نابلس - النجاح الإخباري - منذ عام 2006، تستخدم حركة حماس أنفاقاً تحت الأرض في قطاع غزة كوسيلة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وللاختباء، والتنقل بعيداً عن الأعين بين المنازل في غزة.

كما تمكنت حماس من استخدام هذه الأنفاق لنقل الأسلحة والمقاتلين والرهائن والمواد الغذائية والمياه والوقود بين مواقع مختلفة في القطاع، وكذلك للتسلل إلى الأراضي المحتلة وشن هجمات مفاجئة. وتم بناء بعض الأنفاق الأكثر تطوراً بالخرسانة المسلحة، وتزويدها بخطوط الكهرباء والاتصالات، كما أنها مرتفعة بما يكفي ليقف بداخلها رجل متوسط الطول.

ووفقا لتقديرات بعض الخبراء، تمتد شبكة الأنفاق لمئات الكيلومترات في عمق قطاع غزة، وتضم 1300 نفق يصل عمق بعضها إلى 70 مترا تحت الأرض.

ويواجه الاحتلال تحديا كبيرا في محاولة تدمير هذه الأنفاق، التي تعتبر بمثابة "مترو غزة"، والتي تزيد من تعقيد القتال في منطقة مأهولة بالسكان.

وفي ظل تصاعد التوترات بين "إسرائيل" وحماس في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن خطة إسرائيلية لإغراق أنفاق الحركة بمياه البحر المتوسط.مدعية أنها تشكل تهديداً أمنياً لها.وبهدف منع استخدام الأنفاق كوسيلة للهجوم أو الهروب من العدوان الإسرائيلي.

وقال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، إن "إغراق الأنفاق بالمياه فكرة جيدة" مضيفاً:"إننا نرى الكثير من البنية التحتية تحت الأرض في غزة، وكنا نعلم أنه سيكون هناك الكثير. جزء من الهدف هو تدمير هذه البنية التحتية".

وأوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الجيش الإسرائيلي انتهى منتصف شهر نوفمبر الماضي، تقريباً من تجميع مضخات كبيرة لمياه البحر على مسافة ميل تقريباً (نحو 1.6 كلم) شمال مخيم الشاطئ للاجئين، مشيرة إلى أنه "يمكن لكل مضخة من بين 5 مضخات جمعتها إسرائيل على الأقل سحب المياه من البحر المتوسط، ونقل آلاف الأمتار المكعبة من المياه كل ساعة إلى الأنفاق الممتدة لنحو 300 ميل (نحو 483 كلم)، ومن ثم إغراقها في غضون أسابيع".

وقال مسؤولون أميركيون إنهم لا يعرفون مدى اقتراب الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ الخطة، مشيرين إلى أن إسرائيل لم تتخذ قراراً نهائياً بشأن المضي قدماً في هذه الخطة أو إلغائها

ووفق تقرير "وول ستريت جورنال"، فقد تباينت ردود الأفعال الأميركية حيال هذه الخطة، إذ أعرب بعض المسؤولين الأميركيين في جلسات خاصة عن قلقهم بشأنها، فيما قال آخرون إن الولايات المتحدة تدعم تعطيل الأنفاق وإنه ليس هناك بالضرورة أي معارضة أميركية للخطة.

انتقادرات واستنكارات

وتواجه هذه الخطة انتقادات واستنكارات من الجانب الفلسطيني والدولي، الذين يرون فيها انتهاكاً للقانون الدولي والحقوق الإنسانية. كما تثير هذه الخطة أيضاً مخاوف بشأن الآثار المحتملة على الوضع الإنساني والبيئي في غزة، الذي يعاني بالفعل من أزمة إنسانية وبيئية خانقة.

حيث حذر وزير الأشغال العامة والإسكان د. محمد زيارة من المخاطر المترتبة على مخطط الاحتلال الإسرائيلي بغمر الأنفاق في قطاع غزة عبر ضخ مياه البحر فيها، مؤكدا أن الاحتلال بهذا المخطط يضيف أداة قتل جديدة في حربه على القطاع.

وأوضح وزير الأشغال في بيان صحفي صادر عن الوزارة أن الطبيعة الرملية لتربة القطاع تجعلها عرضة للعديد من المخاطر في حال ضخ مياه البحر في الأنفاق، حيث أن هذا المخطط سيؤدي إلى انهيار البنية التحتية في المناطق المستهدفة، وخاصة انهيار المباني السكنية نتيجة لانهيار الأنفاق والتربة المحيطة بها.

كما حذر من مخاطر أخرى تتعلق بتلوث المياه الجوفية نتيجة لاختلاطها بمياه البحر والمياه العادمة بسبب انهيار خطوط الصرف الصحي المتوقع، مما يزيد من مخاطر تلوث المياه وتأثيرها على الصحة العامة.مشيراً إلى أن هذه الخطوة قد تسفر عن آثار سلبية تؤثر على التنوع الحيوي وتلوث البيئة في القطاع، مما يعزز تفاقم الأزمة الإنسانية المتزايدة في قطاع غزة.

الضخ الجائر

أوضح خبير المياه والبيئة، أ.د.سائد الخياط  أن الآبار الجوفية والحوض الجوفي الساحلي يعاني من تسرب المياه المالحة إلى الحوض الجوفي لأن آبار غزةتعتبر ضحلة وكثرة الضخ من هذه الآبار تخلق نوعاً من التفاوت في الضغط المائي ما بين المياه العذبة والمياه المالحة.

وأشار إلى أن"غزة تعاني منذ سنوات من الضخ الجائر حتى تكفي الاحتياجات السكانية، وهذا الضخ الجائر يؤدي إلى تسرب المياه المالحة من البحر ورفع نسبة الملوحة التي يشعر بها كل من يشرب من المياه الجوفية في غزة."

زيادة ملوحة التربة والمياه الجوفية

وتابع قائلاً:"عملية إغراق الأنفاق بالمياه المالحة ستؤدي إلى تزويد المنطقة بأكملها بكميات ضخمة من المياه المالحة التي ستغطي مساحات شاسعة وبالتالي تصبح المشكلة بدلاً من تسرب المياه من الغرب من مياه البحر سيصبح الموضوع مطبقاً على الأرض بشكل مباشر، وستدخل هذه المياه من خلال الطبقات الرملية وتسير بشكل سريع بحيث تزيد من ملوحة المياه الجوفية وتلقائياً ستجعلها غير صالحة للشرب لفترة طويلة."

وأضاف الخياط:"عملية تطبيق المياه المالحة ومياه البحر على مناطق شاسعة تحت جوفية ستسمح للمياه المالحة بالتسرب أفقياً حتى تمتد لمساحات شاسعة  داخل التربة والذي سيسبب ملوحة في التربة بشكل يجعلها غير صالحة للزراعة، متآكلة ومتهالكة.ولا تستطيع دعم أي نوع من انواع الزراعة خاصة إذا حصل تبخر للمناطق شبه السطحية ما سيؤدي إلى زيادة ملوحة التربة وجعلها غير صالحة للزراعة.

انعدام الأمن الغذائي

ولفت إلى ان"القطاع سيعاني لسنوات من انعدام الأمن الغذائي والمالي بشكل يؤثر سلباً على اقتصاد القطاع فلا يمكن التصدير منه لاي منتجات زراعية وبالعكس سيتم استيراد هذه المنتجات، إضافة إلى ضرورة ضخكميات مياه عذبة او دفع ملايين الدولارات من اجل إعادة معالجة المياه الموجودة في الآبار أو إيجاد حلول أخرى بتحلية مياه البحر من أجل توفير مياه الشرب للمواطنين او للزراعة."

وبيّن خبير المياه والبيئة د. سائد الخياط أن زيادة ملوحة التربة سيؤدي إلى تفككها لأنها تربة رملية وتصلح لأنواع معينة من الزراعات، كما أنها سترفع ملوحة التربة بشكل يجعلها لا تدعم حتى انواع المحاصيل التي من الممكن أن تتحمل ملوحة مثل الفلفل وبعض انواع البندورة البلحية وغيرها وسيجعلها غير صالحة لاستخدامها أيضاً.

حلول على المدى البعيد

واوضح إلى أن "هناك بعض الحلول على المدى البعيد باستخدلم عمليات الانقاذ للمياه الجوفية من خلال عملية الغسل ولكنها ستكون مكلفة فغالباً ستتم عملية الغسل باستخدام مياه معالجة من الدرجة الثانية او الثالثة وفوق حتى نستطيع من خلالها غسل بعض عناصر الملوحة التي ألقت في التربة ونغير من تركيبة التبادل الأيوني والكاتيوني لحبيبات التربة بحيث يتم استرجاع بعض العناصر والصفات التي من الممكن ان تدعم العمليات الزراعية، إضافة إلى إنشاء محطات تحلية للمياه العادمة بتكلفة عالية جداً، مشيراً إلى ان هناك عدة مشاريع ستقوم فيها سلطة المياه الفلسطينية وحالياً قيد التنفيذ.

وتابع:"هذه العملية ستعمق مشكلة ملوحة المياه ومشكلة الحصول على مياه عذبة من عملية التناضح العكسي التي من الممكن ان تتم بفلترة هذه المياه المالحة وتحويلها إلى مياه عذبة والتي ستحتاج إلى طاقة عالية وهذه الطاقة من الممكن ان تكلف المناطق الفلسطينية مبالغ مالية طائلة".لافتاً إلى أن السناريوهات ما زالت غير واضحة ومن الممكن استخدام بعض كميات الغاز الموجودة ضمن المياه الإقليمية لمنطقة غزة لعمليات التحلية.

تأثيرات بيئية

أكد أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة النجاح الوطنية،أحمد رأفت أنخطة إسرائيل التي تنوي تنفيذها بإغراق أنفاق غزة بمياه البحر المتوسط ستؤدي إلى زيادة عالية في ملوحة التربة بشكل كبير وقد يؤدي إلى حدوث انهيارات أرضية في المنطقة بسبب طبيعة الأرض الساحيلة الرملية والتي ستؤثر على عمليات البناء مستقبلاً، إضافة إلى تأثير على أشكال الأرض السطحية فستصبح بعض المناطق منهارة واخرى مرتفعة وبالتالي هذا يؤثر على عمليات الانشاءات المستقبلية وبالذات شق الطرق.

وأوضح أن عملية ضخ كميات كبيرة من المياه سيؤدي إلى تسربها بين طبقات الصخور وبالتالي سيؤدي إلى إذابة الأملاح الصخرية وخلق فجوات بين الطبقات وهو ما سيؤدي لحدوث انهيارات تؤثرعلى العمليات الانشائية وشق الطرق.

وتابع:"ملوحة التربة ستؤثر على الزراعة وتصبح التربة غير صالحة للزراعة بتاتاً وإمكانية غسلها مستحيلة لأن عملية غسل التربة في منطقة سهلية صعبة جداً وقد تأخذ عشرات السنين. وبالتالي دمار شامل للقطاع الزراعي وشبكات الطرق."

زلزال بأيدٍ بشرية

قال الخبير العسكري اللواء محمد المصري، إن "خطة إسرائيل باستخدام المياه في عملية إغراق أنفاق غزة إذا حصلت فستكون عبارة عن زلزال بأيدي بشرية".

وتابع قائلاً:" بالرغم  من ذلك هذا غير منطقي وغير فاعل، قد يكون فاعلاً إذا تم استخدامه ضد نفق معين بعيد عن المناطق الأخرى، لكن نحن نتحدث عن أنفاق بمدينة داخل مدينة وقد تكون تحت مدينتين وهو ما قد يعرض قطاع غزة بأكمله إلى النزول تحت الأرض".

خطوة "جهنمية"

ووصف المصري هذه الخطوة بـ"الجهنمية" و"الخيال العلمي" او حتى "الفانتازيا السياسية"، لتخويف الفلسطينيين، أو من اجل إعطاء فرصة للولايات المتحدة الأميركية لتقول إن دولة الاحتلال كانت تريد أن تفعل ذلك وإدراة بايدن ضغطت عليها وتراجعت".

وأضاف :"الأنفاق قد تكون تحت بعض مستوطناتهم في محيط غلاف غزة وهذا شيء غير واقعي ولا اعتقد انه سيحدث ولكن في إطار الحرب النفسية قد يتم الحديث عنه كثيراً وقد يستخدمون ذلك في بعض الأنفاق في اطراف الحدود الـ67 ".

وأوضح المصري أن الأنفاق الموجودة تشغل على ما يبدو الصحف الغربية ومبنى الاستخبارات البريطانية والفرنسية والأميركية والألمانية ودولة الاحتلال جميعهم يشتغلون على أنفاق فهي اليوم ذخر استراتيجي للمقاتل الفلسطيني الموجود، لكن هذه الأنفاق أيضاً جزء من عملية دفاعية وهجومية لكن أعماقهما وتموضعها ومكانها باعتقالد أنه حتى كل الطائرات ومسيرات الدول الغربية التي تشارك في العدوان على فلسطين لم تكتشفها بعد".

انفاق مغلفة بالباطون

أكد مدير مركز تخطيط المدن، جلال الدبيك أن تاثير إغراق الأنفاق بالمياه على المباني محدود، وهذا يعتمد على مدى قرب النفق من سطح الأرض، وعدم وجود غلاف باطوني يؤثر على المبنى اما إذا كان عميق تحت 30 أو25 متر ومغلف بالباطون فلا يؤثر على المبنى. إلا إذا كان موجوداً تحت مبنى ولا يغلفه جسم باطون وهذا يعد امراً مستحيلاً لأنه في هذه الحالة سيهبط باعتباره من الرمل.

وتساءل الدبيك لو كان يؤثر على المباني فكيف يعملون أنفاق المترو بالعالم هذه الأنفاق لا تؤثر لانهم يعملون تحت ما يسمى "ضغط سيغما صفر".

واضاف:" عندما تصل المياه إلى باطن الأرض فإنها تغير خصائص التربة وهذا يعتمد إلى اي مدى يصل عمق النفق ونوع التربة المحيطة به إذا كانت التربة طينية أو رملية مباشرة، لافتاً إلى أنها تؤثر بشكل كبير بيئياً من حيث المياه الجوفية وتلوث المياه.

مدن تحت الأرض

وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، قد كشفت عن تقديرات تشير بأن شبكة أنفاق حماس أكبر من شبكة قطارات أنفاق لندن، وهو ما مكن كبار قادة حماس ومقاتليها من الاحتماء خلال نحو 8 أسابيع تقريبا من الحرب.

ورأت الصحيفة، أن تدمير أنفاق حماس في قطاع غزة هو الجانب الأصعب في مهمة الجيش الإسرائيلي خلال الحرب التي بدأت منذ 7 أكتوبر الماضي.

وبحسب "فايننشال تايمز"، فإن أنفاق حماس محصنة ضد طائرات الاستطلاع بدون طيار والعديد من القدرات الإسرائيلية الأخرى بما في ذلك الضربات الجوية، ويعتقد أن حماس تحتفظ فيه بترسانتها الصاروخية، إضافة إلى أكثر من 130 محتجزاً لدى الحركة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني إسرائيلي سابق إن كلمة "أنفاق" لا تعبر عن ما أنشأته حماس تحت قطاع غزة، واصفاً إياها بـ "مدن تحت الأرض".

خيارات إسرائيل لتدمير الأنفاق

وبينما لم يوضح الجيش الإسرائيلي خططه لتدميرأنفاق غزة بشكل كامل، استعرضت "فايننشال تايمز" سبل تدمير الأنفاق قائلة: بعد تحديد الموقع، سواء بأجهزة الرادار أو الاستشعار الصوتي، ثمة تكتيك يُعرف باسم "الشعر الأرجواني"، يتضمن إلقاء قنبلة دخان في مدخل النفق وإغلاقه لمعرفة ما إذا كان الدخان سيظهر في مكان آخر.

وقال يهودا كفير، وهو مهندس مدني إسرائيلي ونقيب احتياطي في جيش الاحتلال، إن ثمة طريقة أخرى، هي استخدام المتفجرات السائلة التي تملأ مساحة النفق ثم تنفجر.

وأضاف أن الاحتمال الآخر هو الأسلحة الحرارية، التي تمتص الأكسجين لتوليد انفجار عالي الحرارة، لكن هذه الطريقة مثيرة للجدل بسبب التأثير الأوسع للانفجارات، خاصة في المناطق المأهولة بالسكان.

ويشكل ضخ مياه البحر من البحر الأبيض المتوسط تحت ضغط مرتفع خيارا آخر، حيث أفادت تقارير بأن إسرائيل بدأت بالفعل في استخدامه.

والاحتمال الأخير، الذي من شأنه أن يشكل خطرا أقل على المحتجزين الإسرائيليين من الفيضانات أو الانفجارات، هو أن يقوم الجيش الإسرائيليانت بحفر أنفاق تعترض شبكة حماس وتقتحم نقاط سيطرتها.

واعتبرت الصحيفة أن هذه الأساليب الشبيهة بـ"الخيال العلمي" تسلط الضوء على الصعوبات والوقت اللازم لتدمير ما وصفته بـ"عالم حماس السري".