النجاح الإخباري - أكدت الروائية الفلسطينية الأميركية سوزان أبو الهوى أن الأحداث التي يشهدها قطاع غزة تمثل محطة فاصلة في تاريخ فلسطين، فهي إما أن تطلق ثورة عالمية ضد الاستعمار والهيمنة الرأسمالية، وإما تظهر انتصار تلك الهيمنة.
 
وقالت سوزان في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "على أصحاب الضمائر أن يواصلوا المقاومة ورفع أصواتهم للاحتجاج، فالصمت على ما يجري هو أقوى سلاح تملكه الصهيونية العالمية بعد أن نجحت في إقناعنا بتفوقها".

واعتبرت أن مصدر الخطر يأتي من قدرة إسرائيل على فرض هيمنتها فيما أسمته "استعمار المخيلة". 
 
وزارت سوزان غزة الأسبوع الماضي وشاركت في جهود الإغاثة، إلى جانب تنظيم مجموعة من الورش الأدبية مع مبدعين شباب لحثهم على توثيق تجاربهم حول ما يجري هناك منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
 
وأكدت سوزان أن زيارتها إلى غزة كشفت أمامها "نكبة جديدة تعيشها فلسطين".

وأضافت "كل فلسطيني يرغب في الدخول إلى هناك، لأننا نرغب في أن نتشارك في حمل الأعباء عن كاهل أهلنا هناك في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها، كما أننا نرغب في تسجيل قصصهم المؤلمة ونشرها كحقيقة دامغة على حجم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل".

وتابعت قائلة "تخيل ما يصيب عزة نفس الإنسان وهو لا يستطيع الاستحمام لعدم وجود ماء وعاجز عن قضاء حاجته".
 
ولا تعرف الروائية الفلسطينية "كيف سيعود الناس في غزة من تلك اللحظة التي قذفت بهم خارج شروط الحياة".

ونشرت سوزان، المولودة في 1970، رواية (بينما ينام العالم) في 2010 وجعلتها واحدة من أكثر الكاتبات مبيعا في العالم، وهي ناشطة في حقوق الإنسان وأسست منظمة (ملاعب من أجل فلسطين).

ونزحت عائلة سوزان من القدس بعد حرب 1967 واستقرت في الكويت حيث ولدت سوزان هناك، ثم سافرت للإقامة برفقة عمها في الولايات المتحدة، وبسبب تشتت أفراد عائلتها انتهى بها المطاف في القدس وعاشت في دار لرعاية الأيتام، ثم أرسلت إلى ولاية نورث كارولاينا كطفل متبنى وعاشت هناك ونالت درجة الماجستير في علم الأعصاب.

* نكبة جديدة 
 
توضح سوزان أنها تسعى للذهاب إلى فلسطين كلما أتيحت لها الفرصة لوجود أقارب وأصدقاء لها هناك، لكنها لا ترغب في مقارنة ما يجري هناك منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول بأي "مذبحة أخرى"، ووصفت ما يحدث بأنه "نكبة جديدة".
 
وفي العام 2002، عملت سوزان في شركة أدوية وزارت جنين كمراقب دولي، وسجلت ما رأته هناك في روايتها الأشهر (عندما ينام العالم) التي كانت واحدة من بين أكثر الروايات مبيعا وقت صدورها، غير أنها تؤكد أن ما عاشته في جنين كشف عن "جرائم فظيعة"، إلا أن ما رأته في غزة "أضعاف ما عشته في جنين".
 
وأضافت "صحيح أن التفكير النازي الفاشي الذي مارسته إسرائيل لم يتغير، لكن هدف الإبادة زاد بوضوح وتجاوز جرائم الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية وقدم نموذجا فاضحا للإبادة الجماعية التي تستهدف محو أي شيء له صلة بفلسطين".
 
ترى سوزان أن هناك "انتكاسة للضمير الإنساني"، ومضت تقول "نحن نتراجع كبشر، بل نتخلف، فالعالم كله يشاهد ما يجري في غزة ويتجاهل الأصوات التي تدعو لوقف الحرب وإغاثة الفلسطينيين، كما أنها المرة الأولى التي تبث فيها مشاهد الإبادة على الهواء، بينما يمكن في ذات اللحظة رؤية الصهاينة على تيك توك وهم يحتفلون في تشف لا يمكن نسيانه أبدا".
 
وأردفت "كيف يمكن لهؤلاء القتلة أن يعيشوا بيننا كبشر بعد كل ما حدث".
  
وردا على سؤال بشأن الكيفية التي يمكن للكاتب أن يتعامل بها مع مثل هذا الحدث، قالت سوزان "آثرت أن يتأجل تفكيري في الكتابة لصالح دعم أصوات الآخرين، لذلك أقوم بتنظيم ورش للكتابة الإبداعية مع شباب في غزة ليتمكنوا من التعبير عما يعيشونه رغم قسوة الظرف الراهن".
 
وتؤكد أن انخراط هؤلاء الشباب في تسجيل تجارب معايشة الموت "هو أمر مهم لتوثيق روايتهم ومواجهة الأكاذيب الإسرائيلية".
 
وأضافت "من عاش التجربة هم أصدق من الآخرين في التعبير عنها ودوري هو أن أساعدهم بتقديم الخبرة والمشورة لتطوير نصوصهم لتأخذ شكل الرواية بطريقة فنية".
 
وبالإضافة لعملها في تنظيم الورش الإبداعية، تخطط سوزان إلى جمع الإنتاج الأدبي لهؤلاء الشباب ونشره في كتاب يصدر بعدة لغات لإيصال أصواتهم إلى العالم.
 
* "صراع سرديات"

ترى الروائية الفلسطينية أن تسجيل التاريخ مهمة ضرورية ولا ينبغي تأجيلها، وتقول "المستعمر يسعى دائما لاستهداف الأدباء والمثقفين لأنهم يواجهون روايته المزيفة عن الصراع، كما أن ما يحدث حاليا هو صراع سرديات، وبالتالي علينا أن نرد على الكذب الإسرائيلي بسردية مضادة لكن صادقة".
 
وأضافت "عندما نقرأ فيلسوف اجتماعي مثل فرانز فانون نتعلم أن الرواية ليست عملا ترفيهيا يكتب بغرض التسلية، بل أداة مهمة في المجتمعات المستعمرة ووثيقة عما يجري في زمانها".    

وتوضح سوزان أن الأدب الفلسطيني يعيش قدرا صعبا، فهو رغم من طموح أصحابه فإنه لا يستطيع التحرر من آثار النكبة "لأن فلسطين تعيش سلسلة من النكبات المتواصلة ولا تزال نكبة 1948 مستمرة، بل تمتد على أرض أقرب إلى جرح اسمه النكبة. كل مصائر الفلسطينيين ارتبطت بتلك اللحظة وهم غير قادرين على تخطيها لأن الاحتلال ما زال قائما".
 
وأضافت "كل جيل إبداعي يسعى لكتابة ما عاشه، كما أن هناك من يذهب بعيدا في التاريخ ليؤكد أن فلسطين عاشت أوضاعا طبيعية إلى أن تم احتلالها".

وأبدت أسفها لأن هذه الصورة غير واضحة في العالم، ومضت تقول "هناك من يتصور أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب وهي كذبة نحن معنيون بكشفها".
 
وتتجنب سوزان الحديث عما واجهته من محاولات لحصار إنتاجها داخل الولايات المتحدة، مؤكدة أن كل الفلسطينيين صاروا أهدافا لعمليات استهداف منظمة تقف خلفها المنظمات الصهيونية بغرض إسكات جميع من يجاهرون برفض ما يجري.
  
وتشدد الروائية الفلسطينية على أن كل إنسان له دور في هذه اللحظة "كما لا يمكن لأحد أن ينفصل عن اللحظة إلا لو انفصل عن ضميره".

وقالت "للأسف هناك الكثير من الناس يرغبون في ذلك. الخطر الحقيقي أننا نصدق رواية الصهيونية العالمية عن تفوقها التكنولوجي ونؤمن بعظمتهم وهذا هو استعمار المخيلة".