النجاح الإخباري - أكثر من أربعة أشهر مرّت منذ بدء الحرب في قطاع غزة الفلسطيني كانت كافية لنزع الكتب المدرسيّة والدفاتر والأقلام من أيدي أطفال القطاع، والتي حلّت محلها أوعية طهي يبحث الطلبة عن ملئها بأي طعام يسد جوعهم؛ كما أفرغت حقائبهم المدرسية، ليلملموا بداخلها ما تبقّى من وثائق شخصيّة وملابس نجوا بها من القصف.

سلبت الحرب أحلام وآمال ما يزيد على 600 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة، وأوقفت عامهم الدراسي بعد شهر فقط من بدايته في الأراضي الفلسطينية؛ فمدارس القطاع وباحاتها، إما تحوّلت إلى مأوى لمئات الآلاف من النازحين أو إلى رُكام.

لكن وسط هذه الصورة القاتمة، انطلقت من الأردن مبادرة أعادت الأمل بإكمال العام الدراسي وتعويض ما فات الطلبة من دروس خلال الفصل الدراسي الأول، عبر تحويل المناهج التعليمية إلى كتب رقميّة ودروس مصوّرة، تُساعد الطلبة والمعلمين في القطاع على مواصلة دراستهم خارج المدارس.

وستُوزّع مهام تنفيذ هذه المبادرة على طرفين، هما شركة (جو أكاديمي) والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية.

وتتركز مهام الشركة، بحسب رئيسها التنفيذي علاء جرار، على رقمنة المناهج الدراسية الفلسطينية الأساسية، التي تشمل الرياضيات والعلوم واللغتين العربية والإنجليزية، وتحويلها إلى دروس مرئية عبر مجموعة من المدرّسين المختصين العاملين لدى الشركة.

* مبادرة إعادة الأمل 

وقال جرار في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن الدروس المسجلة على أجهزة كمبيوتر لوحية ستشمل المراحل التعليمية كافة، من الصف الأول الابتدائي حتى التوجيهي (المرحلة الثانوية)، بالإضافة إلى أنها تشمل اختبارات شهرية وفصليّة، مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس التي فاتت الطلبة في الفصل الدراسي الأول.

وأوضح جرار أن الشركة ستعمل على رقمنة نحو 70 مبحثا (منهجا) دراسيا، تُقسّم على المراحل الدراسية المختلفة "بحيث تخصص أربعة مناهج أساسية للطلبة من الصف الأول حتى الثامن وستّة للصفوف العليا، في حين سيتم رقمنة عشرة مناهج دراسية لطلبة التوجيهي".

وأشار إلى أن الهدف هو إبقاء العملية التعليمية حاضرة لدى الطلبة، على الرغم من أن السلطات في القطاع أعلنت وقف العام الدراسي.

وقال إن الشركة استفادت من الخبرة التي اكتسبتها المنظومة التعليمية في الأردن خلال جائحة كورونا، معربا عن أمله في تسلّم الأجهزة اللوحية بأسرع وقت من الهيئة الخيرية الهاشمية.

وأشار إلى أن الشركة "تعمل حاليا على تأمين هذه الأجهزة عبر الجهات الممولة والداعمة".
 
* معلمون متطوعون ومتضامنون

"لم يكن بإمكاننا أن نقدّم سوى معرفتنا وعلمنا لأهلنا في غزة".. بهذه الكلمات وصفَت المعلمة سارة أحمد قرارها وزملائها بالتطوع لشرح الدروس والمناهج الدراسية الفلسطينية لطلبة القطاع، معتبرة أن ما يقومون به أقل ما يمكن تقديمه للطلبة هناك.

وقالت معلمة اللغة العربية سارة أحمد إنها لم تتردد في التطوّع عندما طرحت الشركة فكرة المبادرة لمعرفتها "حب الغزيين للعلم والتعلُّم ومشاهدتها الأطفال هناك وهم يتمسّكون بما بقّي من كتبهم ودفاترهم" بعد القصف الإسرائيلي المتواصل على بيوتهم ومدارسهم، حسب وصفها.

وأوضحت المعلّمة في حديثها لوكالة أنباء العالم العربي أنها تعمل على تسجيل المناهج الدراسية وتصويرها لطلبة الصفوف من الأول حتى الصف الثامن، بالإضافة إلى وضع مجموعة من الاختبارات التي من شأنها مساعدة الطلبة على استرجاع الدروس السابقة التي فاتتهم نتيجة لتوقف العام الدراسي هناك.

وأعربت عن سعادتها بما تقوم به قائلة "يكفي أنّي سأكون جزءا حتى، وإن كان بسيطا، في سعي الأردن للتخفيف من معاناة الفلسطينيين في غزة"، وللمساهمة في إعادة الطلبة إلى أجواء الدراسة حتى لو لم تعد مدارسهم مؤهلة لاحتضانهم داخل صفوفها.

وذكرت المُعلّمة سارة أحمد أن جميع الدروس المصوّرة والمسموعة والاختبارات المكتوبة ستكون متاحة للطلبة من دون الحاجة لاتصال الأجهزة اللوحية بالإنترنت، الأمر الذي يُسهّل عليهم تلقي الدروس ومراجعة الدروس السابقة دون عوائق إلكترونية أو فنيّة.
 
* المستفيدون من المبادرة

وبحسب وزارة التربية والتعليم، فقد بلغ عدد طلبة قطاع غزة مع بداية العام الدراسي الحالي 2023–2024 نحو 625 ألف طالب وطالبة، 305 آلاف منهم يدرسون في 448 مدرسة حكومية، ونحو 300 ألف يدرسون داخل 228 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ومن بين هؤلاء، هناك أيضا أكثر من 20 ألفا يدرسون في 67 مدرسة خاصة، يعمل على تدريسهم أكثر من 22 ألف معلم ومعلمة.

ووفقا لتقارير صحفية، فقد أودت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة بحياة ما يزيد على أربعة آلاف طالب وطالبة ومئات المعلمين والمعلمات في المدارس الحكومية أو مدارس الأونروا.
 
في المقابل، تتلخص مهمة الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية في توفير التمويل اللازم لتأمين الأجهزة اللوحية المخصصة لتحميل الدروس والمناهج، ومن ثم إيصالها ضمن شحنات المساعدات للطلبة في قطاع غزة.

وتعمل الهيئة حاليا على التواصل مع عدد من الجهات داخل الأردن وخارجه لجمع التمويل الكافي لشراء الأجهزة اللوحية.

وأوضح أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي أن تلك الأجهزة اللوحية سيتم تسليمها للطلبة عن طريق الجمعيات الخيرية التي تتعاون معها الهيئة أو وكالة الأونروا، التي ستقوم بدورها بتوزيع الأجهزة على الطلبة حسب مراحلهم الدراسية المختلفة.
 
وقال الشبلي إن المبادرة تهدف في مرحلتها الأولى إلى تأمين أكثر من 200 ألف طالب وطالبة بمحتوى المادة الإلكترونية التعليمية في المواد كافة "وهذا سيسّهل استمرارية العملية التعليمية داخل قطاع غزة في مختلف الظروف".

ويرى أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية أن أهمية هذه المبادرة تنطلق بشكل خاص من واقع أن الإحصاءات الفلسطينية تشير إلى أن نسبة المتعلمين في قطاع غزة تزيد على 96 في المئة "وهو مؤشر على أهمية التعليم بالنسبة لأهلنا في القطاع".