رائد ابو بكر - النجاح الإخباري - يقف بلال القيسي 37 عاما امام الدمار الذي خلفه الاحتلال بعد هدم ورشته لإنتاج الفحم، وما زالت النيران تلتهم ما تبقى من حطب حتى اشجار الزيتون القريبة لم تسلم، يضرب بيديه اخماس متحسرا على الخسائر التي تكبدها في عملية الهدم هذه ضمن حملة يشنها الاحتلال ضد هذه المهنة المعروفة في بلدة يعبد جنوب غرب مدينة جنين، للمرة الخامسة على التوالي في غضون اقل من عام، في سعي منه لضرب الاقتصاد ومحاربة كل ما هو ناجح.

صبيحة يوم الأربعاء السادس عشر من الشهر الحالي استيقظ أهالي بلدة يعبد على هدير الجرافات في منطقة المفاحم على الطريق الواصل بين البلدة وقرية زبدة، والتي شرعت في هدم عدد من الورشات ومصادرة المعدات والحطب، وتكبد اصحابها خسائر مالية تجاوزت ربع مليون شيكل تقريبا، عدا عن اشتعال النيران بالحطب واشجار الزيتون القريبة، والسبب عدم الالتزام بالقرار الإسرائيلي وهو حظر صناعة المفاحم.

مهنة منذ العهد العثماني

يقول بلال، "هم يريدون تجويعنا وضرب الاقتصاد الوطني، تحت حجة الحفاظ على البيئة، فهذه المهنة وجدت منذ العهد العثماني وتوارثها الأبناء عن الآباء والاجداد"، مؤكدا على ان مهنة تصنيع الفحم توشك على لفظ أنفاسها الأخيرة، وهي المهنة الوحيدة التي اتقن المزارعون في منطقة يعبد فنونها حتى ذاعت شهرة منتوجاتهم لما تتميز به من مواصفات فتحت امامه أبواب التسويق للخارج والداخل الفلسطيني وحتى الأسواق الإسرائيلية.

وأشار بلال ان مهنة انتاج الفحم شكلت مصدر رزق لمئات العائلات في بلدة يعبد وقراها المحيطة بها، اما بشكل مباشر وهم العاملين في هذه المهنة او بشكل غير مباشر من موزعي المياه والشاحنات وغيرهم، وبالتالي اندثار هذه المهنة يعني ادخال مئات العائلات الى قائمة البطالة.

بداية المضايقات الاسرائيلية

ويسرد لنا ممثل ورشات المفاحم في يعبد والناطق باسمهم كايد أبو بكر بداية مضايقات الاحتلال حيث قال،" بدأت قبل 7 سنوات، عند انشاء المفاحم على الشارع الرئيس المحاذي لبلدة يعبد بالقرب من مدخل مستوطنة مابودوتان، وفجأة وزعت ما تسمى الإدارة المدنية على أصحاب الورش، وعددها اكثر من 25 اخطارات لإزالتها بذريعة خطرها على البيئة وكونها تقع في منطقة "ج" التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية وفق اتفاقيات أوسلو، بالإضافة الى ان مستوطني مستوطنة مابودوتان الجاثمة على أراضي يعبد وعرابة قدموا شكوى الى الإدارة المدنية انهم متضايقون من الدخان المنبعث من المفاحم، وبعدها اصدر الاحتلال قرارا بمنع العمل والرحيل عن المنطقة، ومنعت تسويق الحطب وادخاله الى أراضي السلطة الفلسطينية بوضع لافتات على المعابر الحدودية بين أراضي 67 و 48 وكل من يخالف يتم معاقبته وهناك ضحايا لهذا القرار كان اقلهم قد دفع غرامة مالية قدرت ب 7000 شيكل عدا عن مصادرة الحطب".

خطة مبرمجة لتدمير مهنة المفاحم

وأضاف، "الاحتلال مارس خطة مبرمجة للوصول الى مرحلة تدمير تجارة الفحم واغلاق كافة الورش وكانت هذه الخطوة الأولى لتتبعها خطوات أخرى وصولا الى ما نحن عليه بمنع العمل في هذه المهنة ومن يخالف تكون النتيجة هدم الورشة ومصادرة المعدات والحطب"، مشيرا الى ان الورش تم نقلها الى المنطقة الواقعة بين يعبد وزبدة المصنفة "ب “وتكبد المواطنون خسائر مالية كبيرة في عملية النقل وفتح ورش جديدة.

وتابع أبو بكر حديثه قائلا "بتاريخ 30/11/2016 بدأت الهجمة الجديدة على أصحاب ورش المفاحم من جديد لكن هذه المرة كانت الأقوى، حيث بدأت العملية بمحاصرة منطقة المفاحم ومصادرة الاليات والمعدات وكميات كبيرة من الحطب على مدار خمس مرات على التوالي في اقل من عام،  وبالتالي تكبد أصحاب الورش مئات الاف الشواكل حتى انه تجاوز مليوني شيكل جراء هذه الحملات المتتالية على هذه المهنة"، مبينا ان الاحتلال لم يكتف بهذا الامر بل اصدر قرارا بإغلاق الورش وحظر العمل فيها بشكل نهائي مهددا بفرض عقوبات صارمة لكل من يخالف القرار الذي برره مرة أخرى بالحفاظ على البيئة لكنها ليست سوى مبررات لتنفيذ قرار بالقضاء على هذه المهنة ومنع يعبد من انتاج الفحم.

المستوطنون هم السبب

وكشف أبو بكر الى ان الهجمة الأخيرة على المفاحم جاءت بعد شكوى قدمها المستوطنون القاطنون في المستوطنات القريبة من البلدة الى الكنيست الإسرائيلي، أشاروا فيها الى مدى مضايقتهم من الدخان المنبعث من المفاحم، مهددين بترك المستوطنات والهجرة الى الداخل المحتل، كما شن قادة الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة حربا عبر وسائل الاعلام يدعون فيها الى القضاء على المفاحم بشكل نهائي، وضرورة العمل على توفير بيئة آمنة للمستوطنين، متناسين الدخان المنبعث من المصانع الكبيرة في حيفا ويافا وتل ابيب.

وسائل تضليل وخداع

من جانبه، أكد بهاء أبو بكر صاحب احدى ورش المفاحم، ان الاحتلال مارس سياسة التضليل والخداع من خلال تزويد أصحاب الورش بوسائل انتاج حديثة للفحم وموائمة للبيئة حيث احضروا جهاز يطلق عليه "الفرن" لتصنيع الفحم وبعد اجراء عدة تجارب عليه اثبت فشله وعدم الفائدة منه بالإضافة الى تكلفة الجهاز الذي يتجاوز ثمن الواحد منه 300 ألف شيكل وهنا توقف العمل بشكل نهائي.

وتابع يقول " بالنسبة الى الفرن تكررت التجارب التي انتهت بالفشل كل مرة واقترحنا من خلال الارتباط الفلسطيني استخدام طريقة الانتاج في بركسات محكمة الاغلاق والتي نفذت عام 2013 وحققت نجاحا لكن الاحتلال رفض وتمسك بخياراته غير المجدية".

وأضاف الى ان عدد من أصحاب الورش يقوم بحرق الحطب المتواجد عندهم على شكل مفاحم صغيرة تفاديا للخسائر الا ان الاحتلال وعند اكتشافه بوجود دخان في منطقة المفاحم من خلال مراقبة المنطقة بالطائرات الزنانة يقتحم المنطقة ويقوم بهدمها، مشيرا الى ان هذه المراقبة والمتابعة من قبلهم انما يدل على وجود مخطط لتضييق الخناق على أهالي البلدة التي تعتمد على الفحم مصدر رئيسي لهم، موضحا الى انه تم توكيل محامي يهودي لمتابعة هذه القضية المنافية للقانون لكن الاحتلال أفشل مساعيه مستخدما قرارات فرض الامر الواقع العسكري.

آلية انتاج الفحم

يشار الى ان فحم يعبد يتميز عن غيره من خلال أساليب تصنيعه وجودته العالية، والطريقة بناء الحطب على شكل هرم ويغطى بالقش والتراب، ويترك لمدة 15 يوما لاستخراج الفحم وتعبئته ومن ثم تسويقه، مع العلم ان انتاج الفحم يتطلب تكلفة مالية كبيرة حيث تتجاوز القيمة لكل هرم 100 ألف شيكل.

مناشدة

وناشد أصحاب المفاحم في يعبد وقراها الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور د. رامي الحمد الله بتوفير حماية سريعة لهذه المهنة، والحفاظ على لقمة العيش، وايجاد حل فوري وسريع، فهذه الورش، كما اوضحوا، انعشت الحركة الاقتصادية، وحلت مشاكل المئات من العاطلين عن العمل، حتى طلبة الجامعات يعملون في المفاحم لتوفير مستلزماتهم الجامعية من أقساط دراسية وكتب ومصاريف يومية، لكن الاحتلال لم يرق له ذلك، مشيرين الى ان نسبة البطالة ارتفعت بعدما فقد الاف العمال عملهم، فالاحتلال يريد منهم العمل في مستوطناته والذي يوفر لهم خدمات 7 نجوم.

يشار الى ان بلدة يعبد كانت تنتج سابقا 100 ألف طن فحم سنويا ونسبة 80% من عائلات يعبد تعتمد على هذه المهنة كمصدر رزق أساسي لهم.