سعيد ابو معلا - النجاح الإخباري - لا يحتاج المتابع إلى عمق تحليل أو ذكاء لمعرفة أنّ ما يجري منذ أكثر من عشرة أيام في المسجد الأقصى ومحيطه وعموم مدينة القدس حدث مفصلي ومحطة مهمة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

فالقدس جوهر الصراع ذاته، ليس من الناحية الدينية فقط بل بالمفهوم الحضاري الواسع للكلمة. هي مكان يختصر الصراع ويفيض به، وهو ما يجعل من تغطية وسائل الإعلام لما يجري هناك بمثابة فعل يكرّس عودة الى القضية الفلسطينية، وتحديداً في بعدها الرئيسي المتمثّل في «الجماهير» (الشعب).

هذه العودة المؤلمة تأتي محمولة لحظياً بفعل التكنولوجيا الحديثة القادرة على تقديم تغطيات آنية ومباشرة لما يجري هناك أمام البوابات وفي الأزقة والحواري العتيقة. هي تغطية لا تقدم صورة صحافية احترافية دوماً، إنما تنقل أدق التفاصيل وأكثرها وجعاً، حيث المكان التاريخي المحاصر والمحتل والمغلقة أبوابه والمواطن من مختلف التصنيفات والخلفيات. وكذلك أكثر اللحظات صدقاً وانتماء وتفانياً مع الآلاف يفترشون الأسفلت ويعربون عن رغبتهم بامتلاك المكان بكرامة وعزة نفس. ومع مرور الأيام وأمام مزيد من التغطيات المباشرة التي يقوم بها المواطنون والمصلون والنشطاء لحظة بلحظة ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، وأمام كاميرات مجموعة من الفضائيات الفلسطينية والعربية التي ثبتت على البوابات المثقلة بالحراس المدججين بالسلاح وكاميرات المراقبة الأحدث عالمياً، أصبح المشاهد الفلسطيني والعربي بانتظار خمس فترات من التغطية اليومية عملت بدورها على قلب أجندة نشرات الأخبار التقليدية وحققت تنامياً في الحشد الجماهيري اليومي أمام البوابات.

وما جرى من تغطيات مباشرة جعلت من فعل الصلاة خبراً يستوجب ويستلزم مزيداً من التعمق والانتباه. كما أصبح فعل الصلاة على البوابات مكاناً مناسباً لتقديم التغطيات المعمقة منها والتقليدية وفق طبيعة الضيوف وأسئلة المراسلين والمقدمين، وهو ما جعل من جنود الاحتلال يستهدفون الكثير من الصحافيين والمرسلين. وقد نُقل فعل استهدافهم مباشرة أيضاً.

كان الانتصار اليومي الذي نقل لحظياً يتمثل في زيادة أعداد المنضمين الى المحتجين (مصلين وغير مصلين). الكاميرات احتفت بذلك، وتركت شعوراً لدى من لا يتمكن من الوصول الى القدس المحتلة بأن حسم هذا الصراع مع المحتل لن يكون في مصلحته.

أكثر من قناة فلسطينية التقطت الفكرة وعمدت منذ بداية الأزمة إلى تقديم نقل مباشر لأماكن إقامة الصلوات، ونصبت كاميرات في زوايا مختلفة وقدمت تغطيات عكست القيادات الجديدة المتشكلة أمام الأبواب، وقدمت حالة التضامن والتعاطف والفعل الإنساني والاحتجاجي السلمي والسلوك البربري الذي يمارسه المحتل. وإضافة الى نقل الصلوات وأدعية المؤمنين، قدمت بعض الشاشات اللقاءات مع المصادر والخبراء من جانب المصلين، وتفننت بعض الشاشات في تقديم لقطات تظهر أن المسألة ليست «دينية إسلامية»، من خلال التركيز على مصلين مسيحيين وشبان لا يصلون لكنهم يصطفون إلى جانب من يفترشون الأرض.

هكذا أظهرت الشاشات من خارج مكان الحدث أن الشوارع استحالت «كرنفالاً» احتجاجياً يتجدد كل يوم خمس مرات، مع مواقيت الصلاة، ويراه العالم أجمع.

لعبت عوامل كثيرة في تنوع التغطية التلفزيونية وما يتناقله نشطاء الفيديو مثل سلوك قوات جيش الاحتلال نفسه تجاه المصلين، وتزايد الأعداد من كل المناطق التي يمكنها أن تدخل الى المكان، وتنوع أوقات الصلوات وبالتالي تنوع الصور التلفزيونية، وسلوك المواطنين الذين جعلوا من فعل العبادة طقساً اجتماعياً ثقافياً رافضاً للذلّ.

والشاشات إذ تنقل الصراع لحظياً فإنها نقلت إحساس المقدسيين بالنصر أخيراً عندما خرجت الشاحنات محمّلة بالجسور والبوابات والمعدات الضخمة، فيما الجماهير المحتشدة تهتف بالنصر. هو انجاز صغير جداً للفلسطيني لكنه مهم وأصيل في ظل الانكسارات المتكررة. انجاز كانت تكنولوجيا الاتصال الحديثة وتقنيات البث المباشر شريكة فيه، والأهم أنه حمل معنى قوة الجماهير وقدرتها على الدفاع عن حقوقها، وهو أمر يخيف المحتل.

نقلا عن الحياة اللندنية