عنان الناصر - النجاح الإخباري -  في 2 نوفمبر عام 1917 كتب وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور رسالة إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء اليهود في بريطانيا، قال له فيها أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، سُميّت تلك الرسالة الشهيرة بوعد بلفور.

كانت تلك الرسالة إيذانًا بإعلان دولة "اسرائيل" الذي حدث عام 1948. مئة عام مرّت على وعد بلفور، فيما يحصد التاريخ نتائجه حتى الآن، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وكما خطّ بلفور اسمه على الرسالة، تناقلت الشاشات ووسائل الإعلام خطّ ترامب لاسمه على قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، إيذانًا بمرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي.

 

 

 وعد ترامب      وعد بلفور

وكما شدد بلفور في رسالته على "ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين"، كرر ترامب الحديث نفسه حيث قال "القدس يجب أن تبقى مكانًا يصلي فيه اليهود، والمسيحين، والمسلمين".

رغم مرور مئة عام على وعد بلفور إلا أن الأذهان لم تنسه حتى الآن، حيث تعدد التصريحات المصرية والعربية التي شبهت اليوم بـ"وعد بلفور جديد"، وهو ما تكرر في تصريحات السفير الفلسطيني في مصر "دياب اللوح"، والكاتبة "فاطمة ناعوت"، ونقابة الأطباء الأردنيين ورئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري".

وكما ساهم وعد بلفور في إقامة دولة "اسرائيل"، بدأت بتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وتمكنت بريطانيا من احتلال الأراضي الفلسطينية، فإن اعلان ترامب لن يمر مرور الكرام، يقول المؤرخ الفلسطيني "عبد القادر ياسين" لمصراوي إن "اسرائيل" الآن تخوض صراع بمعادلة صفرية، فالعرب يساوون صفر، طالما لن يتخذوا قرارات حاسمة، فيما يرى أن عملية السلام هي "نصبة".

وفيما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن اعتراف ترامب بالقدس يعكس التزام الرئيس الأمريكي بحقيقة تاريخية للاستمرار في مساعي السلام، يؤكد المؤرخ الفلسطيني أن قرار ترامب سيتبعه اعترافات من الدول الأخرى.

ويتشابه وعد بلفور في نظر ياسين الذي كان ذروة تأييد الاستعمار البريطاني للحركة الصهيونية، فإن "وعد" ترامب-كما وصفه- هو ذروة التأييد الأمريكي لإسرائيل.

واعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، بالقدس عاصمة لإسرائيل رسميا. وزعم أن هذه الخطوة تصب في مصلحة عملية سلام، مُشيرا إلى أنها تدفع قدما إلى اتفاق سلام مستدام بين الجانبين، بحسب قوله.

وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإعلان ترامب، وقال إن "أي اتفاق سلام يجب أن يتضمن القدس عاصمة للدولة العبرية"، وفق زعمه. ويتوقع أن تؤجج تلك الخطوة التوتر والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.

ولا يعترف المجتمع الدولي بسيادة إسرائيل على القدس التي تضم مواقع إسلامية ويهودية ومسيحية مقدسة، كما أن الفلسطينيين يطالبون بالمدينة عاصمة لدولة مستقلة معترف بها دوليًا على أساس حدود 1967.

وعد ترامب:

منذ أواخر ستينات القرن الماضي، اتّسمت المواقف الأمريكية إزاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بتقديم دعم كبير يضمن تفوّق دولة الاحتلال وتميزها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بغض النظر عن هوية الرئيس الذي يدير البيت الأبيض.

وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية (تشرين ثاني/ نوفمبر 2016)، برزت مخاوف عديدة في الأوساط الفلسطينية، لا سيّما إزاء وعود الرئيس الأمريكي الجديد بإحداث تغييرات عميقة على سياسة بلاده فيما يتعلق ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك في أعقاب تصريحاته المتكرّرة حول عزمه نقل السفارة الأمريكية لدى الدولة العبرية من مقرّها الحالي في مدينة تل أبيب (وسط فلسطين المحتلة عام 1948) إلى مدينة القدس.
 
 تصريحاته بشأن نقل السفارة بدأت في غمرة حملته الانتخابية، وتحديدا بتاريخ 21 آذار/ مارس 2016؛ حيث تعهّد ترامب في خطاب أمام "إيباك" وهي من أقوى جمعيات الضغط اليهودية على أعضاء الكونغرس الأميركي، بنقل سفارة واشنطن إلى ما أسماها "عاصمة إسرائيل التاريخية"، وهو المطلب الذي ينادي به الكثير من المسؤولين الإسرائيليين الذين بدأوا يطالبون ترامب بتغيير الوضع القائم في مدينة القدس.

محطات:

اعترفت الولايات المتحدة بـ "إسرائيل" عام 1948، لكنها لم تعترف بالقدس عاصمة لها عند إعلان الكيان الصهيوني ذلك عام 1950.

في 23 تشرين أول/ اكتوبر1995: صدر عن الكونجرس الأمريكي قانون عُرف باسم "قانون سفارة القدس لسنة 1995" والذي ينص على الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، على أن يتم ذلك في حدّ أقصى هو 31أيار/ مايو 1999.

أصدر الرئيس الأمريكي وقتها بيل كلينتون ثم خلفاؤه قراراً رئاسياً لوقف تنفيذ القانون كل 6 أشهر، ما سمح لهم بإبقاء السفارة الأميركية في "تل أبيب" إذا بدا ذلك "لمصلحة الأمن القومي في الولايات المتحدة".

امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1980 بموافقة 14 دولة، وهو القرار الذي يُعدُّ الضم الإسرائيلي للقدس مخالفاً للقانون الدولي.

بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 المشار له سابقاً، قامت 13 دولة أغلبها من أمريكا اللاتينية، بنقل سفاراتها من القدس إلى "تل أبيب".

25 أيلول/ سبتمر 2016: المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب: سأعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

30  أيلول/سبتمبر 2016: البيت الأبيض يحذف كلمة "إسرائيل" الملاصقة لكلمة القدس، في خطاب تعزية أوباما ببيريز، حيث تنص السياسة الأمريكية لعدم انتماء القدس لأي دولة حتى التوصل إلى اتفاق تسوية.

23 كانون ثاني/يناير 2017: البيت الأبيض: الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم يتخذ بعدُ قرارا بشأن نقل سفارة بلاده في "إسرائيل" من تل أبيب إلى القدس.
ديسمبر 2017 ترمب يهاتف بعض الزعماء العرب ويخبرهم بنيته نقل السفارة إلى القدس.

ترحيب إسرائيلي وتحذير فلسطيني وقلق دولي:

أثار وعد ترامب بهجة عارمة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية التي اعتبرت أن تنفيذه سيعدّ صفعة قوية ليس للفلسطينيين فقط، بل لليسار الإسرائيلي الذي يرفض الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة للدولة العبرية.

ودفعت تصريحات ترامب المتكررة حول نقل السفارة برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لوصف هذا التحول بـ"العظيم"، أما بلدية القدس الاحتلالية فاختارت كلمة "مذهل".
على صعيد آخر، حظي الوعد الأمريكي برفض فلسطيني على كافة المستويات الرسمية والشعبية والفصائلية، والتي رأت فيه محاولة لإشعال المنطقة، وخرقا للقرارات والمواثيق الدولية التي تعتبر شرقي القدس أرضا محتلة وترفض قرارات ضمّه للسيادة الإسرائيلية.

وتكمن خطورة هذا الأمر في أنه يعد بمثابة اعتراف نهائي بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وهو ما من شأنه القضاء على عملية السلام، وترك آثار مدمرة على أمن المنطقة واستقرارها، بحسب ما يراه المستوى الفلسطيني الرسمي.

وسبق للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير (الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني)، أن أعربتا مرارا، عن رفضهما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ ذلك أن هذه الخطوة "ستقضي على أي أمل في التوصل إلى اتفاق سلام لحل الصراع"، بحسب تقديرهما.

كما أكّدت السلطة الفلسطينية على عزمها تكثيف جهودها على الصعيد الدبلوماسي، بالتوازي مع الحراك الشعبي على الأرض، للضغط على الإدارة الامريكية الجديدة وحملها على التراجع عن قرارها

وبالفيديو لم يختلف صاحب الوعد المشؤوم الذي منح اسرائيل أرض فلسطين وبين ترامب الذي طوّب لهم بقراره الليلة الماضية القدس كعاصمة لاسرائيل.

لحظة توقيع ترامب 

 

وعد بلفور


وعود نقل السفارة أمريكيا – ردود أفعال:

مسعى ترامب لم يحظَ بإشادة سلفه باراك أوباما الذي اعتبر أن نقل سفارة بلاده إلى القدس قد يؤدي إلى نتائج من شأنها "تفجير" الوضع، مبديا قلقه إزاء تراجع فرص حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقال أوباما في آخر مؤتمر صحفي له كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 19 كانون ثاني/ يناير 2017، "عندما يتم اتخاذ خطوات أحادية مفاجئة تتعلق ببعض القضايا الجوهرية والحساسيات المتعلقة بأي جانب.. فإن ذلك قد يفجر الوضع".
وعود نقل السفارة عربياً ودولياً– ردود أفعال:تسبّب المسعى الأمريكي ببروز ملامح ردود أفعال دولية غاضبة، ففي الوقت الذي وصفت فيه الخارجية الفرنسية على لسان الوزير جان مارك إيرلوت (بتاريخ 15 كانون ثاني/ يناير 2017)، اقتراح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بـ "استفزازي"، حذّرت أوساط عربية من "عواقب وخيمة" تترتّب على تنفيذ ترامب لوعوده، في حين تمتنع أخرى عن التعقيب على المسألة تقليلا من شأنها، على اعتبار أن ترامب لن يقدم على تنفيذ تهديداته التي لم تكن سوى جزءا من خطته لكسب السباق الانتخابي، بحسب بعض التقديرات.  (نشير هنا إلى شح ردود الأفعال العربية والدولية الصادرة فيما يتعلق بهذه القضية)

موقف نتنياهو

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الخميس في شريط فيديو من مدينة القدس المحتلة يصف فيه إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم أمس الأربعاء واعترافه بالمدينة المقدسة كعاصمة لـ"إسرائيل" بأنه يضاهي تصريح بلفور أهمية.

وقال نتنياهو وهو يقف على إحدى تلال القدس، وتظهر من خلفه المدينة المقدسة، "هناك لحظات عظمى بتاريخ الصهيونية: تصريح بلفور، إقامة الدولة، تحرير القدس، وبالأمس تصريح ترمب".

وتابع نتنياهو الذي وصف أمس القرار بالتاريخي "قلت له صديقي الرئيس أنت على وشك صناعة التاريخ، وبالأمس سطر التاريخ... إنها لحظة موحدة وتثلج الصدر، لليمين واليسار على حد سواء، العلمانيين والمتدينين، القدس بهذا هي أساس فرحتنا".