طلال عوكل - النجاح الإخباري - ثمة ما يدعو للتوقف والتفكير ملياً، وربما مع حالة من الاستغراب الذي قد يصل الى حد الاستنكار، ازاء اشكال ووسائل التعبير، وآداب الحوار وممارسة النقد، في الحالة الفلسطينية. يطبق الفلسطينيون على مستوى السياسيين والنخب في التعامل مع الظواهر السياسية والاجتماعية الداخلية المثل القائل "حين يقع الجمل تكثر السكاكين". الصراع الدائر على خلفية الانقسام، ليس بين طرفيه فقط، اذ يبدو ان لكل من الفصائل الفلسطينية نصيب من المسؤولية، يقدمه مشهداً مأساويا، من حيث اللغة الموظفة في نقد الآخر، واستسهال الشتم، والقاء الاتهامات جزاماً، وبدون الشعور بالمسؤولية تجاه قواميس اللغة المسكينة التي تتعرض للانحطاط، وتجاه الابعاد التربوية وآثارها على الأجيال الشابة.

لا يتوقف إهدار آداب ولغة الحوار داخل صفوف الشعب الذي يرزح تحت احتلال استيطاني عنصري بغيض. على الخلاف والاختلاف حتى الصراع بين فصائل ذات رؤى وبرامج وربما أهداف متباينة، بل أنه ينحدر إلى مستوى يدعو إلى الاستغراب حين يتصل بظاهرة أو بفصيل بعينه.

لست هنا لأدافع أو انتقد حكومة الوفاق الوطني، فحتى لا نقع في المحظور الذي ننتقده، حيث ينبغي أن يقوم النقد على أساس علمي موضوعي، فإنني أسجل استغرابي من الانتقادات التي تصدر عن مسؤولين حركة فتح، أو في السلطة، تجاه حكومة الوفاق، التي تلملم حقائبها للرحيل، وبعض تلك الانتقادات تتخذ طابعا قاسيا.

لا محل لتوجيه اللوم إلى من عارضوا هذه الحكومة، سواء من النخب السياسية والكتاب، أو المعارضين السياسيين، فلكل من هؤلاء رؤيته، ودوافعه وأهداف من وراء الموقف من حكومة حملت اسم ومهمة الوفاق بدون أن تنجح في تحقيق الوفاق وإنهاء الانقسام.

حكومة الوفاق الراحلة ،كما حكومة الدكتور سلام فياض، هي حكومة الرئيس، ووظيفتها بتنفيذ سياساته، وكلاهما تشتغلان في ظل ظروف سياسية معقدة جداً، فحكومة فياض ،هي الحكومة التي كلفت بإدارة الوضع بعد الانقلاب مباشرة، استمرت لسبع سنوات، أما حكومة الحمد الله، فكان عليها أن تنهي الانقسام.

في كلا الحالتين، فإن النجاح والفشل نسبي. ويعود جذره إلى البعد السياسي أساسا. ففي البعد السياسي الذي يشكل تحديا قويا لأية حكومة يتصل بالبعدين الداخلي والخارجي. بالنسبة للبعد الداخلي، فإن فشل الحكومة في تحقيق الوفاق وإنهاء ملف الانقسام يعود إلى تناقض الرؤى والحسابات بين كل أطراف الانقسام، وعدم قدرة الوسطاء على مساعدة الأطراف، للتوصل إلى حلول مقبولة لإنهاء الانقسام. لم يكن ممكنا بأي حال للحكومة أي حكومة أن تنجح في ظل استمرار الانقسام، وتصاعد حالة التوتر الداخلي، ولا حتى بإمكانها أن تحاصر آثار ذلك الانقسام. فليست هي من يقرر الإجراءات والسياسات والأفعال التي تتعلق بكيفية التعامل مع حركة حماس وقطاع غزة.

أما بالنسبة للعامل الخارجي، فثمة تحديات وطنية خطيرة، سواء من حيث آثار ونتائج السياسات الإسرائيلية التوسعية، التي تستهدف الأرض والقدس والمقدسات والحقوق، تلك السياسات المجرمة والمكثفة التي تستغل كل دقيقة بوجود إدارة أمريكية تتجنب بالكامل لدعم الكيان الصهيوني ومخططاته وجرائمه. وفي العامل الخارجي لا يمكن التقليل من آثار ونتائج سياسة الابتزاز التي تعتمدها إدارة ترامب ،التي أوقفت كل أشكال مساعداتها للشعب الفلسطيني وللسلطة، وتمارس أقصى الضغوط في محاولة لجر الفلسطينيين إلى مقايضة حقوقهم بالمال، هذا بالإضافة إلى سياساتها تجاه الأونروا التي تتعرض لتجفيف مواردها، وتغيير مكانتها القانونية ووظيفتها. الأساس أن حكومة الوفاق ينبغي أن تغادر أو تغادر وظيفتها بفك الارتباط مع أسباب وجودها، ومع حركة حماس، واستبدالها بحكومة ذات وظيفة مختلفة، تتناسب واختلاف الظروف، ومن أجل تحقيق أهداف مختلفة عن سابقاتها، ما تزال التصريحات المتناقضة بشأنها تخلق حالة من الغموض والارتباك، بشأن دوافع إقامتها واستراتيجياتها، ووسائل تحقيق اهدافها.

في كل الأحوال فإن الحكومة القادمة كما سابقاتها هي حكومة الرئيس وإلى سياساته أساسا ينسب النجاح أو الفشل.