كتب غازي مرتجى - النجاح الإخباري -
عندما يذهب بنا التفكير إلى نحو بعيد نستعيذ بالله ونقول هي أضغاث أحلام ناجمة عن نظرية المؤامرة المُستخدمة عربيًا لتبرير الفشل وهي الشمّاعة الأكثر استخدامًا عربيًا لكن القاعدة كُسرت فلسطينيًا باستخدام شماعة الاحتلال تليها النظرية المذكورة . في العُجالة المكتوبة سنُحلل معًا إرهاصات صفقة القرن وما بعدها وما بينهما فمن أراد اعتبارها مؤامرة مُستندة إلى أضغاث أحلام فله ذلك ونتمنى أن يُصيب في رأيه ومن رأى العكس فله ولنا الكلام والاعتراض فقط لا أكثر !


من الذي يسير في ركب الصفقة وماذا سيستفيد ؟ نحن الفلسطينيون الأقل حظًا رغم أننا الأكثر قوة وإمكانية .. التداخل في تنفيذ الصفقة سيكون موزعًا بين "لبنان وسوريا" من جهة " مصر وغزة" من جهة أخرى " الضفة والأردن" من جهة ثالثة والشرق الأوسط بأكمله في عين الصفقة التي بدأ تنفيذها منذ انطلاق ما أُطلق عليه ربيع العرب . في سوريا والعراق ستجد عدة دويلات في الدولة الواحدة لكن الصفقة المذكورة ستؤسس لدولة الأكراد التي باتت واقعًا في الأعوام الأخيرة ولو نظرنا للعلاقات الإسرائيلية الكردية ستعرف من يقف خلف هذا الكيان المُستحدث . ولو عُدنا للوراء قليلًا ستجد أن جنوب السودان كانت التجربة الأولى لطبّاخي الصفقة اليوم . 


دمشق ستكون في مأمن طالما صارت الجولان جزءًا من إسرائيل وفق قرار حكومتها المتطرفة التي عقدت جلستها هناك بما يُخالف القرارات الأممية التي أكدّت احتلال الجولان منذ 67 . أما في غزة التي تسيطر حماس عليها فستُعطى اسم دويلة بإضافة عدة "كيلومترات" من سيناء وصولًا للعريش ولن يتم ذلك علنًا حيث ستُحرج الدولة المصرية الرافضة لمخطط آيلاند منذ السادات لكنها ستكون بمثابة تسهيلات غير متوقعة تصل إلى حد اعتبار مطار العريش مطارًا للفلسطينيين بدلًا من مطار عرفات الذي دمرته إسرائيل وزاد تدمير حلمه الانقسام . مصر التي تستضيف قيادة حماس الحالية وبات من المُعلن أنها تُمارس ضغطًا على قيادتها بدأت بخطة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وذلك لمواجهة الرفض التركي لترسيم حدودها مع قبرص وتحديد الحدود مع إسرائيل يعني اعتراف الأخيرة بالحدود الفلسطينية (في بحر غزة) فهل نستمر بممارسة الغباء والجهل السياسي عن قصد وتمرير صفقة تحديد الحدود دون أن تكون فلسطين (الدولة) في عين الاتفاق ؟ ربما يُخفي السطر الأخير مما كتبت الكثير من الكلام غير المُعلن والتفاصيل المُرعبة التي ستُصبح واقعًا لا محالة باستمرار الغباء السياسي والتعامل الفوقي الداخلي . في لبنان ورغم أن زعيم حزب الله بإمكانه السيطرة على البلاد بسلاحه (وبعيدًا عن شرعية ذلك من عدمه) إلا أنه خرج في خطاب عرمرم وقال في أمر تحديد الحدود واستكشاف الغاز في بحر المتوسط على سواحل لبنان أنّه كمقاومة سيكون مع قرار الدولة وسيُدافع عن قرارها ولن يسمح لإسرائيل بالاستفادة من غاز لبنان . 


أستغرب حقًا عندما أقرأ خبرًا يتحدث عن فرض حماس ضريبة تُقدر بـ"20 شيكل = 5 دولار" على من يصطاد بسنارته على شاطيء بحر غزة حتى لو كان يُمارس هواية ولا يبيع . حماس التي تسيطر على القطاع حتى الان وتعلم تمامًا أن قواتها الأمنية في القطاع لا تتبع بقرارها سوى لمكتبها السياسي تفكيرها لا يتعدى المكان المخصص للسباحة على شاطيء البحر  . الحكومة الفلسطينية أعلنت مؤخرًا أنها ستتعاقد مع شركة لتنقيب الغاز على بحر غزة بعد انسحاب الشركة البريطانية وطالبت قيادة السلطة أكثر من مرة من العالم تحديد الحدود البحرية حتى أنّ إحدى الاتفاقيات الدولية التي وقعها الرئيس أبو مازن تتعلق بذلك (اتفاقية قانون البحار – وقانون استخدام المجاري المائية) .

حماس التي تُلاحق المواطن على دفع الـ20 شيكل تتغاضى عن إمكانية تشكيل لوبي ضاغط على العالم ومُواجه لصفقة القرن من خلال تحالف حقيقي وشراكة فعلية مع قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير . حتى عندما طالب خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي بذلك نشرت نفيًا من غزة رغم تأكيد الصحيفة الناشرة لتصريحاته . إذًا وفي حال موافقة حماس على العرض الاقتصادي الجديد واستخدام المعابر التجارية مع مصر وصولًا لاستخدام مطارها في العريش أين ستكون المشكلة في تنفيذ الصفقة سيئة الصيت ؟ الضفة الفلسطينية هي المطمع الإسرائيلي الحقيقي منذ احتلالها فلسطين في العام 48 وهي تعتبر بعض الأماكن في الضفة أكثر قداسة من تل أبيب وحتى القدس . أزاحت الولايات المتحدة هم "القدس" عن إسرائيل واعترفت بها كعاصمة فانشغلت إسرائيل بالتخطيط لكيفية إبقاء مستوطناتها وشرعنتها وجعل الحدود المؤقتة -التي رسمتها هي باستيطانها- دائمة ومُعترف بها دُوليًا .  
حركة فتح التي تُعاني من ضعف تاريخي رغم كونها الفيصل في الأوقات العصيبة يجب أن تتحرك بدلًا من حالة الركود الحالية حتى وصل الحال ببعض قياداتها كحماس بالتفكير على مسافة أقل من المكان المخصص للسباحة على شاطيء غزة . فتح التي من واجبها التحرك نحو انقاذ غزة من "الهبل السياسي" الذي تمارسه حركة حماس بمباركة من بعض فصائل اليسار التي لم يصل مستوى تفكيرها إلى الشاطيء حتى , فرمي حماس الكرة في ملعب الإقليم سيساعد على تلقُف الإقليم لكرتها وشرائها بل والدفع بالبيتكوين ليس بالدولار وحسب  وجب عليها (أي فتح) صحوة عاجلة لا بُدّ أن تكون قريبة . 

سيقول البعض ان حركة فتح قدمت الكثير ومدّت لحماس الحبل للنزول عن الشجرة إلا أن الأخيرة لم تستجب . ربما كان ذلك حقًا في بعض المواقف وربما أكثر من ذلك عندما قدمت حكومة الوفاق حبلًا أطول لحماس باعتمادها لـ20 ألف موظف من موظفيها في السلك الحكومي وهو السبب الذي كانت ترمي حماس الرئيسَ والحكومةً به بادعاء عدم جديتهما بالمصالحة فأثبتوا العكس وزيادة . إذًا هل المطلوب مزيد من الحبال لحماس ؟ لا . المطلوب تقوية فتح لنفسها وابتعادها عن أسلوب التفكير الذي يمارسه بعض المتنفذين فيها في سبيل المحافظة على مكتسبات المرحلة الحالية التي ستنتهي فور بدء دخول صفقة القرن حيز التنفيذ ! . فتح التنظيم الذي قهر كل المؤامرات على القضية الفلسطينية وجبَ عليها التحرك رغم تأخر الوقت . مؤامرات القذافي والأسد الأب ومن خلفهم الكثير من الأعداء لم تتمكن من تمرير مخططات تصفوية للقضية . فهل تتمكن فتح من تأكيد هذه الحقيقة التاريخية أم ستُساهم في تمرير مخطط تدمير القضية ليس عمدًا بل ضعفًا وتخبطًا ؟


عودة إلى لبنان فإنها ستكون في عين العاصفة ليس إلا لوقوفها المُوحد ضد الصفقة بل قد يستغرب البعض أن إعادة تكليف الحريري رئيسًا للحكومة هناك كان جزء من مقاومة الصفقة المذكورة . في سوريا المغلوب على أمرها تقاوم الصفقة لكنها ستنفذها صاغرة ليس  إلا، بعد انضمام روسيا لقائمة المتذوقين للطبخة التي أعدتها الولايات المتحدة بتنسيق مباشر مع إسرائيل . أما مصر فإن تزامن الانتخابات مع استنزاف اقتصادي شديد دفعها للموافقة أن تكون عرّابًا لبعض البنود في الصفقة . أما الأردن الذي يقف ضد الصفقة فما يهمه هو إبقاء المقدسات في القدس تحت حمايته وهو ما تؤكد عليه المنظمة وفتح والسلطة في كل حين . الأردن لا يستطيع منع تمرير الصفقة بتحديد حدود فلسطين المنقسمة أصلًا ومصر لن تتمكن من وقف الصفقة في ظل أحلاف فلسطينية متناحرة فيما بينها . أما لبنان فيمكنه وقف تمرير ما يخص بلده في تلك الصفقة المشؤومة ما لم تتدخل الآلة الحربية الإسرائيلية لمنع ذلك وهو المتوقع قريبًا . أما نحن الفلسطينيون فعودة للبداية فإننا الأقوى بين كل تلك الأطراف ومُعامل تغيير لكل الأطراف المطبوخة والطابخة في حال كان القرار واحدا والموقف مُوحدا . تحدثت سابقًا بأنّ على حركتي فتح وحماس اعتبار "غاز غزة" المُوحّد لهم والضامن لإنهاء الانقسام طالما أن "القضية" فشلت في توحيدهم بل زادت بعضهم فجورًا بانتظاره كما الولايات المتحدة وإسرائيل لمرحلة ما بعد الرئيس ! 
لنا ولكم الله ..