النجاح الإخباري - يكشف انسحاب الجيش الإسرائيلي من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة بعد اجتياحها لأكثر من أربعة أشهر عن دمار هائل حل بالمنازل والطرق والبنية التحتية والمرافق والمباني العامة والخاصة.

وبعد الانطلاق من المواصي غرب المحافظة التي تصنفها إسرائيل منطقة آمنة والدخول إلى خان يونس عبر الطريق الرئيسي الذي يخترق مخيمها، يظهر تجريف الطرق الرئيسية والفرعية بالكامل وتدمير المنازل وانهيارها وتحولها إلى أكوام كبيرة من الركام تصعب تنقل الأفراد وتمنع حركة المركبات إلا لمسافات قصيرة.

وإلى جانب الأبنية والمحال التجارية المدمرة والمحترقة، بما فيها تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على جانبي الطريق، تحمل معظم المنازل في الشوارع الرئيسية والفرعية آثار قذائف المدفعية من كافة الجوانب مما يجعلها غير صالحة للسكن حالها حال البيوت المنهارة.

في مجمع ناصر الطبي الذي حاصره الجيش الإسرائيلي واقتحمه خلال اجتياح خان يونس، تتكدس سيارات مدمرة فوق بعضها البعض لتغلق مدخله الشمالي، بينما حفرت الجرافات الإسرائيلية الطريق الرئيسية ودمرت بنيته التحتية خاصة المياه والصرف الصحي.

الصدمة تبدو جلية على وجوه الفلسطينيين الذي يعودون للمدينة بشكل مؤقت لتفقد أطلال منازلهم وأحيائهم ، فقد فوجئوا بحجم الدمار الذي لم يسبق له مثيل، بينما لا يتمالك كثيرون أنفسهم فيجثون على الأرض منهارين خاصة في اللحظات الأولى التي تقع فيها أعينهم على بيوت سكنوها ذات يوم وقد تحولت إلى ركام. 

كأنها آثار زلزال

يرى عائدون إلى خان يونس أن الدمار الهائل الذي حل بمحافظتهم يبدو وكأن زلزالا ضربها، واعتبروا أن الحديث عن إعادة إعمارها في ظل هذا الواقع يحتاج إلى سنوات طويلة سيعاني خلالها السكان صنوفا من المعاناة والعذاب لا تقل عن ظروف الحرب الراهنة.

يجلس محمود أبو مصطفى وهو في السبعينيات من عمره على بعض من حجارة بنايته المدمرة بالكامل بعدما اختلط ركامها بركام المنازل المجاورة بشكل حال دون تمكنه هو وغيره من سكان المنطقة من تحديد مواقع منازلهم بدقة.

يتحدث أبو مصطفى بحزن ممتزج بالغضب وهو يتمتم ببعض الكلمات المعبرة عن حسرته لضياع كل ما جمعه من أموال هو وأبناؤه الأربعة لإنشاء المنزل المكون من أربعة طوابق ليتبخر حلمهم الذي طال انتظاره بامتلاك مسكن بلا رجعة. 

يحاول الابن الأصغر للرجل مواساته، بينما يغالب الأب دموعه وتتهدج أنفاسه حزنا وألما.

ويتساءل أبو مصطفى بصوت خافت "لماذا هدموا بيتي وبيت أبنائي؟ ما ذنبنا كمواطنين مدنيين في كل هذا الدمار؟ وكيف يمكن أن نعيش بعد الآن؟"

وقال "اليوم نبدأ مرحلة عذاب جديدة من حياتنا، لن نخرج من خيام النزوح ولن نغادر مربع الحرمان والجحيم الذي نعيشه منذ تركنا منازلنا قسرا قبل أربعة أشهر".

ويضيف "ظل الأمل يراودني بعودة عائلتي للمنزل الزاخر بكل الذكريات الجميلة، وحتى عند المغادرة كان أبنائي وأحفادي يلتقطون صورا للمنزل حتى يتذكروه إن دمر، وكنت أقول لهم لن يحدث شيء وسنعود إليه لنجده قائما لكن الاحتلال دمر كل أحلامنا وتوقعاتنا".

وتحول مركز المدينة، الذي لطالما عج بمرتادي المحال والمخابز والمراكز التجارية على تنوع أحجامها ومجالات عملها، إلى مجرد ركام بعد قصف وتدمير بعضها وحرق البعض الآخر.

خلال جولة في شوارع رئيسية وجانبية بينها البحر وجمال عبد الناصر وساحات عامة يتكشف حجم الدمار الهائل بعد تجريف الأسفلت والأرصفة.

علاوة على ذلك هدم القصف الإسرائيلي بعضا من المساجد الأكبر والأقدم مثل الجامع الكبير وسط خان يونس ومسجد أهل السنة الذي يقترب عمره من قرن من الزمن والشهداء والكتيبة وغيرها.

لم تسلم أجزاء واسعة من المحافظة من الدمار مثل البلدات الشرقية كبني سهيلا وعبسان الجديدة والكبيرة وخزاعة والقرارة وغيرها، إلى جانب المخيم ومركز المدينة والكتيبة والسطر الغربي والأجزاء الجنوبية لخان يونس.

وعلى الرغم من الواقع المرير كان أهالي خان يونس يأملون في عودة مؤقتة لقضاء عيد الفطر ولو بين حطام منازلهم، لكن الانسحاب الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي لم يشمل سماحه بعودة الفلسطينيين للمدينة التي أجبرهم على النزوح منها مطلع ديسمبر كانون الأول الماضي.

يعتبر عبد الله عمر، النازح من شمال خان يونس إلى المواصي، أن الانسحاب الإسرائيلي من المحافظة كأن لم يكن في غياب الضمان لعودة السكان الآمنة إلى منازلهم متسائلا "ما قيمة الانسحاب إن لم نعد لمنازلنا بسلام؟ ومن يضمن عدم تكرار الاجتياح وحصارنا داخل مناطقنا السكنية كما يحدث في شمال القطاع؟".

يوضح الرجل أنه وصل إلى منطقة سكنه بشق الأنفس سيرا على الأقدام جراء تجريف الطرق، بينما كان يمني النفس بإمكانية قضاء بقية أيام رمضان وعيد الفطر مستظلا بما تبقى من منزله المدمر الذي كان ينوي نصب خيمة إلى جواره.

يؤكد عمر الذي أكمل عقده الرابع أنه لن يضحي بعائلته المكونة من سبعة أفراد ويمكث بجوار ما كان منزله ذات يوم بسبب عدم إعلان الجيش الإسرائيلي عن السماح بعودة النازحين، ويقول إن الخراب الذي حل بخان يونس جسد لأهاليها أهوال الحرب وكأنهم يعيشونها من جديد.