ماجد هديب - النجاح الإخباري - ما زال الفلسطينيون يقاتلون من اجل تحرير الارض ، وما زالت التضحيات مستمرة ،لا توقف فيها او تراجع لاستكمال هذا التحرير ،ولكن ما زال الفلسطينيون ايضا اكثر بعدا عن صياغة الاستراتيجيات والبرامج الداعمة والمساندة لعملية استكمال هذا التحرير ،ومن بينها الافتقار لصياغة سياسات التخطيط المتعلقة باستخدامات الاراضي قصد الاستغلال الأحسن ،والتنمية الافضل ،بالتنسيق الكامل بين كافة مؤسسات السلطة ، مع افتقاد الفلسطينيين ايضا برامج الحماية لهذه الاراضي واحكام الرقابة عليها من التعديات التي ما زالت مستمرة ،وذلك لتعظيم العائد ودفعا للاستثمار ووصولاً لمعدلات التنمية المرجوة ،حيث كان على الفلسطينيين ومنذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية العمل بنجاح على ارساء معالم الدولة مع تعزيز ادارة كافة املاك هذه الدولة ،ومن بينها ادارة الاراضي الحكومية لاسترجاع ما تم الاعتداء عليه من خلال تأميم تلك الاراضي التي تم توزيعها في عهد كافة الحكومات  المتعاقبة ،الانتدابية منها ،والعربية، والفلسطينية على اصحاب المصالح والنفوذ، واصحاب الولاءات والانتماءات المتعددة ، لما في هذا التأميم من سيادة على الارض ،واعادة الاعتبار لهذا الدم الذي سال من اجل التحرير، ولما تمثله تلك الارض من مخزون استراتيجي لتنفيذ الخطط التنموية وإقامة المشاريع التطويرية والخدماتية ، وعليه لا بد من تشكيل لجنة قضائية عليا لدراسة ملف الاراضي الحكومية لإعادة تصويب اوضاعها بإصدار قرار تأميمها وفقا لمصلحة حاضر الشعب الفلسطيني ومستقبله .

لا يجب ان يقتصر عمل اللجنة التي نطالب بتشكيلها على تلك الاراضي التي منحتها حكومة بريطانيا الانتدابية لمن قاتل جنبا الى جنب مع اليهود تحت رايتها في الحرب العالمية الاولى فقط ،ولا حتى على تلك الاراضي التي منحتها الادارة المصرية لعائلات وافراد في قطاع غزة لقاء كوب من الشاي بين ربوع خضراء بوجود وجه حسن ،ولا حتى على تلك الاراضي التي منحتها الحكومة الاردنية لعائلات وافراد بالضفة الفلسطينية لقاء تنظيم البعض منهم لمؤتمرات المبايعة والتأييد لضم الضفة الى الاردن ،بل يجب ان تشمل اعمال تلك اللجنة  أيضا اعادة النظر في كل القرارات الصادرة عن السلطة الوطنية الفلسطينية ،ومنها قرارات تخصيص الاراضي لبعض الشخصيات المتنفذة ، وخاصة تلك الصادرة عن وزير الاسكان ورئيس سلطة الاراضي والطابو ،حيث  ما تزال عملية توزيع الاراضي  تتم دونما استراتيجية او قانون.

منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917 ،ومنذ ان قامت السلطات التركية بأخذ جميع دفاتر الطابو والسجلات لكافة الاراضي الفلسطينية اثناء انسحابها من فلسطين ،فان الاعتداءات على هذه الاراضي ما زالت متواصلة ، وذلك منذ عهد المندوب السامي هربرت صموئيل الذي سهل انتقال الاراضي لليهود، كما سهل انتقالها لكل من ساهم مع حكومته في ارساء معالم الدولة اليهودية مرورا بعهد الادارتين الاردنية والمصرية ،حيث اتبع هؤلاء جميعا ووفقا لمراحل سيطرتهم المتعاقبة تقسيمات لملكية الاراضي وفقا لمصالحهما ،وليست وفقا لمصلحة حاضر الشعب الفلسطيني ،ولا حتى وفقا لمستقبله، ومن بين تلك التقسيمات المتبعة لملكية الاراضي التي اجازت التصرف ومنحت ملكية مئات الاف الدونمات دونما مقابل ما يسمى بأراضي المندوب السامي ،واراضي الاقساط ،والاراضي المحلولة ،واراضي الجبال ،بالإضافة الى الاراضي المالية ،حيث ان جميع انواع ملكية هذه الاراضي هي مملوكة  الان لأشخاص وعائلات معروفة بماضيها وحاضرها ،ولكنها غير مسجلة بدائرة الاملاك والطابو، وما زال ورثة هؤلاء المالكين حتى اللحظة يمارسون حق الاستعمال والاستغلال والتصرف  بهذه الأراضي دون سندات ملكية ،على الرغم من استطاعة البعض من هؤلاء ونتيجة ما حدث من تخبط وفساد شاب في بعض مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية ان يصبح مالكا لهده الاراضي بشكل رسمي تحت عناوين واهية ودون ان يدفعوا و لعقود خلت اي عائد للسلطة ،سواء عن تلك الاراضي التي منحتها لهم الادارة البريطانية ،وحتى تلك الاراضي الاقساط التي لم يدفع مالكوها اي قسط من ثمنها .

على السلطة الوطنية الفلسطينية ان تعلم بان غياب سياسات التخطيط المتعلقة باستخدامات الاراضي قصد الاستغلال الأحسن والتنمية الافضل ،وغياب التنسيق بين كافة مؤسسات السلطة تحقيقا للتنمية والاستغلال ،مع غياب السياسة الاستراتيجية في التعامل مع ملف الأراضي الحكومية قد أوجد حالة من العشوائية والتخبط في استعمال هذه الأراضي، وزاد أيضا من سياسة الفوضوية في الامتلاك ،وحيث ان الارض اغلى من الذهب ،وهي مخزون استراتيجي أيضا ،فان على السلطة الفلسطينية ان تحافظ على هذا المخزون، وذلك من خلال العمل أولا بمطالبة تركيا إعادة سجلات الطابو كقاعدة للارتكاز عليها في الكشف عن كافة الاراضي الحكومية قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين ،ثم  العمل على تشكيل لجنة وطنية من فقهاء القانون والدستور وخبراء الاقتصاد مع دائرة املاك الطابو لإعادة النظر فيما تم الاعتداء عليه بفعل تقسيمات ملكية هذه الأراضي ابان فترة الانتداب والاحتلال ، بالإضافة الى ضرورة حماية ما تبقى منها  بفعل ما تمارسه حركة حماس من اعتداءات مخالفه للنصوص القانونية والدستورية في ظل سيطرتها على غزة ،سواء تلك المتعلقة منها بتخصيص بعض الاراضي للمتنفذين منهم ، وحتى تلك الاراضي التي يتم استغلالها اقتصاديا لصالح حركة حماس وصولا لتنظيم قانون جديد لهذه لأراضي من اجل ان تستفيد الأجيال القادمة منها  بعد التأميم الذي يجب ان يصدر كقانون، ليس من اجل اعادة الاعتبار للدم الذي سال فقط، وانما من اجل تعزيز السيادة الوطنية على تلك الأراضي ،حيث اصبح هذا التأميم  واجب وطني واخلاقي.