خلف جمال - النجاح الإخباري -  

عندما يحاول الفنان الراحل احمد زكي في مسرحية "العيال كبرت" الحديث، يقاطعه زميله سعيد صالح قبل أن ينطق بأي جملة مفيدة، قائلاً: انا معترض". فيسأله احمد زكي: معترض على ايه؟
فيرد: "معرفش، لكن ما دام بمجلس فلازم اعترض"
هذا المسرحية التي اعتادت الفضائيات العربية على بثها في أيام الاعياد لرسم البهجة على وجوه المواطنين، تحمل بعض مشاهدها الكثير من المعاني الاجتماعية والسياسية، وهي تذكرني إلى حد ما في بعض الناس، الذين يحاولون دوما التجديف عكس التيار في محاولة للبحث عن التمييز والظهور.
هؤلاء الناس مهما فعلت سيجدون منفذا لانتقادك، وثبيط عزائمك، ويسوقون الحجج المعتمدة على رذاذ من المعلومات المشوهة.
لقد جاء قرار الرئيس محمود عباس المتعلق بتحويل قصر الضيافة لمكتبة وطنية ليؤكد على حكمة القيادة وإيلائها اهمية كبرى للثقافة، فهي التي تدرك أن المعركة مع الاحتلال في النهاية معركة وعي وثقافة.
ولأن البعض لا يعجبهم عجب العجاب، فبدأت اسطوانة الانتقاد تعمل، فقال احدهم: "لو انهم باعوا قصر الضيافة بالمزاد العلني وبنوا مساكن للفقراء"، وخرج آخر ليقول: "هذا هدر للمال العام".
ولم تتوقف الاسطونة عند هذا الحد، فكتب احدهم مقالاً طويلاً خلط به الحابل في النابل مطالبا بتحويل القصر إلى جامعة تقنية. وساق الكثير من الحجج الواهية في مقاله، زاعمًا أن الناس ليست بحاجة لمكتبات في عصر الإنترنت.
وكذلك عرج على أن التنمية في فلسطين في تراجع، مشيرًا إلى أن النمو الاقتصادي الآن هو الأقل في العقد الأخير.
وهنا لا بد من التوضيح للكاتب "النطاسي" الحقائق الآتية:
اولاً: النمو الاقتصادي في فلسطين يرتبط بشكل كلي بالوضع السياسي، وليس سرًا ان قلنا أن اموال المانحين هي التي تحرك عجلة الاقتصاد.
ثانيًا: الاحتلال هو المتحكم في المعابر والحدود وحركة البضائع والأفراد، وبالتالي تبقى الأوضاع الاقتصادية في فلسطين رهينة للتطورات الميدانية.
ثالثاً: شهدت فلسطين قبل نحو 10 سنوات طفرة في النمو الاقتصادي بسبب تدفق اموال المانحين بعد انحباس الأموال بسبب وصول حماس إلى الحكم.
رابعاً: المكتبات الوطنية لدى شعوب الأرض قاطبة تعد مؤشرًا على التقدم والتطور، وهذه قاعدة ذهبية.
خامساً: تعد المكتبات الوطنية مخزنا حافظا للارث الثقافي للشعوب.
سادسا: تعد المكتبات حافظة للذاكرة الجمعية للشعوب.
سابعا: تعد المعلومات المستقاة من الإنترنت مشوشة وغير موثقة في اغلب الاحيان، بالتالي فهي تؤسس لإيجاد جيل مشوش الذاكرة والوعي.
ثامنا: تعد المكتبات نبعا للعلم والمعرفة ومن يمتلكهن يمتلك القوة. لقد ارتفعت اليابان وتقدمت بالعلم دون سلاح.
يدرك الاحتلال أهمية العلم والمكتبات في المعركة التي يخوضها ضدنا، ولذلك فهو يولي لذلك أهمية كبيرة، وعمل على مدار عقود على سرقة تراثنا وتزويره وتصديره للعالم على أنه تراث يعود للشعب اليهودي.
لقد عمل الاحتلال طوال سنوات على محاولة طمس الذاكرة الفلسطينية وتدميرها، مستندا على مقولة: "الكبار يموتون والصغار ينسون". 
وعليه فان المكتبة الوطنية ستكون منارة للتحدي وحافظة للوعي والذاكرة الفلسطينية ضد محاولات التشويه والسرقة والكي.
ولا بد من التأكيد هنا أن تدشين المكتبة الوطنية يجب ان يتبع بمطالبة للاحتلال باعادة ارثنا المسروق من وثائق ومخطوطات، وهو ما يتيح القانون الدولي المطالبة به للشعوب الواقعة تحت الاحتلال وتعرض ارثها للنهب والسرقة.
كما يتطلب الأمر اثراء هذه المكتبة باخر الإصدارات العلمية وتشكيل إدارة حكيمة قادرة على جمع وأرشفة التراث الفلسطيني المروي والمكتوب.