وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - أصبح العالم قرية صغيرة متصلة بعضها ببعض، يربط بين شعوبها ما يمكن تسميته "عقد إنساني عالمي"، يتكون من منظومة القوانين والاتفاقات والمعاهدات التي تعبر في نصوصها عن المصالح والقيم والأخلاق والحقوق والواجبات المشتركة للشعوب دون تمييز، مع وجود فرق بين القوانين والاتفاقات التي صاغها خبراء ومختصون محايدون في الأغلب، قدموا من خلالها ما يدعم حقوق الشعوب، وبين تعامل -شرطي العالم -مع تلك القوانين بصورة انتقائية تجسد مصالحه، حيث لا تتورع القوى المهيمنة عن شن الحروب واحتلال بلدان وارتكاب ابشع الجرائم من اجل الربح والمزيد من الربح. إن سلوك القوى المهيمنة وتحكمها في المؤسسات الدولية باعتبارها أداة تحقيق وترجمة تلك المنظومة من القوانين والمعاهدات، وصمتها على الانتهاكات الفادحة من قبل أعضاء الحلف وحكومته المستبدة – مجلس الأمن-. كل هذا العسف لا يدفع الشعوب إلى الانفكاك والتراجع عن العقد العالمي. بالعكس ان تلك المنظومة هي السلاح الأهم الذي يمكن ان يوحد الشعوب في نضالها ضد الاضطهاد والهيمنة والنهب وحكومته -مجلس الأمن-، وتقديم نموذج من عولمة إنسانية في مواجهة عولمة متوحشة.
 في سياق الاصطفاف مع او ضد المنظومة، درجت قوى التعصب الديني على رفضها جملة وتفصيلاً دون تمحيص، كونها متناقضة بالكامل مع قيم وثقافة وخصوصية المجتمعات العربية والإسلامية!  وبدعوى أنها من صنع "الغرب الكافر". جاء مؤتمر غزة الذي كان شعاره "المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة .. اتفاقية سيداو نموذجاً" ليكشف انفصال هذا الاتجاه عن مساعي التطور والتحرر وانفصاله عن الحياة البشرية وعن معاناة مجتمعه وكأنه يعيش على كوكب آخر، فيعادي كل محاولة لإزالة الغبن والمظالم التي لحقت وتلحق بالشعوب سيما  اضطهاد نصفها من النساء. المنتمون لهذا الاتجاه يصدق عليهم قول الشاعر: دعوا "لأندلس، إن حوصرت حلب". ها هم يعلنون الحرب على المنظمات النسوية والحقوقية التي تحاول الأخذ بيد من وقع عليهن الظلم والقمع المزدوج الداخلي والخارجي، ويتجاهلون ما يتعرض له شعبهم من عسف نظام الأبارتهايد الاستعماري ومن عدوان حركات الاستيطان الفاشية اليومي.
 إنهم يتجاهلون مهمة تطوير مناعة الشعب وتعزيز وحدته ويستبدلونها بمهمة إقصاء المنظمات النسوية والحقوقية وتحصيل حاصل إقصاء الحركة الوطنية والنخب الثقافية والأكاديمية التي تقف خلفها. هؤلاء يتبنون مهمة الانعزال عن العالم ومنظماته الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ويمارسون الانعزال عن منظومة القوانين وعن الاتفاقات التي تُعتبر أهم الأسلحة التي يملكها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد أبشع أنواع الاستعمار، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، واتفاقات جنيف وبروتوكولاتها، واتفاقية سيداو لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، هذه الاتفاقات وغيرها انبثقت من الصراع والحروب والمعاناة ومن أشكال الاضطهاد ومن نضالات الشعوب وتضحياتها الجسام من أجل حريتها وهي متداولة وسط  8 مليار شخص -عدد سكان العالم – ولا تستهدف هدم الإسلام ولا الأسرة الإسلامية -2 مليار مسلم ومسلمة ما يعادل 25% من سكان العالم. الاتفاقات تُنتهك من قبل الدول الهيمنة، وتُرفض من قبل كل الأصوليات المنغلقة على حالها وبخاصة القوى التي تتصدى "للمكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة" في مؤتمر غزة.
ماذا تريدون أيها المؤتمرون؟ تريدون منظومة قوانين خاصة بدول العالم الإسلامي. كما تقول توصيات مؤتمركم.  ألا تعلمون أن الأكثرية الساحقة من دول العالم الإسلامي تلتزم وتوافق وتوقع على الاتفاقات والمنظومات القانونية الدولية" وبخاصة "سيداو" ولا ترى أنها تتناقض مع الشريعة الإسلامية الا في بعض البنود او الفروع. ولم يبق غير إيران والصومال في موقع رفض "سيداو" بعد ان وقعت السودان على الاتفاقية، ومن غير الدول الإسلامية، لم يبق غير "تونغا، والفاتيكان، معظم الدول الإسلامية تحفظت على بنود لكنها وقعت على سيداو. أنتم يا سادة تريدون سلخ فلسطين عن عالمها العربي والإسلامي وعن العالم، آسف القول ان هذا ما ترغب وتعمل من أجله الحكومة الكاهانية الإسرائيلية، وهذا يساوي: إلحاق هزيمة ماحقة بالشعب الفلسطيني. هل ترغبون في استمرار التمييز ضد نصف المجتمع واستمرار قتل النساء وتزويج الفتيات اقل من 18 سنة وممارسة العنف ضدهن؟ هل ترفضون حق المرأة في العمل، وفي الضمان الاجتماعي والتعليم والصحة والمشاركة السياسية في صنع القرار والمساواة أمام القانون والحق المتبادل في اختيار الشريك والانفصال عنه في حالة فشل. هل ترفضون تجريم الدعارة والاتجار بالنساء والتعامل معهن كسلعة؟ أين التناقض هنا مع مكارم الأخلاق؟ لماذا لا تدافعون عن الانتهاكات الفادحة التي تعرضت لها النساء كجرائم القتل وممارسة العنف بكل أشكاله، والحرمان من الإرث الذي حددته الشريعة الإسلامية؟ لماذا لم تحددوا  اختلافكم مع بنود الاتفاقية كما حددتها دول عربية وإسلامية واخترتم الرفض القاطع والشامل لها، وأعلنتم الحرب على المنظمات النسوية مهددين بذلك السلم الأهلي ووحدة الشعب التاريخية؟ انتم يا سادة تقدمون الجهل المقدس كبديل لنقد ومراجعة تجربتكم الفاشلة. انتم تنفردون في عدم تقييم تجربة الاسلام السياسي في الحكم بعد ظاهرة "داعش" و"القاعدة" و"النصرة"، وتتبنون الفكر والثقافة التي انتجت تلك الظواهر. معلوم انه جرت وتجري مراجعة في السعودية منشأ الوهابية، وجرت وتجري مراجعة في مصر منشأ الاخوان المسلمين، وجرت وتجري مراجعات في المغرب والجزائر. وعلى الرغم من وجود علائم مشجعة لفكر عقلاني إسلامي جديد، لكنكم لا تكترثون لذلك، وكررتم الأفكار والمواقف التي انتجت "داعش" وخلقت شروخاً في المجتمعات العربية، إذا أردتم الذهاب في  هذا الفكر التكفيري الإقصائي إلى نهاياته القاتلة، اذهبوا يا سادة وحدكم. ولا شك في أن الشعب الفلسطيني المنتمي تاريخياً لقيم الحرية والتحرر والعدالة والتسامح والتعدد والتضامن ليس له اي مصلحة في الذهاب معكم. من المنطقي أن يكون العقد العالمي – المنتهك من دول الهيمنة – لكنه المكون من منظومة العدالة والمساواة والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن يكون هذا العقد في مواجهة الظلم والعبودية والاضطهاد والتمييز والنهب والعدوان والاحتلال والتوحش والتعصب والكراهية.
 المفارقة التي نعيشها، هي توفر عقد عالمي بمنظوماته المختلفة، وغياب عقد وطني اجتماعي بمنظومات سابقة وجديدة. هي ذات المفارقة التي يستمر فيها تعاطي حركة حماس مع مجلس تشريعي منحل، يستمر الى ما لا نهاية في إصدار بيانات، وعملياً يعلن الحرب على المنظمات النسوية عبر المؤتمر الذي كان تحت رعايته، عاش هذا المجلس التشريعي الى الأبد!