متابعة النجاح - النجاح الإخباري - حملتهم تسعة أشهر بأحشائها.. تغذوا من جسدها، سقط بعض من شعرها وأسنانها ليخرجوا أقوياء، تحملت ثاني ألم بعد الحرق ألا وهو ألم الولادة، صبرت وكافحت وتعبت حتى كبروا وتعلموا.. واليوم هم يتخلون عنها لأنها كبرت بالسن وأصابها الزهايمر.

عن اي أبناء نتحدث، كيف لهم أن يفعلوا بها ذلك؟ أولم يكونوا أطفالا لا يعلمون شيئا في هذه الدنيا وهي التي علمتهم وساعدتهم على النطق وحافظت على نظافتهم وعاشت معهم لحظة بلحظة وكانت تجيبهم عن جميع استفسارتهم.. اليوم ملوا من وجودها بحياتهم، فتركوها تصارع الحياة وحدها.

المسنة "الأم الموجوعة" والتي تبلغ من العمر (78 عاماً) من جنوب الضفة، توفي زوجها قبل سنوات، وتزوج أبناؤها وخرجوا من حضنها وبيتها ليستقروا بأماكن أخرى.

وعدها أبناؤها أن يبقوا على اتصال معها وأن ياتوا لزيارتها ولكنهم كانوا يكذبون، تخلوا عنها وتركوها تعاني الوحدة والاكتئاب.

وفي حديث لـ"النجاح الإخباري" مع أحد الجيران المجاورين لبيت المسنة الموجوعة، قال: " لهذه المسنة خمس أبناء، 3 شباب وابنة، تزوجوا جميعهم وبقيت هي وحيدة، ومنذ عدة سنوات وأبناؤها لا يأبهون لأمرها ولا يأتون لزيارتها"، مشيراً إلى أن أبنائها يأتون للمنطقة ويزورن أصدقاءهم وأقاربهم ولا يصلون عتبة بيت أمهم.

وأضاف: "عندما نتصل بأحد أبنائها او ابناء زوجها لا يستجيبون لنا ويقولون إنهم سيبعثون احد أولادهم ليأخذوها، إذا صدقوا وأخذوها فيقوموا بإعطائها الحبوب المنومة، الأم لم تجد الحب والحنان ولا حتى الاحترام من قبل أبنائها وأقاربها".

وأردف الجار: "بدأت بالتحدث مع نفسها، وهذا ليس بالشيء الغريب لإمرأة تسكن وحيدة ليس هناك من يشعرها بالاهتمام، ليس هناك من يتبادل الحديث معها، وهذا كله تأثير نفسي بسبب الوحدة التي تولد الاكتئاب.

وتابع: "قمت برعايتها لمدة أربعة أشهر، ولكن مرضها تفاقم وبدأت أفقد السيطرة عليها وأصبحت تتجول بالشوارع ليلاً وهي حافية القدمين وبشعرها دون وعي منها أو ادراك ما هو التوقيت؟".

ولكن السؤال هنا: هل ما حدث للأم نتيجة الوحدة وفقدان الاهتمام والحب، أم بسبب مرض الزهايمر؟ أم إثر الحبوب المنومة؟؟.

كيف لأبناء ان يفعلوا ذلك بأمهم، أين إحساسهم وضميرهم؟ أليسوا مسلمين؟ أشك بذلك فلو كانوا كذلك لوضعوا حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم أمام اعينهم حينما جاءه احد الرجال وسأله: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟  قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك).

لا ريب في استحقاق الأمّ لمثل هذه المرتبة العظيمة والعناية الكبيرة، فهي المربّية المشفقة الحانية على أولادها، وكم كابدت من الآلام وتحمّلت من الصعاب في سبيلهم، حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً، قاست عند الولادة ما لا يطيقه الرّجال الشداد، ثم تنسى ذلك كلّه برؤية وليدها، لتشغل ليلها ونهارها ترعاه وتطعمه، تتعب لراحته، وتبكي لألمه، وتميط الأذى عنه وهي راضية، وتصبر على تربيته سنيناً طوالاً في رحمةٍ وشفقة لا نظير لهما، فلذلك كانت الوصيّة بصحبتها مكافأةً لها على ما بذلته وقدّمته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

المخابرات والبيت الآوي

وأردف الجار: "بعد ان فقدت الامل في ابنائها توجهت للحديث مع اذاعة محلية، واخبرت قصتها للناس، وما ان انتهى البرنامج، حتى اتصل جهاز المخابرات الفلسطينية، وقرر اللواء ماجد فرج أن يتبى الأم ويرعاها ويتكفل بمصاريفها".

وأشار إلى ان "الأم" عزيزة النفس، فعندما يستضيفها أحد الجيران لا تاكل سوى القليل ولا تأخذ من احد شيئاً.

عقوق الوالدين

وبحسب الشرع، قال الداعية أحمد شرف: "لقد نهى الإسلام عن عقوق الوالدين واعتبره من الكبائر التي نهت عنها الشريعة الإسلامية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) بل إن العقوق من أشد الظلم، فهو تفتيت للقيم، وذهاب للشيم، وربما يقع الإنسان في عقوق الوالدين وهو لا يدري.

وبحسب الداعية شرف، فقد ذكر العلماء عدة مظاهر لعقوق الوالدين منها :

أن يقوم الإنسان بإبكاء والديه، أو أن يدخل الحزن إلى قلبيهما بالقول أو الفعل، وأن يقوم بنهرهما، أو أن يرفع صوته عليهما، قال سبحانه وتعالى: " وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ", وأن يتأفّف أو يضجر من أوامرهما، لقوله سبحانه وتعالى: " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ", أو أن يعبس في وجهيهما، ولا يساعدهما في أداء أعمال المنزل، من ترتيب وتنظيم وغيره، وأن يشيح بوجهه عنهما، وأن يترك الاستماع إليهما، ويقاطعهما ويكذّب قولهما ولا يعتدّ برأيهما، وأن لا يستأذن عند الدّخول عليهما، وفي هذا قلة في الأدب معهما، فربّما كان أحدهما في وضع لا يرغب في أن يراه عليه أحد من النّاس , وأن يذكر عيوبهما، ويقدح فيهما، ويلقي باللوم عليهما في أمور حياته المختلفة , ويقوم بشتمهما ولعنهما، قَالَ صلى الله عليه وسلم : (. . . لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ . . .) رواه مسلم . فمن لعن والديه ، لعنه الله وغضب عليه ، وطرده من رحمته ، وأوقع به عقوبته ، فما بالنا بمن ضرب والديه أو قتل أحدهما أو كلاهما ، فهو لـلعنة أحق ، وللطرد مستحق , ومن العقوق أيضا  أن يثقل عليهما بالطلبات المختلفة، ولا يراعي وضعهما وحالتهما الماديّة، وما يمكن لهما أن يقدّماه له، وما لا يقدران عليه, وأن يتخلى عنهما حال كبرهما وعجزهما عن أداء أمور الحياة الأساسيّة ,و يتبرّأ منهما، ويخجل من ذكرهما أمام النّاس .

ولقد تعهد الله تعالى بتعجيل العقوبة للعاق في الدنيا قبل الآخرة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ )، فكيف لا يخاف العاق لوالديه أن ينزل الله تعالى به العقوبة.

كما وورد في آيات الله تعالى بسورة الإسراء: "وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا، إمّا يبلغنّ عندك الكِبر احدهما أو كلاهما فلا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا".