غزة - النجاح الإخباري - يجلس لاعب كرة القدم الفلسطيني محمود سلمي على فرشة صغيرة داخل خيمة أقامها في ساحة ملعب محمد الدرة في دير البلح بوسط قطاع غزة، مداعبا ابنته سيلين ذات الأعوام الثلاثة بينما تنشغل زوجته في تهدئة مولودتهما الجديدة سيلا التي رزقا بها خلال فترة النزوح والحرب الحالية قبل أقل من ثلاثة أشهر.

يتبادل سلمي حديثا موجعا مع زوجته حول كيفية تحول ساحة المعلب الذي شهد تدريباته والمباريات التي خاضها خلال السنوات الأخيرة إلى مكان ينزح إليه مع عائلته ووالديه وعائلات أشقائه وآلاف النازحين الآخرين، الذين أقاموا الخيام والعرش في المعلب والمدرجات وغرف الإدارة واللاعبين والمدربين لتصبح المنشأة الرياضية ملاذا آمنا من القصف الإسرائيلي.

يذكر اللاعب الفلسطيني زوجته بالمباريات التي خاضها على هذا الملعب وحقق فيها انتصارات مع أندية مختلفة، ومعالم الحزن والتأثر تسيطر عليهما، بينما تحاول الزوجة التخفيف عن زوجها قائلة إن الأمل ما زال قائما والعودة للملعب ليست مستحيلة طالما وجدت الإرادة الفلسطينية لصناعة الحياة، على حد قولها.

يشير سلمي عبر فتحة جانبية في خيمته إلى مشهد المدرجات من الجانب الغربي للملعب التي كانت تكتظ بالمشجعين قبل الحرب، بينما تتناثر فيها الخيام والقماش المهترئ الذي يفصل بين العائلات النازحة حاليا، ليقارن بين واقع النزوح الحالي ومرحلة الحياة والإنجازات الرياضية التي سبقتها.

تسيطر علامات الحسرة على وجه سلمي وبين ثنايا كلماته وتنهيداته وهو يدور بعينيه داخل خيمته ويمد نظره إلى بعض الخيام التي تظهر أمامه مباشرة، بينما يرفع جزءا من الفرشة التي يجلس عليها لتظهر أرضية المعلب العشبية، فيلتقط نفسا عميقا ويهز رأسه يمنة ويسرى حزنا على ما آلت إليه ظروف حياته وملعبه وأوضاع شعبه.

يقفز سلمي (27 عاما) من مجلسه إلى خارج خيمته لعله يستطيع التنفس بصورة أفضل قليلا في نهار رمضاني شديد الحرارة، ليصادف بعض الصغار الذي يلعبون بين الخيام بكرة قدم بلاستيكية خفيفة، فيشاركهم لعبهم وفرحتهم وهو ينقل الكرة بين قدميه مبهرا الأطفال الذين يقلدونه.

يستعيد سلمي جزءا من ابتسامته التي تخفي خلفها حزنا عميقا سواء لظروف نزوحه القاسية أو لضياع مستقبله الرياضي وتدمير كل مقومات الحياة الرياضية في قطاع غزة، بينما يطالبه الأطفال الذين يلتفون حوله بمشاركتهم لعب كرة القدم بشكل يومي حتى يتعلموا من مهاراته.

يصفق الأطفال ويطلقون الصفارات من أفواههم وهم يشاهدون مهارات سلمي الذي تنقل بين عدد من الأندية الفلسطينية في رحلة بدأت بانضمامه إلى نادي الصداقة في غزة وعمره 12 عاما، قبل أن ينضم لاحقا لأندية عربية منها شباب العقبة الأردني والأهلي المصري العملاق، على الرغم من أنه لم يخض أي مباراة رسمية مع النادي القاهري.

يعتبر سلمي، النازح من حي الشجاعية في مدينة غزة، أن الحرب الإسرائيلية عصفت بالجميع في غزة، بدءا بمن يقتلون في القصف ومرورا بمن تدمر ممتلكاتهم ومنازلهم ومصانعهم ومزارعهم، ولا تستثني الطلبة الذين حرموا مدراسهم وجامعاتهم، ولا تنتهي بمأساة النزوح التي تفوق كل تصور، على حد قوله.

وقال "نحن الرياضيون ندفع من أرواحنا ومقدراتنا ومستقبلنا وطموحنا الذي يتحطم كل يوم يمر والحرب المميتة مستمرة"، مضيفا "نبكي على الضحايا ونتألم للدمار لكننا نتوجع أيضا عندما نرى ملاعبنا ومرافقنا الرياضية إما مدمرة أو تحولت لملاجئ".

وتابع قائلا "لا يغادرني الحزن وأنا أنزح في ملعب كنت أسجل فيه الأهداف وكان اسمي يهتف به المشجعون، واليوم هو عبارة عن خيام تكتظ بعذاب الفلسطينيين وأوجاعهم، أي وجع هذا؟".

وعلى مقربة، يستمع والد وأشقاء وزوجة سلمي في تأثر إلى حديثه حول تجربة رياضي في النزوح في ذات المكان الذي شهد إنجازاته.

سلمي الذي خسر خمسة كيلوغرامات من وزنه وتوقف عن التدريب طيلة أشهر الحرب التي لا يبدو لها نهاية قريبة في الأفق، كان يأمل في تحقيق مزيد من الإنجازات الرياضية عبر الانتقال إلى ناد خارج غزة بعد أن لمع اسمه بين الأندية الفلسطينية، لكن ظروف الحرب بددت هذه الآمال خلال المرحلة الحالية على الأقل.

تتحدث زوجته إسراء (26 عاما) عن أن سلمي تعرض لانتكاسة نفسية كبيرة خلال فترة الحرب، ليس فقط لحالة الخوف من القصف والحرب والنزوح والحرمان من أبسط مقومات الحياة، شأنه شأن بقية أهالي القطاع، لكنه كذلك كان أكثر تأثرا بأوضاعه الخاصة وخسارته الكبيرة على الصعيد المهني، فضلا عن تألمه لاضطراره إلى النزوح في ملعب محمد الدرة.

وقالت "طموح زوجي كان يعانق السماء، لكنه تحطم فجأة وتحولت حياتنا إلى نازحين يبحثون عن مكان آمن وكسرة خبز، الحسرة في قلبه وقلب كل من يعرفه لا حدود لها".