نيويورك تايمز - النجاح الإخباري - تتجلى الأهداف المتباينة للرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فيما يواصل المفاوضون جهودهم  من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة يتخلله عملية تبادل للأسرى.

وتحدث كل من الرئيس بايدن ونتنياهو عن مستقبل الحرب في غزة هذا الأسبوع، متحدثين بفارق يوم واحد فقط، ولكن بعالمين منفصلين عن بعضهما بطريقة تُظهِر التوتر الأساسي بين الرجلين بعد أكثر من أربعة أشهر على القتال.

تحدث نتنياهو عن الحرب وكيف ستستمر حتى لو كان هناك هدنة مؤقتة لتأمين إطلاق سراح "الرهائن"، فيما تحدث بايدن عن السلام وكيف يمكن أن يؤدي اتفاق الهدنة إلى "تغيير الديناميكية"، مما يؤدي إلى إعادة ترتيب أوسع ينهي في نهاية المطاف الصراع الأساسي الذي حدد الشرق الأوسط لعدة أجيال.

- تباين في الأهداف

يعكس التباين والاختلاف في الرؤى الجداول السياسية المعارضة التي يعمل عليها الطرفان. يرى نتنياهو مصلحة قوية في تمديد الحرب ضد حماس لتأجيل "يوم الحساب" عندما يواجه تحمل المسؤولية عن عدم منع هجوم حماس في السابع من أكتوبر. بالمقابل، لدى بايدن حافز قوي لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن لتهدئة غضب اليسار قبيل حملة إعادة الانتخابات في الخريف عندما سيحتاج إلى أكبر دعم ممكن.

في الوقت نفسه، كل منهما يمتلك سبباً للتفكير في أنه قد يحقق صفقة أفضل إذا فقد الآخر منصبه. يدرك مستشارو بايدن جيدًا أن حكومة نتنياهو قد تسقط إزاء هجوم حماس، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المعروف باسم بيبي، قد يفضل إضاعة الوقت حتى نوفمبر المقبل في حال عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وفقًا لفرانك لوونستين، المبعوث الخاص السابق للسلام في الشرق الأوسط في عهد أوباما  "من العادل القول إن بايدن وبيبي على جداول زمنية سياسية مختلفة فيما يتعلق بحرب غزة - وأعتقد أنها جزء متزايد الأهمية في المعادلة".

 تتجلى الأهداف المتباينة هذا الأسبوع حيث يحاول المفاوضون التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن قبل بداية شهر رمضان. إذ صرح بايدن يوم الإثنين أن المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة كانت قريبة من التوصل إلى اتفاق ومن المتوقع أن تسري الهدنة بحلول نهاية هذا الأسبوع. ولكن ذلك يعتمد على قبول نتنياهو للتفاوض مع حماس.

- محادثات محتدمة

تميّزت العلاقة بين الرجلين خلال الأشهر الأربعة الماضية بالتعقيد. على الرغم من عناقهما على مدرج مطار تل أبيب، عندما كان بايدن في زيارته لإسرائيل بعد أيام قليلة من الهجوم الذي قُتل على إثره 1200 إسرائيلي، إلا أن مكالماتهما الهاتفية أصبحت أكثر حدة، حيث تشاجرا حول العملية العسكرية الإسرائيلية التي أسفرت عن استشهاد نحو 30 ألف فلسطيني في غزة.

في ديسمبر، أصبحت المحادثة محتدمة لدرجة أنهى فيها  بايدن إتصاله بنتنياهو قائلا أن الأمر انتهى، وهو ما سبق أن أورده Axios على موقعه. يقاوم بايدن فكرة التوقف بشكل أكثر انفتاحًا، مستمرًا في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وما زال يصف نفسه بأنه صهيوني، كما فعل مرة أخرى يوم الاثنين، على الرغم من شكواه من "وجود عدد كبير جدًا من الأبرياء الذين يتم قتلهم".

حاول نتنياهو أن يتحدى بايدن علنًا بشكل أكبر، ليُظهر إنه هو الشخص الوحيد القادر على مواجهة الضغوط الأمريكية من أجل صراع حل الدولتين - وبالتالي يجب أن يبقى في منصبه، مهما كانت الأخطاء التي أدت إلى السابع من أكتوبر.

ويقول ألون بينكاس، القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك: "كلما ابتعد نتنياهو عن السابع من أكتوبر، كلما قلت المسؤولية والمحاسبة التي يجب أن يتحملها. ومع مرور الوقت بعيدًا عن السابع من أكتوبر، يقترب أكثر من الخامس من نوفمبر"، في إشارة إلى  الانتخابات الأمريكية التي يمكن أن تعيد ترامب إلى السلطة.

ولا يقتصر على ذلك بل يسعى نتنياهوإلى مواجهة مباشرة مع بايدن لأن ذلك يصب في مصلحته السياسية.

أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى مدى اعتماد إسرائيل الانفرادية على الولايات المتحدة - ليس فقط للذخيرة التي تستخدمها في حربها ضد حماس ولكن لدفاعها في الساحة الدولية، حيث رفضت واشنطن قرارات مجلس الأمن الدولي المتكررة ودعمت إسرائيل في المحكمة الدولية ضد دعوات للانسحاب الأحادي من الضفة الغربية.

- تطبيع العلاقات مع السعودية

علاوة على ذلك، يقدم بايدن لنتنياهو أمرا يريده أي مسؤول إسرائيلي وهو تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، والتي ستكون تحولًا جوهريًا للدولة اليهودية بعد ثلاثة أرباع قرن بين جيرانها الأعداء وهو نوع من الإنجاز التاريخي الذي يرغب كل رئيس وزراء أن يحصل في عهده. يقول بايدن إن مثل هذا التقدم لا يمكن أن يحرزإلا إذا في حال إنهاء الحرب ووضع دولة فلسطينية على الطاولة.

وفي هذا الصدد، يبدو أن بايدن قد قدم تنازلاً معينًا لنتنياهو خلال مقابلة على برنامج "Late Night With    Seth Meyers"  يوم الاثنين، موضحًا أنه لا يصر على "حل الدولتين" فوراً وإنما البدء بعملية الوصول إلى حل الدولتين". ومع ذلك، ليس واضحًا ما إذا كان نتنياهو، الذي عارض مثل هذا الحل طوال مسيرته المهنية سيوافق على ذلك.

ويواجه بايدن تحديًا يتمثل في العملية العسكرية، حيث لا يقتصر الأمر على الرئيس مقابل رئيس الوزراء فقط. وإنما تدعم المؤسسة السياسية الإسرائيلية بكل أطيافها السياسية، الحرب على حماس. ولا يوجد أي تعاطف مع الفلسطينيين في غزة حتى بين خصوم نتنياهو السياسيين.

ومع ذلك، هناك فارق بين نتنياهو والشخصيات السياسية الأخرى فيما يتعلق بقضية "الرهائن". بينما أبدى نتنياهو موقفًا ثابتًا خلال المفاوضات لوقف الحرب من أجل تأمين إطلاق سراح بعض الأشخاص الذين أسروا في السابع من أكتوبر والذين لا يزالون محتجزين لدى حماس، فإن آخرين في الحكومة وعائلات الرهائن والمتظاهرين في الشوارع دفعوا نحو المزيد من الجهود لإطلاق سراحهم.

ويعتبر مسؤولو إدارة بايدن ذلك طريقة لفرض شرخ بين  نتنياهو وبقية حلفائه مجلس الوزراء الحربي. إما أن يقبل رئيس الوزراء صفقة هدنة مقابل "الرهائن"، وفقًا لهذا الرأي، أو سيفقد الدعم الحاسم الذي اعتمد عليه للبقاء في السلطة.

-شرخ بين بايدن وناخبيه

من جانبه، لدى نتنياهو مصلحته الخاصة في فصل بايدن عن تحالفه السياسي. "قد يستفيد بيبي من إحداث شرخ بين بايدن والمجتمع العربي الأمريكي - عن طريق عزلهم سياسيًا إذا لم يهزموا بايدن"، وفقًا لفرانك لوونستين، المبعوث الخاص السابق للسلام في الشرق الأوسط في عهد أوباما .

كان ذلك واضحًا يوم الثلاثاء في ميشيغان، حيث كان الناخبون العرب الأمريكيون وداعمو الفلسطينيين يصوتون "في حملة تسمى "غير ملتزم" في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية احتجاجًا على دعم بايدن لإسرائيل. رأى بعضهم تعبير بايدن عن التفاؤل يوم الاثنين بأن الهدنة قريبة، والذي جاء ردًا على سؤال صحفي أثناء زيارة لمتجر لبيع الآيس كريم في نيويورك، كمحاولة أخيرة لتهدئة الغضب في ميشيغان.

وفقًا لمارا رودمان، نائب المبعوث الخاص السابق للسياسة في الشرق الأوسط "إن محفز نتنياهو ببقاءه السياسي - وتجنبه العقوبات القانونية أيضًا، وأشك في أن يلعب نتنياهو دورا في إزاحة بايدن، مهما كانت هذه الخطوة في الواقع معاكسة لمصالح الشعب الإسرائيلي – والفلسطيني".

فإذا لم يتمكن من إزاحة بايدن، فقد يكون قادرًا على إلقاء اللوم عليه، وفقًا لبعض المحللين الإسرائيليين. وقد يكون الهدف المعلن لنتنياهو بتدمير حماس عسكريًا غير واقعي، وبالتالي إذا لم يفلح في تحقيق ذلك، فإن رئيس الوزراء يمكن أن يشير إلى الضغوط الأميركية كسبب لفشله.

"يتجاوز بايدن الحدود، يفقد الأصوات، يصرخ الناس بالإبادة الجماعية في كل مكان يذهب إليه"، وفقًا لميتشيل باراك، المحلل الإسرائيلي الذي عمل مساعدا لنتنياهو في التسعينيات "ونتنياهو لا يعطيه أي دعم لأن بايدن هو كبش فداء جيد لماذا لن يحقق نتنياهو الانتصار الكامل".

أضاف باراك: "نحن نحصل على مستوى غير مسبوق من الدعم من بايدن، سواء أكان ذلك على المستوى العسكري أم الأخلاقي أو حى العاطفي أو العالمي، ومن ناحيتنا، نعود به إلى الجدل البسيط، والإعلانات السياسية الداخلية واستفزاز التطرف لإثارة الناس".

أصبح فريق بايدن يشعر بالإحباط المتزايد بسبب ذلك. كان مستشارو الرئيس يأملون أن تنتهي الحرب بحلول بداية يناير حتى يتمكن الجميع بحلول الصيف من التركيز على جهود إعادة إعمار غزة وجهود صنع السلام التي تؤدي إلى الحكم الذاتي الفلسطيني.

كانت النظرية تقول أن الناخبين اليساريين والعرب الأمريكيين الغاضبين من بايدن، خاصةً في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، قد تهدأ إلى حد ما، على الرغم من التردد، لصالح بايدن وذلك  في الوقت المناسب لهزيمة  ترامب.

لكن لم يحدث ذلك حتى الآن، حيث انقضى شهر يناير وفبراير، وما زال التوقيت ينساب ببطء. في حين تتجه الجداول الزمنية لكل من بايدن ونتنياهو نحو احتمال التصادم.

ترجمة خاصة عن نيويورك تايمز