النجاح الإخباري - على سبيل الأمل ورغم الألم انهمكت الفتاة الفلسطينيّة رؤى المسارعي في البحث عن قصاصات كانت قد بدأت تدوّن عليها يوميّاتها مع نشوب الحرب بين ركام شقّة عائلتها المدمّرة نتيجة قصف إسرائيلي لبرج سكنيّ شمال مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة وتدميره بالكامل.

ظلّت رؤى (16 عاما) وبعض أشقائها يزيحون كميّات الحجارة المتراكمة أعلى بعض أمتعة عائلتها المتناثرة، بينما تنفض الغبار عن كتب وكرّاسات وأقلام كانت تدوّن بها رسومات وكتابات لها تزايدت مع الأيام الأولى للحرب ضمن محاولاتها لتوثيق جزء من يوميّات عائلتها مع الخوف والرّعب والحرمان.

ذكريات أغلى من الذهب

 ما وجدته ارؤى لم يشف غليلها، فواصلت التنقّل بين الركام تتفحص أعلاه وأسفله بتؤدة، علّها تجد ضالّتها التي اعتقد المحيطون بها أنها ربّما قطعة ذهب أو مقتنيات ثمينة كانت تحتفظ بها. سألوها عمّا تبحث عنه حتى يساعدونها، فأبلغتهم أنها قصاصات ورقيّة صغيرة تمثّل لها الكثير.

عائلتها وجيرانها وأقاربها المنشغلون بالبحث عن بقايا مقتنياتهم وملابسهم التي تركوها في شققهم السكنيّة قبل فرارهم منها تحت الرعب والخوف، أبدوا استغرابهم من مجرد البحث عن أوراق غالبا ما تكون قد احترقت أو تمزّقت جرّاء القصف.

بيد أن رؤى ظلت متمسكة بالأمل في بحثها عن مرادها، تتابع عن كثب رفع الركام بالأيدي والأدوات البدائية، وتفتّش خلفهم وتقلّب ما يُلقونه يمينا ويسارا وهي تمضي الساعات الطويلة دون كلل أو ملل رغم مطالبات والديْها بالكفّ عن البحث ومغادرة المكان المقصوف لخطورته.

تنكسر حدة شمس النهار، ويتوالى وصول عائلات جديدة من سكان البرج المقصوف أملا في العثور على بعض مستلزمات شققهم، ليتجدد لدى الصبيّة الأمل في إمكانيّة العثور على قصاصاتها بعدما غادر والدها وأشقاؤها المكان وظلّت أمّها إلى جانبها تستظل بحائط منزل ملاصق تضرر ضررا بالغا جرّاء القصف.

ظلت الأم تكرر مطالبتها لابنتها بالمغادرة، حتى تتمكن من العودة إلى مكان النزوح في بلدة الزوايدة المجاورة مبكرا، وهو ما قابلته الفتاة بإصرار شديد على البقاء لوقت أطوال. كُسر هذا الأخذ والرّد لحظة أن انتزع أحد الجيران حقيبة صغيرة كانت خلف جدار طويل متساقط وألقى بها جانبًا.

لمحت رؤى الحقيبة الممزقة والمحترقة أجزاء منها، فقفزت نحوها وأمسكتها لتتيقّن أنّها تخصّها؛ وجدت الفتاة ضالتها عندما عثرت على بقايا بعض من قصاصاتها، فتهللت أساريرها وتنفسّت الصعداء، ثم جلست جانبا تقلّب الأوراق الصغيرة وتقرأ ما كتبته خلال أشهر مضت.

التمسك بالحلم

"لن يموت الحلم".. كانت القصاصة التي كتبت رؤى هذه العبارة عليها هي الأكثر أثرا في نفسها بين ما دوّنته؛ فمن جانب، هي جاءت لتلامس مأساة تشريد عائلتها وتدمير منزلها وضياع حلمهم بمنزل خاص؛ ومن جانب آخر، فإنها ترغب في عدم ضياع الحلم بين الدمار وهم ما زالوا أحياء لم ينضمّوا إلى قافلة ضحايا الحرب.

أمسكت الفتاة بقصاصتها ورفعتها أمام ناظريّ أمّها وأعين من تبقى من أصحاب الشقق المدمرة، محاولة بث الأمل فيهم وسط أكوام الركام الباعث على اليأس والإحباط وهو تستبدلها بقصاصات موحيّة بالقدرة على تجاوز الصعاب واستئناف الحياة مهما كان الواقع مؤلما.

وبينما ترى رؤى أن مشهد الدمار هذا هو ما كان يتوقّعه الجميع منذ بداية الحرب الداميّة، فإنها تُدرك أنّ المطلوب عدم الاستسلام ووأد الأحلام "التي تبقى حيّة ما دام أصحابها يتنفسون".

تعود قصّة رؤى مع هذه القصاصة إلى متابعتها يوميات الحرب التي تأتي على البشر والحجر والشجر؛ لكن وسط هذه المحرقة، كانت بعض الأصوات تُنادي بعدم القنوط وتصرّ على مواصلة الحياة، خصوصا من أولئك الذين فقدوا أحبّتهم وممتلكاتهم وفق وصفها.

أوضحت الصبيّة أنّها دوّنت هذه العبارة لتشكّل خلاصة مواقف المكلومين بالحرب والمعذّبين جراء النزوح بحسب وصفها، وأنها تثق أنّ ما عايشته خلال سنين عمرها المعدودة يؤكد أنّ هذه العبارة "متحققة لا محالاة مهما كان حجم التحديات".

وقالت "لن يموت حلمنا ببيت يأوينا، ومدرسة نتعلّم فيها، ومدينة آمنة نعيش فيها دون حروب. لن يموت حلمنا بحياة كبقية البشر... طالما لم تمت الأحلام، فسنحيا على أمل الخروج من هذا العذاب".

المصدر: وكالة أنباء العالم العربي+ النجاح الإخباري