وكالة أنباء العالم العربي - النجاح الإخباري - تذرف الفلسطينية هبة سكيك دموعها بغزارة حسرة على ما آلت إليه ظروف عائلتها، بعد توالي رحلة نزوحها الموجعة من منطقة إلى أخرى وصولا إلى أحد المساجد القليلة التي لم تتعرض للقصف في منطقة مواصي خان يونس بجنوب قطاع غزة مع عشرات العائلات الأخرى التي لم تجد مكانا يأويها سوى هذا المسجد.

تجلس الأم (33 عاما) على فراش مهترئ وإلى جانبها ابنيها الصغيرين سارة ذات الأعوام العشرة وحسن الذي يصغرها بعامين، وتتوارى ابنتها الكبرى مياسين التي أكملت عامها 14 خجلا من ارتدائها ملابس ذكورية لم تجد بدا من ارتدائها بعدما نزحت من منزلها دون أن يسمح لها الجيش الإسرائيلي بحمل أي شيء.

تواصل هبة بكاءها ومسح دموعها بيديها تارة، وبيد طفليها تارة أخرى، وهي تتحدث بكلمات متقطعة عن قصة النزوح والعذاب الذي تتجرعه في كل لحظة، وهي التي خرجت من شقتها في مدينة حمد شمال غرب خان يونس بعد أن جهزتها بكل المواد الغذائية على أمل قضاء شهر رمضان فيها حتى اضطرت للنزوح منها قسرا.

وتروي الأم تفاصيل النزوح القسري المخيف بين الدبابات والقناصة والبوابات الإلكترونية التي وضعها الجيش الإسرائيلي للتحقق من هويات الفلسطينيين والتحقيق معهم واعتقال بعضهم.

بيد أن حالة الرعب التي عاشتها هبة خلال مكوثها في شقتها قبل النزوح مع القصف وانهيار المباني حولها تبدو أقل قسوة من حياة النزوح داخل مسجد قُصفت مئذنته سابقا ولا يوجد ضمان لدى أي جهة أممية أو إنسانية في عدم تعرضه للقصف الإسرائيلي مجددا.

تبددت آمال هبة وعائلتها في قضاء رمضان في شقتها التي نزحت منها أول مرة قبل أربعة أشهر متجهة إلى دير البلح ثم رفح قبل أن تعود إليها في مطلع فبراير شباط وتسكن فيه نحو شهر، ثم تضطر قسرا إلى النزوح منها إلى المسجد في المواصي قبيل منتصف ليل الخامس من مارس أذار.

توضح الأم أنها خرجت دون أن تحمل أيا من أمتعتها أو ملابسها أو احتياجاتها التي كانت توفرها داخل شقتها التي دمرها القصف لاحقا لتجد نفسها دون أي شيء، وظلت نحو أسبوع قبل أن تحصل على بعض الملابس والأغطية القليلة من جهات الإغاثة.

وتصف هبة النزوح إلى المسجد بأنه مثل "سجن كبير تعيش فيه عشرات العائلات مع بعضها دون أي فاصل أو خصوصية حتى في الأشياء البسيطة التي تحتاجها النساء والفتيات"، مشيرة إلى أن الجميع ينام في ساحة المسجد ويستخدمون المراحيض نفسها.

وتقول هبة لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)  ومعالم الحزن والغضب تسيطر عليها "تخيل فقط أنك لا تستطيع تغيير ملابسك أو النوم براحتك أو تناول بعض الطعام والشراب القليل بمفردك. المكان تحول إلى ساحة عامة ليس لها علاقة بخصوصية العائلات والأفراد".
 
وأضافت "بعد كل هذا العذاب أقصى أمنية لنا هي خيمة نضعها على قارعة الطريق أو أمام الشاطئ، علنا نجد مكانا نبكي فيه بمفردنا أو تشعر ابنتي الكبيرة فيه بقدر من الخصوصية وتستطيع الاستلقاء دون خجل".

وتواصل الأم حديثها وحولها عشرات الأطفال الذين يلهون قبالة محراب المسجد، وتشير إلى الطابق الأول المكتظ بالنازحين الذين يعلقون ملابسهم على فاصل حديدي تتدلى منه الملابس وتسقط بعض الأشياء على أطفالها في بعض الأوقات في الطابق الأرضي للمسجد.

وتنتشر أمتعة النازحين في ساحة المسجد وجوانبه وزواياه، فضلا عن جلوس بعضهم أسفل النوافذ على فرش ومقاعد وإلى جانبهم بعض المعلبات التي يحصلون عليها كمساعدات، إضافة لأواني الطبخ والصحون والأكواب، في حين يستند بعضهم إلى أعمدة المسجد يحتضون صغارهم بين أيديهم ويمددونهم على أرجلهم.

وفي منتصف المسجد، يجلس محمد أبو صقر على مقعد من البلاستيك وإلى جانبه عصا يستند إليها حال مشيه على الأقدام، في حين يقفز حوله بعض أحفاده لابنه الذي قتل برصاص الجيش الإسرائيلي خلال محاولته نقل شقيق صديقه المصاب وأحفاده لابنته التي ترافقه مع عائلتها في رحلة النزوح منذ الأيام الأولى للحرب في قطاع غزة.

محمد (65 عاما) نزح من حي الزيتون بمدينة غزة إلى منزل زراعي يمتلكه في خان يونس، ثم إلى شقة ابنه بمدينة حمد قبل الانتقال إلى رفح، ليعود إلى شقة ابنه ثم يجبر على النزوح منها قسرا تحت القصف متجها إلى المواصي، التي لم يجد فيها مأوى سوى المسجد الذي سبقه إليه عشرات العائلات الأخرى.

يقضي الرجل أياما عصيبة يرتجف فيها أحفاده خوفا خلال الليل من شدة القصف المحيط بهم، وخشية أن يكون المسجد نفسه هو الهدف، حتى وصل الحال بحفيده الأصغر إلى التبول والتبرز خلال الليل لعدم قدرته على التماسك من حالة الرعب التي تصيبه.

يعمد محمد إلى احتضان أحفاده ونظرائهم من أبناء العائلات النازحة الأخرى، ويروي لهم بعض الحكايات المسلية أملا في إخراجهم من حالة الخوف المسيطرة عليهم بعد أيام الرعب التي عاشوها في منازلهم وخلال مشوار نزوحهم المستمر منذ أشهر.

وعلى الرغم من محاولته طمأنة الأطفال وعائلاتهم بأنهم باتوا في مكان أقل خطورة من وجودهم بمنازلهم تحت القصف، لكن الرجل يشعر بريبة وخشية كبيرة من إمكانية تعرض المسجد للقصف، خصوصا أن الجيش الإسرائيلي سبق وقصف العديد من المساجد في القطاع المنكوب.

يوضح الرجل أنهم ينتظرون على أحر من الجمر إمكانية الحصول على خيام للعائلات التي يتجاوز إجمالي أعداد أفرادها 800 فرد، وإلى حين يتحقق ذلك سيبقى الخوف مسيطرا عليهم كونهم ينزحون في مكان يمكن أن يشكل بقاؤهم فيه تهديدا لحياتهم.

ويقول محمد "لا يوجد بديل آخر لنا جميعا سوى الاستمرار داخل المسجد، لأننا ببساطة خرجنا من منازلنا بملابسنا التي نرتديها فقط، وكلما تواصلنا مع الجهات الإغاثية، لم توفر الخيام المطلوبة".

ولا تقتصر معاناة النازحين بالمسجد على حالة الخوف المسيطرة عليهم، لكنهم يحرمون من المساعدات وتوفير الطعام والمياه إلا بكميات محدودة للغاية كونهم في مكان بعيد عن مخيمات النزوح الكبيرة وفقا لمحمد، الذي وجه نداء للجهات الإغاثية بمساعدتهم، قائلا "انقذونا قبل فوات الأوان".