عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - أسدل الستار أمس الاثنين على حياة رجل ملأ الدنيا وشغلها في اليمن والخليج وعموم الوطن العربي والعالم، علي عبد الله صالح اغتالته جماعة الحوثي وهو مغادر صنعاء إلى سنحان بلدته ومسقط رأسه، التي ولد فيها في 21 مارس 1942، بعدما قامت القوات الحوثية بتفجير بيته.

غادر صالح المشهد السياسي والآدمي عن 75 عاما، قضى أكثر من نصفها في الحكم حيث تولى الرئاسة في تموز 1978، ووحد اليمن تحت قيادته عام 1990، وقبل الاستقالة عن سدة الحكم عام 2012 مع قبوله المبادرة الخليجية، التي جاءت في اعقاب احتجاجات  ضد حكمه استمرت طيلة عام كامل. ولم يكن للرئيس السابق قبول المبادرة الخليجية لولا أنه كان يعالج في المملكة السعودية بعد تفجير مسجد دار الرئاسة في يونيو 2011. لكن بعد عودته من رحلة العلاج عاد ونكث الاتفاق، وأدار الظهر للمبادرة الخليجية، وتحالف مع الحوثيين، ضاربا عرض الحائط لدول الخليج وخاصة السعودية، مع انه واصل إرسال الوساطات لها دون كلل أو ملل لتقبل بعودته لسدة الحكم، ويبدو انه حصل ذلك مؤخرا، حيث اعلن صالح قبل أيام اربعة من رحيله عن الساحة إلى مثواه الأخير التمرد على حلف الأمس مع الحوثيين، وأعلن الحرب عليهم، وسيطر من خلال قواته على أهم الوزارات والمؤسسات في العاصمة صنعاء.

اليمن اليوم بعد رحيل صالح، ليس هو اليمن أثناء وجوده. رغم ان اليمن يعيش دوامة الصراع الدامي بين قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين منذ ثلاثة أعوام خلت، إلا ان المشهد سيختلف نسبيا لجهة أولا ذهاب اليمن إلى حرب شوارع في صنعاء والمدن التي يسيطر عليها الحوثيون؛ ثانيا تغير شبكة التحالفات الداخلية واليمنية العربية والإقليمية؛ ثالثا قد يساعد رحيل صالح الإمارات على الدفع بتقسيم اليمن، وترسيخ استقلال الجنوب عن الشمال، لا سيما ان هناك قوى على الأرض تقاتل دفاعا عن هذا الخيار، وقد تم منع الرئيس هادي قبل أيام من إقامة استعراض عسكري في عدن؛ رابعا ستفقد إيران الشمال اليمني، لأن الحوثيين سيواجهون تحديات مختلفة من أنصار علي عبد الله صالح، وحتى في حال صمدوا لبعض الوقت، فإن مكانتهم اهتزت في الساحة اليمينية بعد إعلان الرئيس الراحل الانتفاضة في وجههم؛ خامسا ستبقى الساحة اليمينية تعاني من عدم الإستقرار، وستبقى تلفظ لهب براكينها المتفجرة في الداخل اليميني وعلى دول الجوار المحيطة.

سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء أمس بعد مقتل صالح، لا تعني أن الساحة باتت تحت سيطرتهم، العكس صحيح، فما جرى كما أشير آنفا سيفتح أبواب السعير في وجوههم، لأن ابناء واشقاء صالح وقبيلته ومواليه لن يسلموا الراية للحوثيين، وبالتالي ستشهد المدن اليمنية تطورات عاصفة إلى ان يحسم أحد الطرفين المعركة لصالحه. والأهم ان معادلة الصراع في اليمن أمست مختلفة نسبيا عما كانت عليه قبل أسبوع من تاريخه. وحتى السيناريو الذي رسمته بعض القوى الإقليمية والدولية لترتيب أوضاع اليمن قد يتأخر زمنا لحين تصفية الحسابات الداخلية، فضلا عما يمكن ان تساهم به تلك القوى من تأجيج حدة التوترات على الأرض عبر دعم ومساندة حلفائها بالأسلحة والعتاد والمال، ما سيترك بصمات قوية على مستقبل الحل الإقليمي الذي أخذ طريقه لليمن بعد العراق وسوريا.

رغم ما تقدم، فإن اللوحة في اليمن لم تعد واضحة، وهناك تشابك وضبابية في القراءة الموضوعية للتطورات الجارية. واليمن ما زال أسيرا للتجاذبات والاستقطابات العربية والإقليمية، التي ستلعب دورا غير إيجابي في مستقبل الشعب اليميني وسيادته على وطنه. وقادم الأيام قد يجلي بعض الغموض الناشئ عن مقتل علي عبدالله صالح وآفاق التطور اللاحق لليمن غير السعيد راهنا.