غزة - النجاح الإخباري - ها هو فارسٌ آخر يترجلُ عن صهوة حصانه، لتودع الجموع في غزة المكلومة اليوم الأحد الموافق 25 شباط 2024 فقيدها الفنان فتحي غبن بعد أن حرمه الاحتلال كما غيره من العلاج في الخارج، حيث كان يعاني من مشاكل حادة في الصدر والرئتين، وتفاقمت حالته الصحية يوماً تلو الآخر في ظل انهيار المنظومة الطبية في مستشفيات قطاع غزة ونقص المعدات والأدوية والأكسجين للمرضى.

"مخنوق بدي أتنفس" آخر كلمات المناشدة التي أرسلها غبن لعالمٍ يملؤه الصم البكم عما يحصل في غزة، هو الذي لم يشفَ بعد من وجع فقدان ابنه وحفيده بفعل آلة الحرب الإسرائيلية التي دمرت بيته وأحلامه وأعماله ولوحاته الفنية، وجعلته غير قادرٍ على تحمل قساوة ومآلات الحرب المستمرة على غزة.

الفنان الراحل فتحي غبن ... من رواد الحركة التشكيلية الفلسطينية بعد النكبة 

يعتبر غبن واحدًا من روّاد الحركة التشكيليّة الفلسطينيّة بعد النكبة، وجسّدت أعماله الفنيّة مظاهر الحياة الفلسطينيّة، ومشاهد اللّجوء والمخيّم وتقاليد الحياة فيه، كما خلّد حياة القرية الفلسطينيّة التي أرادت النكبة أن تمحوَها، معبّرًا عن معاناة شعبه تحت الاحتلال.


  
ولد فتحي غبن في قرية هربيا شمال قطاع غزة عام 1947، وحملته أمه خلال النكبة، ونزحت قهرا إلى غزة، حيث عاش حياته في مخيم جباليا، احترف الفن مبكرا، ونذر حياته له.

في العام 1984 اعتقلته قوات الاحتلال وصادرت سبعة من أعماله الفنية، وحكمت عليه بالسجن لمدة ستة أشهر.

وفي حديث سابقٍ له يروي غبن جزءً من مسيرته الشاقة قائلاً "ظروف الحياة القاسية أدت بي إلى الإنقطاع عن التعليم الرسمي عند الصف السادس الإبتدائي، وهو ذات العام الذي دخلت في سوق العمل، يتوقع الجميع من الأطفال الفلسطينيين أن يتصرفوا كالرجال وأن يعيلو أسرهم، في ذلك الوقت بدأت بممارسة هوايتي في الرسم، في عمر التاسعة عشرة تزوجت، وسرعان ما صرت أباً لثمانية أطفال"

وعمل غبن مستشارا في وزارة الثقافة، ومنحه الرئيس محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون (مستوى الإبداع) في عام 2015، وحاز العديد من الأوسمة الدولية خلال مسيرته الفنية الغنية بالعطاء.

وزير الثقافة الفلسطيني: عاش فتحي حياته في خيمة ومات في خيمة

واعتبرت وزارة الثقافة الفلسطينية رحيل الفنان غبن خسارة للفن الفلسطيني الذي شهد على يده انتقالات هامة تجاه تجسيد الحياة الفلسطينية واللجوء الفلسطيني والمخيم وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنه.

وقال وزير الثقافة د. عاطف أبو سيف في رحيله " إن غبن الذي يعتبر من الرواد في الفن التشكيلي الفلسطيني بعد النكبة عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها ورسمها بدقة متناهية وخلّد حياة القرية الفلسطينية التي أرادت النكبة أن تمحوها، مستذكراً قريته هربيا التي ولد فيها فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد ورسم البيوت والوجوه والطرقات. كانت فلسطين دائماً حاضرة بكل تفاصيلها في أعمال غبن الذي حمل معه حياة القرية الفلسطينية والمخيم واللجوء إلى العالم عبر ريشته البارعة"

وأردف أبو سيف قائلاً " فتحي الذي عاش سنته الأولى بعد أن تنفس الحياة في خيمة على رمال شمال غزة في مخيم جباليا قُدّر له أن يرحل بسبب منع الاحتلال لسفره إلى مصر. عاش فتحي حياته في خيمة ومات في خيمة. إن الخيمة ليست قدر الفلسطيني لكنها تعني أن الاحتلال أيضاً سيزول مثلما ستزول الخيمة".  

استهداف إسرائيلي متعمد للمثقفين ... وللمورث الحضاري الفلسطيني

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، تعمدت دولة الاحتلال الاستهداف الشامل لكافة مقومات الحياة الثقافية والحضارية في قطاع غزة، من قتل المبدعين والمثقفين، وقصف المباني والمنشآت الثقافية، والمدارس والجامعات والمساجد، والمراكز التعليمية، ووفقاً لوزارة الثقافة الفلسطينية فقد استشهد نحو 44 كاتبا وفنانا وناشطا في حقل الثقافة خلال الأشهر الأربعة الأولى للحرب بجانب تضرر 32 مؤسسة ومركزا ومسرحا إما بشكل جزئي أو كامل.

وشملت الأضرار أيضا تضرر 12 متحفا، وتضرر 2100 ثوب قديم وقطع تطريز من المقتنيات الموجودة في المتاحف أو ضمن المجموعات الشخصية، وتضررت 9 مكتبات عامة و8 دور نشر ومطابع.

وأشارت الوزارة إلى الخسارة الكبرى التي مني بها قطاع الفن التشكيلي الفلسطيني في قطاع غزة نتيجة هدم مراسم الفنانات والفنانين سواء تلك الموجودة في بيوتهم أو الموجودة بشكل منفصل، حيث لم يعد لديهم أي لوحة من لوحاتهم بجانب هلاك الأعمال الفنية من منحوتات ولوحات وآلات موسيقية التي كانت تقتنيها المؤسسات والجامعات والمراكز.