غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - مع اشارة عقارب الساعة إلى الثانية فجراً حتى يخرج المسحراتي إلى الشوارع بطبلته، ليوقظ النائمين بدخول وقت السحور وهو ينادي بأعلى صوته :" إصحى يا نايم وحّد الدّايم، رمضان كريم" وادعوا الكريم يفك الكرب، ويرحم الشهداء ويصبر أهاليهم، ويوقف مع الغلابا والمظلومين "قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم".

بهذه الكلمات اختصر المسحراتي أبوأحمد مناداته الليلة لإيقاظ المواطنين في أحد أحياء مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يقول :"التسحير مهنة ورثتها عن والدي، والناس في المنطقة تعودوا علينا ، وأنا منذ 4 أعوام أعمل في مهنة التسحير".

وأضاف في حديثه مع" النجاح الاخباري":"المسحراتي هذا العام ليس له فائدة كبيرة مثل السابق ،فأصبحت مهنة التسحير لا لون لها ولا طعم ،فالناس ليسوا كالسابق ،ولا يهتمون بالمسحراتي لأنهم أصلا لا ينامون فلا يحتاجون لمن يسحرهم."

ويقول أبو أحمد بعضا من المواويل  والكلمات الجديدة التي يعبر من من خلالها  عن  واقع قطاع غزة منها : "الدنيا ماشية ورايحة فينا ومحدش فيها مدور علينا... لا كهربا ولا مية والحصار اشتد علينا"، وينادي أيضا: " الكهربا قاطعة والناس خارج البيوت.. لا رواتب ولا فلوس".

ويستذكر أحمد والده حينما كان يوقظ الناس قال:" كان يضرب على تنكة كبيرة وعصايتين يطبل فيهم، وكنت معه  أحمل  الفانوس،لأن الكهرباء تكون مقطوعة على بعض المناطق فنضوي لأنفسنا لكي نسير ونوقظ الناس ،ومن جهة أخرى لكي نعطي لرمضان نكهته وأجواءه الجميلة ، فعلا كانت أيام جميلة جدا ".

وأشار إلى أن العمل في التسحير يريد من ورائه ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يأخذ أجراً عليه، كمبادرة منه لعمل أجواء إيمانية في حضرة الشهر الفضيل".

ولفت أبو أحمد إلى أن جميع المسحراتية يقومون قبل يوم واحد من عيد الفطر، أي في وقفة العيد بدق جميع أبواب المنازل في الحي لتلقي العيديات نظير ما قاموا به من إيقاظهم طوال شهر رمضان.

إقرأ أيضا: همان مشتركان يطرقان أبواب الصائمين

مهنة مؤقتة

يسير اسماعيل أبو الليل بصحبه صديقه المقرب الذي خرج معه طواعية ً وحباً في سماع صوته الذي يصدح بين أزقة المباني والحارات ، يساعده أحياناً على الاستمرار في ترديد المديح النبوي، وفي دق طبلته تارة أخرى، بالقرب من نوافذ المنازل، حتى يتأكد بأن أصحابها فاقوا من نومهم، وبدأوا بإحداث جلبة.

يقول أبو الليل: " المسحراتي مهنة تقاوم الظروف الاقتصاديّة الصعبة في قطاع غزة، فهي ملاذي الوحيد الذي أجد فيه الأمل في توفير لقمة عيش كريمة لي ولزوجتي وأبنائي ، بعدما مللت من البحث عن عمل أخر يساعدني في إيجاد حياة كريمة ".

ولفت أبو الليل أنه أراد إحياء عادة التسحير (إيقاظ الناس للسحور) بين الأزقة والمخيمات لإضفاء جو إيماني في هذا العام، خاصة وأن العام الماضي لم يشعر أهالي القطاع بأجواء الشهر الفضيل من جراء الحرب على غزة".

وأضاف ضاحكا :" لقد أخذت من اسم عائلتي كثيرا ،فالناس ينادون بأبو الليل كناية عن أني أخرج ليلا لإيقاظهم ،وعائلتي تحمل نفس الاسم ، والمسحراتي هو من يوقظ الناس قبل أذان الفجر في ليالي رمضان، وأيضاً لتناول وجبة السحور، ففي العادة يكون دق الطبول مصحوباً ببعض التهليلات والأناشيد الدينية التي لها وقع خاص في نفوس المواطنين كونها تحمل طابعاً دينياً.

وأوضح أبو الليل أن ضربات الطبلة والصوت الجميل الذي يصدح به  بأجمل الكلمات الدينية، تجعل الكثير من الناس يستيقظون من نومهم دون انزعاج، بل ويقف بعضهم على نوافذ منازلهم للاستمتاع بالمديح النبوي والأناشيد الدينية عن قُرب.

وتابع أن عمله هو عبارة عن حل مؤقت له في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة، مؤكداً أنه سيدخر المبلغ الذي سيحصل عليه من هذا العمل لشراء لبس العيد لأولاده، وكعك العيد وغيرها من الأمور التي تدخل مزيدا من البهجة على قلب أسرته الصغيرة.

أجواء من البهجة

أم طلال عبد الدايم تقول عن المسحراتي التي يجول في شارع منزلها :" بأغلب الأيام ا نكون نائمين ،ونستمع لصوت المسجد حينما ينبهنا لوقت السحور ،لكننا نحب أن نسمع صوت "أبوطبلة" هكذا نسميه في حارتنا ،فهو يخلق جوا من المرح في الشارع ،بل يخرج بعض أطفال الحي له وينادوا معه تهاليله وأناشيده الرائعة ،فهو من تراثنا الفلسطيني والذي يجب أن نحافظ عليه ."

وتتابع ام طلال ل النجاح الاخباري :" يظل المسحر يوقظنا طيلة الشهر الكريم ،سواءً كان هناك كهرباء أو لم يكن ،أو إن كنا مستيقظين أو نائمين ، وفي آخر يوم في الشهر  وبعد ثبوت هلال شوال ، يجول بعد الافطار على البيوت ليأخذ نصيبه من عيدية الافطار ،فنعطيه اكراميته لأنه تعب طيلة الشهر .

ليس له فائدة

أما الشاب عيسى المصري  ( 28 عاماً)، فيرى أن لا فائدة للمسحراتي في هذه الأيام، بسبب كثرة المساجد التي تقوم بتذكير المواطنين لأوقات السحور والصلاة.

وقال المصري : نسمع أصوات المسحراتي في حارتنا، لكن ليس له طعم مثل أيام زمان، فوالدي كان يحدثنا الكثير عن المسحراتي الذي كان في أيامهم"، منوهاً إلى أن أغلب الناس هذه الأيام، يبقون مستيقظين حتى صلاة الفجر.

المواطن تحسين داوود  يقول: "كيف نشعر بطعم رمضان وبيوت الناس حزينة تبكي أولادها الذين ارتقوا شهداء، وكيف نشعر بالشهر الكريم وصورة الأطفال الشهداء لا تخرج من الذاكرة ، يجب أن يقف العالم أجمع مرة واحدة لنصرة الشعب الفلسطيني، الذي يعيش أسوأ حالاته وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية بسبب الحصار الخانق ،والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة."

وان اتفق الكثيرون أو اختلفوا معه أو مع وجوده ،فيظل المسحراتي يحظى بحب وتشجيع الكثير من سكان الأحياء التي يطوف فيها لإيقاظهم خلال ليالي رمضان، فيقف له الأطفال والشباب على النوافذ مبتهجين بقدومه.