منال الزعبي - النجاح الإخباري - في قطاع غزة الذي حوله الاحتلال الإسرائيلي إلى مسرح للموت والدمار، حيث نرى ونسمع ما تقشعر له الأبدان، نستنهضُ قصصًا محشوّة بالغصات لتبقى شواهد تدلنا على أهلها في غزة العصية على الموت.

صواريخ وقذائف دكّت المنازل على رؤوس ساكنيها منذ السابع من أكتوبر الماضي، لم تستثنِ شمالًا ولا جنوب، محولة منازل الأحلام إلى ركام، وتحت كل حجر شاهد وشهيد، يروي سِيَرَ الخالدين الذين أسسوا للنصر راية.

عائلة حلاسة في مدينة غزة إحدى العائلات التي دفعت ثمنًا غاليًا في الحرب من رصيد المدنيين، 15 أكتوبر الماضي أعلن نهاية 12 فردًا من عائلة حلاسة، لكل منهم قصة وحكايات.

فهذه بيسان حلاسة ابنة غزة التي عشقت أرضها وترابها، وإنّك تقرأ في ملامح الآخرين قلوبهم، تنظر إلى بيسان فتدلك تلك الملامح على براءة وذكاء وشعلة طموح تتقد في الأعماق، كانت استثنائية في جميع المجالات. ذكية، طموحة، أتقنت اللغة الإنجليزية، وحصلت على معدل 98.7 في المدرسة الثانوية، أهلها لدراسة الطب، تقف على ناصية الحلم طالبة طب في سنتها الثانية في جامعة الأزهر بغزة، تحلم بأن تصبح طبيبة متخصصة في علم الغدد الصماء.

بيسان التي تعيش حياة هادئة هانئة مع والديها حسن ولينا، وأختها مرح وأخيها الصغير عمر، صاروخ ظالم أعمى بدد الهدوء وزرع خوفًا لن تسامح بيسان فاعليه، وهي التي تكره الخوف:

وراحت بيسان مع عائلتها في حرب نغصت عيشها منذ يومها الأول، كانت تعي تمامًا أحداث غزة وتحصي شهداءها، تتفاعل معها فرغم صغر سنها (19 عامًا) كان لها رأي وفكر، تقرأ الأحداث وتفسرها، ذات ليلةٍ اشتد قصفها كتبت:

"إنه ليس "صراعًا" إذا كان لدى طرف واحد أسلحة والآخر يصلي"

ابنة عمّها الطبيبة شيرين حلاسة والتي كتبت عن استشهاد 12 فردًا من أسرتها من بينها أسرة عمّها حسن الذي فقد زوجته لينا وابنتيه بيسان ومرح حديثة التخرج من الجامعة، وابنه الصغير عمر.

قالت شرين: "بيسان، أول أيام الحرب سألت أبوها  بابا لو استشهدنا كلنا بيدفنونا كلنا مع بعض بقبر واحد؟ أبوها حكالها لا النسوان لحال والرجال لحال، صارت بيسان تعيط تحكيلو يا بابا حتحطوني لحالي بالقبر؟!

وتروي إحدى صديقاتها: "أخبرتني في إحدى محادثاتنا أنها أكثر شخص موهوب في إضاعة الوقت، لكنها سرعان ما تغلبت عليه بالتخطيط والتنظيم. كان لديها شغف عميق بعلم الغدد الصماء، كانت تقول: "أحب أن أفهم كيف يعمل الجسم وكيف يتأثر بالهرمونات".

وأكملت: "خففت من توترها بالطهي، كانت تحب الخيول وتحب قراءة الكتب. كانت تقرأ الروايات وتشاركني اقتباسات منها. كانت تحب بحر غزة جدا، وتقول: "أشعر بالسلام والهدوء عندما أنظر إلى الموج"، كانت تكره الصور اعتقادًا منها أنها تبدو شاحبة  لكنها كانت جميلة ولطيفة وقريبة من القلب".

أما عن أخيها الصغير عمر الذي كان لا يفارقها، أحبته حد التعلق فعاشا معًا ورحلا معًا، كتبت:

وعن غزة التي كانت تحب رملها وبحرها وتنتمي لكل شبر فيها قالت:

وانتقدت بيسان قتل الاحتلال لأطفال غزة كرسالة قبل الموت: "يستهدف الاحتلال دائما الأطفال. لا أدري إن كان هناك كلمات قادرة على وصف القهر والألم بداخلي للأطفال الذين ارتقوا نتيجة القصف الوحشي الذي نفذته دولة سادية متعطشة للدماء مثل إسرائيل. 

وقد لخّصت المشهد وكأنها تعلل الرحيل، بقولها: "كل حدث هنا مؤلم. أيامنا ما هي إلا كوابيس، لا حياة على هذه الأرض".

بيسان قتلتها صاروخ إسرائيلي أصمتها وأنهى حياتها وأطفأ أحلامها، في بلد يتحول فيه الشاهد إلى ضحية.

هذه مقتطفات من صفحة بيسان الباقية من أثرها، تأملوها، فإن خسارتنا بهذا الفقد عظيمة: