نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - كأنها لا تجد ما هو أهم، تنشغل وسائل الإعلام هذه الأيام، بالدعوة التي توجه روسيا لكل من حركة فتح وحركة حماس، لتحقيق هدف معلن وهو إنهاء الانقسام وتحقيق وحدة الفلسطينيين.

الطرفان لا يملكان سوى الترحيب بهذه الدعوة، حركة حماس ترى فيها نجاحا في التوسع بعلاقاتها الخارجية مع دولة قوية، ولها دور متزايد في الشرق الأوسط فضلا عن مكانتها الدولية.

حركة فتح هي الأخرى لا تستطيع من حيث المبدأ أن ترفض دعوة لإنهاء الانقسام حتى لا تتهم بأنها تشكل عقبة أمام تحقيق هذا الهدف بالإضافة إلى أنها تنتظر باهتمام شديد أن تبادر موسكو إلى فتح طريق آخر لا يمر عبر واشنطن لإحياء ومتابعة عملية السلام وفق آليات لا تسمح للولايات المتحدة بمواصلة احتكار الملف.

الطرفان يحترمان الموقف التاريخي لروسيا بشأن الحقوق الفلسطينية وهو استمرار لمواقف وسياسات الاتحاد السوفيتي. غير أن السؤال الأساسي، لا يتعلق باستعداد الطرفين للاستجابة للدعوة الروسية، ولكن الأهم هو ما إذا كانت موسكو قادرة على أن تضخ دمًا حارًّا يبدد الجليد الذي يميز الحوار من أجل إنهاء الانقسام.

جمود في مسار عملية المصالحة، وجمود آخر في طريق السلام،  عدا ما تقوم به الولايات المتحدة من موقع الانحياز الكامل لإسرائيل، فهل ينجح بلد الصقيع في إذابة هذا الجمود الذي لم ينجح في تحقيقه دفء القاهرة؟.

في الواقع لا يمكن تجاهل المكانة التي تحوزها  موسكو في إطار تزايد واتساع دورها في قضايا المنطقة والإقليم. وانطلاقا من ساحة ملاصقة لفلسطين المحتلة.

روسيا تملك القدرة على التأثير في مواقف الدول والقوى التي تشكل محل اتهام بأنها تساهم في تعطيل عملية المصالحة سواء كانت تركيا وإيران، أو قطر، لكن هذا التأثير مرهون بالإجابة عن السؤال حول الأسباب الحقيقية لتعطيل المصالحة حتى هذا الوقت.

أولا لا يمكن النظر للدعوة والدور الروسي، على أنَّه بديل أو منافس لدور القاهرة، التي تملك كلَّ الأسباب التي تجعلها القوة الأكثر تأثيرًا من سواها في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني مما يعني أنَّ الدور الروسي مساعد ومنسق مع مصر.

ثانيًا المشكلة الأساسية التي منعت وتمنع التوصل إلى اتفاق بشأن المصالحة، لا تعود إلى طبيعة وحجم التدخلات السلبية أو الإيجابية الخارجية، وأن كان لا يمكن إهمال مدى تأثير تلك التدخلات.

المشكلة الأساسية تكمن في العامل الذاتي الفلسطيني، وافتراق الحسابات بين حركتي حماس وفتح، وطبيعة وحجم الوقائع على الأرض التي جرى تكريسها خلال إثني عشر عامًا من الانقسام.

إذا كانت القاهرة لم تنجح في تحقيق مساومة تقنع الطرفين بأن يجلسا على طاولة واحدة، وتحقيق مساومة على أرضية حسابات واحدة فإنَّ موسكو لا تملك الحوافز ولا أدوات الضغط الكافية لتحقيق ذلك.

سبق أن تحدثنا عن تلك الحسابات، وعن الأسباب الجوهرية التي تحول دون تحقيق هدف إنهاء الانقسام، ويمكن اختصارها بما هو معلن من مواقف بإصرار حركة حماس على التعامل مع حكومة الوفاق على أنَّها فاشلة وجزء من المشكلة وليس الحل وتدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ابتداءً.

حركة فتح تتحدث عن "على من أشعل النيران أن يطفئها"، فحركة حماس انقلبت على الشرعية وعليها إنهاء هذا الانقلاب، وتمكين حكومة الوفاق للعمل بشكل كامل كما هو الحال في الضفة، فوق الأرض وتحتها، وذلك قبل الانتقال إلى خطوة أخرى.

لكلِّ موقف من هذه المواقف تداعياته في عمق الخلاف حول الملفات الخمس الأساسية التي عالجتها اتفاقية القاهرة عام (2011)، ولكلِّ طرف مخاوفه من نوايا الطرف الآخر، إزاء حصة كلّ منهما في القرار والمؤسسات الوطنية العامة.

نشك كثيرًا في أن تنجح موسكو في تبديد هذه المخاوف والحسابات. حتى لو تمكَّنت من جمع الطرفين على طاولة واحدة، وهو ما لم يحصل على يد الطرف المصري في محاولاته الأخيرة.

غير أنَّ فشل موسكو المحتمل، لا يعني بالضرورة الحكم بالفشل على هذه الدعوة التي تريد موسكو من ورائها أيضًا، الاقتراب أكثر فأكثر من جوهر الصراع في المنطقة وهو القضية الفلسطينية، تمهيدًا لدور أكبر وأكثر تأثيرًا في هذا الملف المعقد.