النجاح الإخباري - تنهمك الفلسطينية سندس النميلات مع شقيقتيها في إعداد زينة شهر رمضان من أوراق الدفاتر المدرسية التي جلبوها معهن من منزل عائلتهن في قطاع غزة قبل النزوح، ليصنعن من هذه الأوراق وبعض الحبال أهلة وفوانيس احتفالا بدخول شهر رمضان.

تعمل سندس (18 عاما) على تقطيع الأوراق وقصها بمقاسات وأشكال متعددة، فضلا عن كتابة بعض العبارات التي تدل على الابتهاج بقدوم رمضان، بينما تنشغل شقيقتاها الأصغر سنا - فاطمة وفرح - في تجميع الأوراق وثنيها بطريقة تجعلها أقرب للشكل المطلوب، ثم تجهيزها للتعليق داخل الخيمة وأمام مداخلها.

الفتيات الثلاث لم يستسلمن لعدم قدرة عائلتهن على شراء زينة شهر رمضان ولم يرغبن في مرور هذه المناسبة دون الاحتفاء بها كما جرت العادة قبل الحرب على الرغم من معاناة النزوح اللاتي يتجرعن مرارتها، فوجدن في الزينة التي صنعوها بأيديهن وسيلة يشعرن من خلاها ببهجة رمضان.

بمجرد تجهيز فانوسين صغيرين من الورق، تقفز الأخت الصغرى إلى خارج الخيمة لتعليقه بمساعدة بعض من جاراتها بالخيام المجاورة، ويتكرر المشهد مع اندفاع بعض النازحين إلى المساعدة في تزيين الممر الرئيسي بين الخيام بأوراق زينة أخرى من السوق المحلي، فيزداد المكان جمالا مع كثرة أوراق الزينة المعلقة على الحبال وأمام الخيام.

توضح سندس أنها تدرك حجم معاناة والديها اللذين بالكاد ينجحان في توفير وجبتي الإفطار والسحور ولم ترغب في زيادة العبء عليهما، فاتفقت مع شقيقتيها على إعداد الزينة مما هو متوفر من الأوراق المدرسية. ونالت فكرتها إعجاب أسرتها والعائلات المجاورة لها في خيام النزوح.

وبينما توضح سندس أن أسرتها اعتادت على الاحتفال بقدوم رمضان في منزلهم في خان يونس كل عام بأدوات زينة، فإنها عبرت عن سعادتها بنجاح فكرتها وانتقالها إلى الخيام المجاورة، وقدرتها على كسر حدة الحزن لدى كثيرين والتخفيف من وطأة الحرب ولو قليلا.

تدرك سندس أن كثيرين لا يستسيغون فكرة الاحتفال وتعليق الزينة ابتهاجا بشهر الصوم في ظل الموت الذي يحدق بهم من كل جانب بسبب الحرب الإسرائيلية المستعرة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد الركون إلى حالة البؤس والأحزان المسيطرة على النازحين جراء ظروفهم القاسية، وترغب في الخروج من هذه الأجواء ولو بقليل من الفرح.

وقالت لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "من حقنا الشعور بالفرح بقدوم مناسبة سعيدة كشهر رمضان والاحتفال بها بأقل القليل ولو كان معنويا، المهم ألا نستسلم أبدا وإلا سنشعر بأننا أموات على قيد الحياة إذا ما فقدنا كل معالم الحياة المعتادة".

وتتساءل قائلة "يقتل جيش الاحتلال أجسادنا، فهل نستسلم ليقتل أرواحنا؟ ألا يعد مجرد الفرح وسط هذه الحرب المميتة جزءا من الصمود ومقاومة المحتل؟ أليس من حقنا كبشر أن نحتفل ونقول للعالم إننا نحاول الخروج من هذا العذاب؟".

تحظى هذه المحاولة لمنح النازحين استراحة قصيرة من المعاناة بدعم الأم أسماء (50 عاما) التي تشجعهن، ومعها أمهات أخريات، على الاستمرار على هذا النهج في كل المناسبات، بدءا من الاحتفال بقدوم رمضان وإجراء ترتيبات أخرى لفعاليات مماثلة خلال هذا الشهر، مثل الإفطار والسحور الجماعي وصلاة التراويح، وحتى صناعة الحلوى لو أمكن ذلك.

توضح الأم أن فكرة بناتها لإحداث انفراجة في جدار المأساة القائمة انتشرت في خيام كثيرة للنازحين "والكل أصبح يبحث عن فرصة للأمل بوسائله المتاحة واستثمار شهر رمضان بشكل مناسب لتحقيق ذلك"، وقالت إن الأمر لا يتطلب أكثر من بعض الأدوات البسيطة بأقل تكلفة ممكنة "لأن الأهم القناعة بإمكانية الفكاك من هذه الأزمة".

وقالت الأم "المطلوب أن نتحرك حتى نوقف هذا القتل لمعنويات الفلسطينيين مثلما يستمر القتل الإسرائيلي لأجسادهم حتى نقلص خسارتنا، ورمضان فرصة مواتية لذلك".

وفي خيمة أخرى، تحتفي إيمان الرباعي (42 عاما) بقدوم رمضان بشكل أكثر وضوحا وابتهاجا بتزيين خيمتها بكل الأدوات التقليدية التي كانت تستخدمها قبل الحرب، عن طريق شبكة كبيرة من الإضاءة المثبتة على جانب من الخيمة تشغلها عبر بطارية صغيرة، وأوراق زينة على الجانب الآخر، وبينهما فانوس كبير يتدلى من الأعلى.

تحرص إيمان، وهي أم لابن وحيد، على إدخال الفرحة على قلبه وقلوب الأطفال الذين يأتون من الخيام المجاورة للاستمتاع بالزينة، بينما لم تغفل عن تزيين مدخل الخيمة من الخارج ببعض الأوراق التي تحمل كلمات تعبر عن الفرحة بقدوم رمضان.

الأم التي خاضت رحلة النزوح من حي النصر في مدينة غزة إلى مخيم النصيرات ثم خان يونس ورفح وأخيرا في وسط قطاع غزة، تتحدث عن المشقة التي كابدتها في البحث عن أدوات الزينة قبل شهرين من دخول رمضان على أمل العودة لمنزلها وتزيينه كالمعتاد.

وقالت "لم يبق أمامي سوى تزيين الخيمة لإسعاد ابني وأبناء غيري داخل المخيم بعد تعثر آمالنا في التهدئة والعودة لمنزلي في غزة، صحيح أننا نعيش الحزن بكل تفاصيله لكن لا ذنب لهؤلاء الأطفال المحرومين من أي معنى للفرح".

وأضافت "الأحزان تسيطر على الجميع ولا أحد لديه قلب حتى يفرح، لكننا نحاول أن نهيئ للأطفال أسباب الخروج من أجواء الحرب وإدخال السرور على قلوبهم ولو لبرهة من الوقت".