النجاح الإخباري - بغضب بالغ، يُعقّب الستيني أبو ياسين المجايدة على استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي خيمتي نازحين في مواصي خان يونس واستشهاد 12 فلسطينيا وإصابة آخرين جرَّاء ذلك، بعد ساعات فقط من قرار مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ويقول "إسرائيل مش سائلة عن حدا".

يشير الرجل بيده إلى بقايا الخيمتين المحترقتين وتناثر أشلاء النازحين وأمتعتهم وبقايا طعامهم في المكان نتيجة الاستهداف المباشر، لافتا إلى أنهم نزحوا من شمال غزة منذ خمسة أشهر إلى المواصي فرارا من الموت بالقصف الإسرائيلي، لكن ذات القصف باغتهم ليلقوا مصيرهم المحتوم.

يعتبر أبو ياسين أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة ومواصلة سقوط مزيد من الضحايا الفلسطينيين هو رسالة للمجتمع الدولي بأن إسرائيل تضرب بكل قراراته عرض الحائط؛ فالذي يجري على أرض الواقع يخالف تماما القرار الأممي بوقف إطلاق النار في غزة.

ومنذ اللحظة الأولى لصدور القرار، لم يتوقع الرجل النازح من وسط خان يونس إلى المواصي تغييرا في سلوك إسرائيل ما دامت لا توجد إجراءات عملية تضغط عليها "لوقف عدوانها وقصفها واستهدافها المدنيين الأبرياء". 

ويؤكد في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن كل مناطق القطاع، سواء التي يجتاحها الجيش الإسرائيلي أو تلك "الآمنة" التي يُجبِر الفلسطينيين على النزوح إليها، تشهد قصفا وإطلاق نار وسقوط مزيد من الشهداء والمصابين. يقول كل الآمال بإمكانية إنجاز تهدئة والحفاظ على حياة الفلسطينيين تبددت مع تصاعد حدة العمليات العسكرية.

ورغم مرور يومين على قرار مجلس الأمن، لم يتغير شيء على أرض الواقع من حيث استمرار القصف الجوي والمدفعي لأنحاء متفرقة من قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 81 فلسطينيا وإصابة 93 خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى بعد صدور القرار وفق إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية بغزة.

كان مجلس الأمن قد أصدر مساء الاثنين القرار 2728 الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال رمضان. ولأيد المجلس مشروع القرار بأغلبية 14 صوتا فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.

يقول أبو ياسين "الفلسطينيون فرحوا لمجرد صدور القرار، كانوا ينتظروا اللحظة التي يتوقف فيها القتل حتى يأمنوا على أبنائهم؛ لكن بعد ساعات من صدوره تحدث المجازر واستهداف العائلات المدنية النازحة".

ويضيف "الحقيقة أن إسرائيل لم تلتزم بأي شيء وأن قرار مجلس الأمن رغم أهميته لم يغير من الواقع شيئا، نحن نزداد إحباط ويأسا والنازحون يصلون حد الجنون مع استمرار الأمور على حالها من القصف والموت اليومي".

* "عجز العالم"

وفي رفح أقصى جنوب القطاع لم يكن المشهد مغايرا، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية نحو عشرة منازل فضلا عن أراض فارغة ومزارع خلال الساعات الأخيرة ما أدى إلى استشهاد نحو 25 فلسطينيا، سقط أولهم باستهداف منزل يؤوي نازحين شمال رفح بعد ساعات معدودة من صدور قرار مجلس الأمن. 

بجوار المنزل المقصوف تحدث بدر الشوا (46 عاما) الذي كانت الضمادات تحيط برأسه وذراعه بعد إصابته في القصف. قال إنهم في البداية شعروا بارتياح بالغ بعد صدور القرار وتوقعوا أن يبيتوا ليلتهم في أمان، إلا أن قصفا جويا باغت عائلات أقاربه النازحين من مدينة غزة وأدى إلى استشهاد 20 بينهم أطفال وكبار سن كعمَّته نازلة الشوا البالغة من العمر 92 عاما.

رغم إصاباته المتفرقة، يفتش بدر عن بقايا أشلاء أقاربه بين ركام المنزل ومعالم الصدمة ما زالت مسيطرة عليه، فالطائرات الإسرائيلية قصفت المنزل على ساكنيه دون أي اعتبار لكونهم مدنيين.

يقول بغضب وبقايا الدماء ما زالت على رأسه وملابسه "هنا تُجسد إسرائيل التزامها بقرار وقف إطلاق النار، بعد ساعات فقط تقصف منزلا مدنيا وتُبيد عائلات نازحة ليس لها أي ذنب سوى أنها تعيش في هذا المكان من العالم".

يضيف "لا معنى لأي قرار أممي دون وجود ضغط حقيقي يجبر إسرائيل على وقف عملياتها، وإلا سنخسر مزيدا من الأبرياء بحرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو المتطرفة ضدنا".

ويتهكم السبعيني عمر سليمان من عجز العالم عن إيقاف الحرب وإجبار إسرائيل على الالتزام بقرار مجلس الأمن، ويتعجب لأن المجتمع الدولي لديه المقدرة الكاملة على فعل ذلك، لكنه يرى أن الأمر يتعلق بغياب القرار والإرادة الدولية لممارسة أي ضغوط حقيقية على إسرائيل.

يقول "التجارب طوال العقود الماضية تؤكد أن إسرائيل لا تعبأ كثيرا لأي قرارات تصدر عن الأمم المتحدة ومؤسساتها، وأنها تستمر في استراتيجيتها التدميرية للفلسطينيين والعرب"، لافتا إلى أن اليومين الذين تبعا قرار مجلس الأمن كانا من أشد الأيام قسوة من حيث القصف والاستهداف.

يجلس بين أحفاده قبالة خيمة نزوحه ويقول بألم "ما رسالة إسرائيل من وراء ذلك سوى القول بأنها لن تلتزم بأي قرار وأن التزامها الوحيد يكمن في تحقيق أهدافها العسكرية ضد الأبرياء؟ ماذا نملك كفلسطينيين لوقف الحرب إذا عجز كل العالم عن ذلك؟".

* غاب الأمل

لا يبدي ناجي الهسي (58 عاما) أي تفاؤل بإمكانية تطبيق إسرائيل للقرار الأممي ما دام غير مُرفق بعقوبات أو التزامات حقيقية تدفعها نحو التطبيق، وتوقع استمرار الحرب والعدوان بصرف النظر عن أي قرار بوقف إطلاق النار "خصوصا وأن إسرائيل لديها استراتيجية واضحة في الإبادة والتدمير والتهجير".

يطالب ناجي النازح من مدينة حمد إلى المواصي، بمواقف أكثر جدية من دول العالم عبر ترجمة القرار إلى إجراءات عملية مثل الضغوط القانونية والاقتصادية ووقف تصدير السلاح والتهديدات السياسية والدبلوماسية وغيرها من الوسائل المتاحة، معتبرا أنه من دون ذلك "لن تتوقف الحرب، وسيستمر الجيش الإسرائيلي في قصفه وقتله للفلسطينيين".

يقول "نعيش حالة إحباط ويأس شديدين من أي قرار أممي كون إسرائيل لم تعاقَب على عدم التزامها بعشرات القرارات السابقة التي تنصف الحق الفلسطيني".

وهو لا يستبعد إقدام الجيش الإسرائيلي على توسيع عملياته البرية في مناطق جديدة دون النظر لقرار مجلس الأمن، معتبرا أن ما يحدث منذ صدور القرار من قصف في كل أنحاء قطاع غزة دليل لا يقبل التأويل بأن القرار الأممي لا قيمة له من وجهة نظر إسرائيل.