء أمام لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك) المؤيدة لإسرائيل، قال إن المجتمع الدولي لا يمكنه “دعم إسرائيل في تدمير حماس، ثم معارضة إسرائيل عندما تتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف”.

وتعهد أيضا بالمضي قدما في العملية العسكرية في رفح بجنوب قطاع غزة حيث لجأ نحو 1.5 مليون من سكان غزة النازحين. 

وقال جيش الاحلال يوم الأربعاء إنه سيتم إجلاء المدنيين إلى “جزر إنسانية” في وسط المنطقة قبل الغزو.

وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة The Washington Post، متحدثاً بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى الصحافة، إن حكومة نتنياهو لم تشارك في مشروع الرصيف. لكنه قال إنهم يرحبون بإنشاء ممر المساعدات البحرية، الذي تضغط إسرائيل من أجله منذ الأسابيع الأولى للغزو البري، على حد زعمه.

وتقول المنظمات الإنسانية والدبلوماسيون إن عمليات التسليم عن طريق الجو والبحر ليست بديلاً عن الوصول البري المستمر دون عوائق. 

وكان ما معدله 500 شاحنة تعبر يومياً إلى غزة قبل الحرب؛ وخلال خمسة أشهر من الصراع، أبقت القيود الإسرائيلية المعدل اليومي أقل بكثير من 200 يوم الذي وعدت إسرائيل بتسهيله. 

وفي منتصف شهر فبراير/شباط، لم يعبر سوى عدد قليل من الشاحنات في بعض الأيام، ويرجع ذلك جزئياً إلى الهجمات الإسرائيلية على قوافل المساعدات وقوات الشرطة التابعة لحماس –. ومع انهيار الأمن في الشمال، توقفت عمليات تسليم المساعدات تقريباً.

وقال المسؤول الإسرائيلي إن إسرائيل لم تجد بعد شريكا جديدا “على الأرض فيما يتعلق بتقديم المساعدات بطريقة أفضل”. 

وأضاف: "في المستقبل، الهدف هو أن يكون هناك شخص... سيكون قادرًا الآن على الحفاظ على القانون والنظام المحيطين بتقديم [المساعدات]، وفي المستقبل، سيضع غزة على مسار مختلف".

وقالت واشنطن بوست: "ومن الذي سيقود هذه الجهود – وكيف ستجدها إسرائيل – لا يزال غير واضح".
 
ولم تحدد حكومة نتنياهو جدولاً زمنياً محدداً لتحقيق الأهداف الرئيسية للحرب: تدمير حماس وإعادة أكثر من مائة أسيراً إسرائيلياً ما زالوا محتجزين في غزة.

وقال غادي شامني، القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي: "طالما لا توجد استراتيجية "اليوم التالي"، فإن ذلك يخلق وضعاً يبدأ فيه الجيش الإسرائيلي في الدوران في دوائر".

منذ شهرين على الأقل، دخلت إسرائيل في شراكة مع رجال أعمال محليين لنقل المساعدات بالشاحنات إلى الشمال. ويقدم البرنامج التجريبي - الذي ظل في الغالب تحت الرادار حتى حادث القافلة المميت-.
 
ودخلت أكثر من 150 شاحنة مساعدات، إلى شمال غزة في الأسبوعين الماضيين، وفقا للجيش الإسرائيلي.

وبموجب البروتوكولات الجديدة التي تم تنفيذها هذا الشهر، "بناء على طلب الحكومة الأمريكية"، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه يتم تفتيش الشاحنات عند معبر كرم أبو سالم الحدودي بجنوب إسرائيل، ثم يرافقها الجيش لمسافة حوالي 30 ميلا على طريق على طول الحدود الأمنية. ثم تدخل الشاحنات عبر معبر جديد – يسمى “96”، بالقرب من مستوطنة بيري – وتستمر دون مرافقة إلى شمال غزة.

لكن إدخال الشاحنات إلى القطاع هو الأول فقط في سلسلة من التحديات المعقدة.

وقال مايكل ميلشتين، الرئيس السابق للقسم الفلسطيني للمخابرات العسكرية الإسرائيلية: "الهدف هو الحصول على المزيد والمزيد من الحاويات، لكن السؤال يظل مطروحًا حول من سيتسلم هذه الحاويات، ومن سيؤمنها، ومن سيقوم بفرزها، وإسرائيل تجد نفسها مرارًا وتكرارًا تعود إلى المربع الأول". 

وقد لفت البرنامج التجريبي لتوزيع المساعدات انتباهاً جديداً إلى خطة نتنياهو المحددة بشكل ضبابي لغزة ما بعد الحرب، والتي صدرت الشهر الماضي، والتي دعت إلى الشراكة مع "الكيانات المحلية ذات الخبرة الإدارية" - والتي تم تفسيرها على نطاق واسع على أنها إشارة إلى بعض أقوى العائلات في غزة، أو العشائر، التي كانت لها نفوذ في أجزاء مختلفة من القطاع واشتبكت مع حماس في الماضي.

وحذرت حماس هذا الأسبوع من أن أي فلسطيني يعمل إلى جانب إسرائيل لتوفير الأمن لقوافل المساعدات سيتم استهدافه باعتباره عميلاً.

ونقل موقع "المجد" المحسوب على حماس، عن مسؤول عسكري قوله إن "محاولة إسرائيل التواصل مع قيادات وعشائر بعض العائلات للعمل داخل قطاع غزة تعتبر تعاونا مباشرا مع الاحتلال وخيانة للأمة لن نتسامح معها".

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على مناقشات ما بعد الحرب، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة هذا الموضوع الحساس: "لا يمكنك العثور على عائلة يمكنها ممارسة هذا النوع من السيطرة".

وتقول واشنطن بوست: "لقد حاولت إسرائيل الدخول في شراكة مع العشائر المحلية عدة مرات - كان آخرها في الثمانينيات - كبدائل للحركات الوطنية مثل فتح والسلطة الفلسطينية".

وقال زيف، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد: "لقد تمت تجربتها"، مضيفاً أن الخطة تخاطر "بتحويل غزة إلى صومال، حيث تتقاتل كل عائلة مع بعضها البعض، وتتسلح، ولن تتدخل إسرائيل".

وقال ميلشتاين، مسؤول المخابرات الإسرائيلية السابق، إنه بدون استراتيجية أكثر جدوى على المدى الطويل، يمكن أن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه يحتل غزة إلى أجل غير مسمى، وهو ما قالت واشنطن إنه غير مقبول.

وأضاف: "إسرائيل لا تعمل على إيجاد شريك للعمل معه في غزة، لكنها بدلاً من ذلك بدأت في إجراء جميع أنواع الترتيبات مع العشائر، مع رجال الأعمال الفلسطينيين... في انتظار حدوث نوع من السحر.. إن فكرة نجاح أي منها هي مجرد وهم".