النجاح الإخباري -  تتسلم النازحة الفلسطينية نجية عبد العال يوميا وجبات إفطار وسحور لها ولأسرتها من خلال "مطبخ مجتمعي" تموله منظمة (وورلد سنترال كيتشن) ويساهم في تلبية جزء مهم من احتياجاتهم الغذائية، خصوصا في ظل عدم قدرة العائلة على توفير متطلبات الطبخ من مكونات وأدوات.

السيدة النازحة من مدينة غزة إلى مواصي خان يونس لا تعبأ كثيرا باضطرارها للوقوف في طوابير انتظار طويلة أمام مدخل المطبخ الذي يشكل مصدرا أساسيا لتوفير الطعام لعائلتها المكونة من تسعة أفراد، والذي من دونه قد يُحرم أولادها من الطعام.

فالمطبخ يقدم وجبات جاهزة يوميا ويوفر للنازحين قوت يومهم، فهُم إما لا يملكون مكونات الطبخ أو لا يملكون أدواته من غاز وأوان، أو يفتقرون للأمرين معا. 

وتتحدث الفلسطينية البالغة من العمر 54 عاما عما واجهته من صعوبات جمة خلال فترة نزوحها الأولى قبل أربعة أشهر على صعيد توفير الطعام المطبوخ؛ فقد خرجت من منزلها من دون أي من مستلزمات الطبخ وأدواته، وتروي كيف سهَّل افتتاح المطبخ قرب منطقة نزوحها الجديدة قبل نحو شهرين عليها حياتها وأسهم في توفير وجبات طعام جاهزة يوميا تقريبا.

ويستبد بها القلق خشية توقف هذا المطبخ عن تقديم وجباته اليومية إذا أوقفت الجهة الداعمة له (وورلد سنترال كيتشن) عملها في قطاع غزة، كما أعلنت، ردا على مقتل سبعة من عامليها، هم فلسطيني وستة أجانب، في قصف إسرائيلي استهدف مركباتهم في دير البلح بوسط القطاع مساء أمس الاثنين.

* عودة إلى الجوع؟ 

قالت المنظمة إنها ستوقف عملياتها مؤقتا وفورا في المنطقة وستتخذ قرارات بشأن مستقبل عملها قريبا، واعتبرت أن الهجوم "ليس على منظمتنا فحسب، بل على المنظمات الإنسانية"، وذلك بعد مقتل العاملين السبعة خلال مغادرتهم مستودعا في دير البلح رغم تنسيق التحرك مع الجيش الإسرائيلي.

تبدي النازحة نجية قناعة بأن أيام الجوع التي رافقتها عند نزوحها قبل افتتاح هذا المطبخ وغيره ستعود إذا تم تطبيق قرار إيقاف عمله، لافتة إلى أن مطابخ المنظمة هي مصدر الطعام الأساسي لأغلب من تعرفهم في مناطق متعددة.

وتقول "لا أتخيل إمكانية توقف هذا المطبخ. الأضرار ستكون كبيرة جدا على أطفالي وأطفال كل النازحين. لا مصدر آخر لدينا للحصول على الطعام وسنعود للبحث والتفكير من جديد حول كيفية تدبر الحد الأدنى من احتياجاتنا الغذائية".

وتضيف "الرد على مقتل العاملين بالمطبخ العالمي يجب أن يكون بتكثيف مساعدة النازحين وزيادة الكميات المخصصة لهم وليس وقف العمل. نُقدّر أن المخاطرة كبيرة لكن خطر التوقف يتجاوز كل التوقعات".

وبحسب مصدر بمنظمة (وورلد سنترال كيتشن)، فإنها تشرف على 64 مطبخا مجتمعيا بمناطق رفح ومواصي خان يونس ودير البلح من خلال توفير كل مكونات الوجبات بما في ذلك البقوليات والحبوب.

ويوفّر المطبخ كل أدوات الطبخ من مواقد وحطب مضغوط صديق للبيئة وقِدرات وأدوات تعبئة وتغليف وتنظيف وكل مستلزمات الطبخ، لافتا إلى توفير 350 ألف وجبة يوميا للنازحين.

* "كارثة إنسانية كبيرة"

يشرف المطبخ العالمي على توزيع منتظم للسلال الغذائية ونقل المساعدات والوجبات إلى شمال القطاع انطلاقا من الجنوب بالتنسيق مع مؤسسات دولية، هذا إلى جانب سفن المساعدات التي وصلت السفينة الثانية منها لمدينة غزة أمس الاثنين.

ويعلن المطبخ العالمي من خلال موقعه الإلكتروني عن عمله على توفير 92 ألف صندوق طعام أو طرود غذائية،  وأربعة ملايين و700 ألف وجبة للفلسطينيين بقطاع غزة خلال شهر رمضان.

ويصف داود الأسطل، المشرف بجمعية (الفجر) الناشطة بإغاثة النازحين، توقف عمل المطبخ العالمي بأنه "كارثة إنسانية كبيرة تحل على النازحين"، مشيرا إلى دوره الاستراتيجي في سد فجوة الجوع خلال الفترة الماضية. 

ويلفت الأسطل إلى مهمة المطبخ الإنسانية التي تمد عشرات المؤسسات الشريكة باحتياجاتها لتقديم الطعام للنازحين مباشرة، سواء على شكل وجبات مطبوخة أو سلال غذائية. 

ولجمعية (الفجر) ثلاثة مطابخ مجتمعية ممولة من (وورلد سنترال كيتشن) وهي تقدم آلاف الوجبات يوميا، فضلا عن توزيع ستة آلاف سلة غذائية نوعية من خلال هذا المطبخ.

ويقول الأسطل إن المطابخ التي توزع الطعام على النازحين كلها تقريبا ممولة من هذه المنظمة باستثناء المطابخ التي لديها تمويل ذاتي ومن أهل الخير محليا أو خارجيا.

وتعد منظمة (وورلد سنترال كيتشن) إحدى ست مؤسسات رئيسية كبرى تعمل في مجال إغاثة النازحين بقطاع غزة سواء في الجنوب أو الشمال. ويؤكد الأسطل أن توقفها عن العمل سيعيد الفلسطينيين بالقطاع إلى مراحل الجوع الأولى التي استطاعت المؤسسات تقليصها ولو جزئيا.

يقول "الأوضاع ستكون كارثية إذ تعتمد أعداد كبيرة من النازحين على ما يقدمه هذا المطبخ في توفير احتياجاتها الغذائية، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب المؤسسات المماثلة بذات التمويل وبذات التوسع والقدرة على التنفيذ والدفع بكميات كبيرة من الطعام".

ويضيف "على مستوى جمعية الفجر، لدينا آلاف العائلات التي تتلقى الوجبات اليومية، وآلاف مماثلة تستفيد من السلال الغذائية، وقس على ذلك بقية المؤسسات العاملة في الميدان".

* تداعيات خطيرة 

ويحذر أديب شويكي، نائب رئيس مؤسسة (رحمة حول العالم)، من تداعيات سلبية واسعة على صعيد تعمق حدة الجوع والحرمان من الاحتياجات الغذائية كنتيجة حتمية في حال توقف عمل (وورلد سنترال كيتشن)، مشيرا إلى أن ذلك يمثل ضغطا هائلا على المؤسسات الإنسانية الأخرى التي لن تستطيع سد الفجوة التي سيتركها هذا الإجراء قياسا بإمكانات المطبخ الكبيرة مقارنة بقدرات بقية المؤسسات.

ويقول "التأثير كبير والعجز أكبر ولا تستطيع المؤسسات العاملة تغطيته. نحن بحاجة لزيادة أعداد المؤسسات وتوسيع مشاريعها، وليس العكس، لتلبية حاجات الفلسطينيين التي لا نهاية لها".

ويحذر الشويكي الذي يزور غزة قادما من الولايات المتحدة حيث مقر المؤسسة الرئيسي من تداعيات أخرى لا تقل خطورة عن حالة الجوع والحرمان، وتتمثل في القلق الذي سيسيطر على المؤسسات الإنسانية العاملة في القطاع من إمكانية استهدافها وتعرض طواقمها لخطر يهدد حياتهم كما حدث مع (وورلد سنترال كيتشن).

ويؤكد أن العاملين والمتطوعين الدوليين سيترددون وسيفكرون مليا قبل القدوم إلى غزة إن لم تؤمّن كل الأطراف حياتهم، موضحا أن الوفود الإنسانية والطبية تمثل محورا رئيسيا لاستدامة تقديم الخدمات للنازحين.

وبينما كان شويكي يتحدث عن حالة الصدمة التي أصابته وغيره من العاملين في القطاعات الإنسانية المتعددة من استهداف فريق عمل إنساني رغم التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، دعا الأطراف كافة إلى احترام الترتيبات والتنسيقات التي تجري لتحرك وتنقل الفرق الإغاثية العاملة على الأرض باعتبار عملها "إنسانيا بحتا".