النجاح الإخباري - دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها السابع، على وقع قصف متواصل وشهوة قتل وتدمير يكابدها سكان القطاع منذ 190 يومًا، راودتهم خلالها آمال حدوث انفراجة بهدنة أو وقف لإطلاق النار.

هذه الآمال والأمنيات بأن تضع الحرب أوزارها بدأت تتضاءل وسط حالة من اليأس وفقدان الأمل بهدنة أو اتفاق ينهي مأساتهم ويوقف رحى تلك الحرب الطاحنة التي يشهدها القطاع منذ أشهر.

ويؤكد مختصون في علم النفس أن الحالة النفسية التي يعيشها سكان قطاع غزة هي الأصعب على الإطلاق، حيث أصبحوا يعيشون حالة تمتزج فيها مشاعر الصدمة والرعب مع اليأس في ظل استمرار الحرب لفترة تعد الأطول والأكثر صعوبة ما يستنزف قدراتهم النفسية والجسدية.

قال النازح خالد محمد إنه كان يتوقع منذ أشهر التوصل لوقف لإطلاق النار أو هدنة تخفف من معاناتهم.

وتابع في حديثه مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "توقعنا أن نستقبل رمضان بفرحة وهدنة لكن للأسف لم يحدث ذلك وكذلك تأملنا أن تتم الهدنة قبيل عيد الفطر ولكن ذلك لم يحدث أيضًا، أصبحنا متيقنين أن المفاوضات أكذوبة، ونعيش بلا أمل".

لم يختلف حال النازح مؤمن شحادة عن سابقه، حيث تحدث عن الآمال والوعود التي سمعوها بقرب التوصل إلى هدنة عدة مرات.

وقال " تأملنا أن يكون هناك هدنة على الأقل في رمضان ليعيش أطفالنا بدون قصف ولكن المفاوضات فشلت، وبعد ذلك كان لدينا أمل أن تتم الهدنة قبل العيد ليعيش أطفالنا أجواءه في هدوء وسكينة ودون قصف رغم أننا نعيش في ظروف صعبة، الآن لم نعد ننتظر أي شيء".

* "كل مايقال كذب"

النازحة إيمان الشيخ كانت تعيش على أمل الهدنة كغيرها من النازحين وكما يأمل جميع أهالي القطاع الذي يعيش حربا هي الأصعب في حياة مواطنيه.

قالت إيمان لـAWP "أملونا بهدنة في رمضان ولم تحدث، وبعد ذلك تأملنا أن تتم الهدنة قبل العيد ولم تنجح كذلك، نفسيتنا تدمرت والآن عندما يتم الحديث عن الهدنة لم نعد نهتم .. كل ما يقال كذب".

النازح محمد عبد النبي، يصف أيضا الوضع النفسي الصعب للسكان الذين كانوا يأملون التوصل لهدنة أو لوقف إطلاق نار يضع حدا لمعاناتهم.

قال عبد النبي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) " في رمضان كنت أستيقظ كل يوم على أمل أن أسمع خبرا بأن هناك هدنة، لكن الآن لم نعد نؤمن بهذه الأخبار هي فقط لعبة هدفها النيل من أعصابنا، كلنا أصبحنا مرضى نفسيين بسبب الحرب تعبنا وأطفالنا تأذوا نفسيًا، ولا أتوقع أن هناك هدنة قريبة".

الأخصائية النفسية هانية عبيد، وصفت ما يعيشه أهالي قطاع غزة بحالة عدم اليقين والترقب وفقدان أي قدرة على التخطيط لفترات قادمة أو حتى ساعات.

وأضافت لـAWP "المواطنون في قطاع غزة يعيشون حالة من الترقب يعيشون ساعة بساعة ولحظة بلحظة، وسط مشاعر مختلطة فهناك لحظات شعور بالأمل عند الحديث عن هدنة أو وقف إطلاق نار والتي سرعان ما تختفي، ويحل مكانها الشعور بالإحباط والخوف عند الحديث عن فشل المفاوضات".

وتابعت "كما أن شعورهم بفقدان الأمان الذي يلازمهم منذ 7 أشهر يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا وحالة إجهاد عاطفي إضافة للتعب الجسدي، وحالة الخوف المتواصل والمستمر يمكن أن يتسبب بالشعور باليأس، لذلك من الضرروي محاولة تعزيز الشعور بالأمل لديهم وأنه لابد أن يكون للوضع الراهن نهاية".

وشددت هانية عبيد على أن كل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة سيكون لها تأثير على المدى البعيد.

* جراح نفسية عميقة

وقالت "ما يعيشه 2 مليون مواطن سيترك لهم جراحًا نفسية عميقة، ستلازمهم فترات طويلة ستستمر لسنوات، فما سيشعرون به سيستمر حتى بعد نهاية الحرب، وسيحتاجون لعلاج نفسي سواء بمراحل أولية أو مراحل متقدمة".

الأخصائي النفسي شادي أبو الكباش أكد أن ما يعيشه المواطنون في قطاع غزة استثنائي ورغم الحروب التي عاشها القطاع لكن لم يسبق أن كان هناك تجربة سابقة كالوضع الحالي من حيث الشدة والفترة الطويلة الممتدة منذ 7 أشهر.

وقال أبو الكباش لـAWP" الظروف المأساوية التي يعيشها سكان قطاع غزة ورغم أنهم عايشوا حروبًا سابقة، إلا أن ما يعيشونه الآن يفوق رصيد الجلد النفسي لديهم حيث أنه بدأ ينفد لدى البعض وأصبح يتحول لحالة من اليأس".

وأضاف "في كل مرة يتم الحديث عن هدنة يتجدد الأمل لديهم ومع تكرار هذه التجربة بتجدد الأمل ومن ثم اندثاره أصبح لديهم حالة من عدم الانتظار وفقدان الأمل، بحيث أصبح هناك حالة من الاستسلام للأمر الواقع بأن هذا الوضع يمكن أن يطول مداه".

ومضى يقول "رغم أن سكان القطاع من أكثر الفئات قدرة على التحمل ولديهم رصيد صلابة عال جدا بسبب الظروف الصعبة التي عايشوها على مدار سنوات، لكن ما يعيشونه الآن من فقد سواء للعائلة أو المنزل جعلهم يفقدون كل معاني الحياة بشكل تدريجي، بالتالي حدث استنزاف لقدرتهم وجلدهم النفسي على تحمل ما هو قادم".

وشدد أبو الكباش على أن انعدام كل مقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء وعلاج وشعور بالأمان أوصل سكان غزة إلى مرحلة لا يفكرون فيها بالهدنة وأصبحوا يعيشون حالة من عدم اليقين وفقدان الاستقرار ما سيؤثر على تعاملهم مع الحياة ... لكن فئة المراهقين والأطفال سيكونوا الأكثر تأثرًا كونهم لا يمتلكون تجارب كافية وليس لديهم قدرة على التعامل مع كل هذه الاحداث".