سائد نجم - النجاح الإخباري - تشتعل الساحة المقدسية في الأيام الأخيرة وسط حالة من الالتفاف الجماهيري، بلغت ذروتها يوم الجمعة الأخير باستشهاد ثلاثة شبان في القدس و"عملية حلميش" التي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وجرح آخرين فيما أصيب المنفذ، والرفض الفلسطيني النوعي لسياسة حكومة الاحتلال التي اتخذت عملية الشبان الثلاثة في محيط المسجد الأقصى في الرابع عشر من هذا الشهر ذريعةً لاستكمال عمليات التهويد والسيطرة على المسجد، والتي بدأت بمنع الأذان والإغلاق ثم بتركيب البوابات الإلكترونية، وصولاً إلى تشييد ما يشبه الجسور والأبراج الصغيرة المزودة بالكاميرات الحساسة، الأمر الذي أجج الموقف وجعل كافة الخيارات في التصعيد الشعبي مطروحة.

يرى محللون أن ما يحدث في القدس وإن بلغت ذروته بالتصعيد والعمليات فما هو سوى البداية لخطوات تهويدية جديدة، تأتي في سياق ما حدث مطلع الألفينيات حين اقتحم رئيس وزراء الاحتلال في حينه أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى المبارك، والتي انلدعت على إثرها الانتفاضة الثانية، وكانت المحصلة أنها كانت بداية لاقتحامات قطعان المستوطنين والتقسيم الزماني والمكاني في أيامنا هذه.

 

التخبطات والخِشية الإسرائيلية.. في عيون المحللين

ومع ذلك، فإن الاحتلال الذي بدأ إجراءاته مؤخراً يعيش حالة من التخبط لسلسلة الفشل التي يُفصّلها رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث د. ناجح بكيرات لـ "النجاح الإخباري"، بالقرارات الإسرائيلية التي يتخذها نتنياهو في إغلاق المسجد الأقصى والذي تراجع عنه، ثم بالفشل في تركيب البوابات الإلكترونية، والفشل اليوم في تركيب الجسور التي تعتليها الكاميرات، مشيراً إلى أن هذا يدل على التخبط في السياسة الإسرائيلية والتي لا ترتكز إلى واقع.

ويظهر هذا التخبط جلياً في تصريحات وزير أمن الاحتلال الداخلي جلعاد إردان الذي بدأ من يومين يلوح بطرح بديل للبوابات الإلكترونية، إلى جانب التخوفات التي كشفها رئيس أركان جيش الاحتلال إيزينكوت مؤخراً، قائلاً: إن الوضع الحالي يمكن أن ينفجر عبر عمليات إطلاق نار و طعن ودهس، وهو وضع لا يشبه أحداث 2015، حيث الآن نتكلم عن دوافع دينية إضافية لرمزية الأقصى للفلسطينيين، وبخصوص قطاع غزة فإن الامور هناك تبدو هادئة لكنها معقدة ويمكن أن تنفجر لأهون الأسباب.

ولكن يبقى المشهد المقدسي من وجهة نظر بكيرات مرهوناً باستمرارية الحرارة والوعي والعزيمة التي بدأ بها، ووحدة الرأي والمنهجية، مشيراً إلى وجوب دراسة هذا الشيء الآخر "الجسور والكاميرات الحساسة"، إن كان في سياق "النزول عن الشجرة" وعبارة عن تمثيلية،وأن كانت شيئاً أخطر من البوابات، مكملاً أنه يجب أن تتم دراسة ما بعد البوابات، وعلى ضوء ذلك يتم اتخاذ القرارات.

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية بتعبير المحلل السياسي د. مخيمر أبو سعدا لـِ "النجاح اللإخباري" تراوغ بشأن الحلول، مرة يتم الحديث بشأن إزالة البوابات، ومرة عن تركيب كاميرات والعمل بالتفتيش اليدوي، موضحاً أن الاحتلال يحاول في تخبطات كهذه بذر الرماد بالعيون عن طريق الحديث عن آليات وبدائل جديدة لعمليات التفتيش داخل المسجد الأقصى.

الكاتب والمفكر د. عادل سمارة يوضح لـِ "النجاح الإخباري" أن الطرف الإسرائيلي المتخبط الذي له سياساته التي تدعي بالحد الأدنى مبدأ "لا يتساوى كتفك مع كتفي"، والذي سيستمر في عدوانه وتحرشاته قد يغير في التكتيك قليلاً بدلاً من البوابات سيكون كاميرات حساسة وإلى ما ذلك، داعياً إلى ضرورة الضغظ الحقيقي عليه، مشيراً  إلى أن الجامعة العربية ستجتمع ولن يخرج منها شيء لواقعها المشهود،  وحتى على مستوى الأمم المتحدة فموقفها ليس قوياً. 

 

وتكمن النقطة الأهم بحسب بكيرات في كيفية إدارة الملف محلياً وعربيا وإسلامياً، خاصة وأنه ظهر في الآونة الأخيرة أن بإمكان الشعوب أن تغير من قرارات الساسة وإن كانت قرارات عالمية، لافتاً إلى "أن المشهد في القدس أعزل بشكل شبه تام، والخروج بهذه الاعتصامات هو مشهد متقدم جداً لم نشهدها منذ احتلال القدس وحتى الآن، اعتصامات في القدس وكل مكان حتى في باب الخليل منذ 70 عاماً لم يكن تجمع مثل هذا التجمع، حوالي أكثر من 3 آلاف، وكان متقدم في موضوع المصادمات والاحتكاك مع الاحتلال، وكان متقدم في الوحدة والهدف والوعي"، متمنياً "أن يكون الموقف في رام الله وغزة موحداً مثلما كان موحداً في القدس الذي توحد مسلمها بمسيحيها".

 

ترجيحات بالتصعيد.. كافة الخيارات مطروحة منها العسكري

ما يحدث في القدس هو تعبير عن حالة غضب متراكم لدى المقدسيين والفلسطيني لدى ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، وبتقدير أبو سعدا فإن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد، والمزيد من أعمال المقاومة والغضب الفلسطيني ما لم تقم إسرائيل بشكل واضح بإزالة البوابات الإلكترونية، وتوقف ما تقوم به من إجراءات سواء فيالاقتحامات شبه اليومية من قبل المستوطنين و المتطرفين، أو إجراءاتها على المستوى الحكومي.

 ويرى أبو سعدا أن هذه الهبة أرسلت رسالة واضحة مفادها بأن لا يمكن السكوت تجاه ما يحصل بحق المسجد الأقصى، وأن الشعب الفلسطيني أمامه العديد من الخيارات (مقاومة شعبية، سكاكين، إطلاق نار، عمليات دهس)، لافتاً إلى أنه في نهاية الأمر أي شكل من هذه الأشكال هو تعبير عن حالة غضب شعبي متراكم على مدار 50 سنة، بدأها الاحتلال بالضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، لذلك كل الأشكال متاحة وهذا ما يقرره المواطن الفلسطيني.

ويعتقد أبو سعدا أنه من الواضح أن الفصائل ليست معنية بانتفاضة عسكرية لأنها تعلم أن الثمن سيكون باهظاً جداً، وظهر جلياً منذ هبة السكاكين عام 2015 أن طابع عمل المقاوم الفردي أو كما تُسمى بظاهرة الذئاب المنفردة إلى آخر عملية في مستوطنة "حلميش"، هي نموذج فارق، كيف تصرف شاب فلسطيني بمفرده وسط حالة الغضب المتراكم نتيجة إجراءات الاحتلال.

ويؤكد سمارة أن ما يحصل الآن هو امتداد لما حصل عام 2015 والتي عبر عنها بـ "الهَبّات" أو الانتفاضات الموضعية في موقع معين، وهي رد فعل على عدوان الاحتلال الذي يختبر إن آن الأوان ليتحكم بالأقصى أم لا، باستخدام الأسلوب النازي المعروف "أكثر نار ممكنة وأكثر حرب نفسية ممكنة".

ويكمل سمارة "يجب أن نتذكر مسألة أساسية هي أنه يجب على الفصائل الفلسطينية والمفترض منها أن تبقى على اشتباك مستمر مع الاحتلال ولا تحتاج إلى حدث معين، بوسعها أن تقوم بأكثر مما تقوم بها، مع تقديرنا أن ذروتها أن تقوم عملية هنا أو هناك ولكن ليس انفجاراً كبيراً، وأن ما يمكن أن تقوم به الفصائل هو بحدود قدرتها أيضاً.

أما غزة فلا يستبعد سمارة تصعيد المقاومة فيها، لأن هناك محاولات لتغيير الواقع في غزة على يد الأطراف العربية والطرف التركي، مشيراً في ذات الوقت أن غزة قد ضُربت كثيرا وربما ليست بحاجة ‘إلى اشتباك آخر جديد، مؤكداً أن التحرك الذي يحصل في الضفة أكثر فادئة من تحرك غزة، خاصة لحصار الأخيرة من الاحتلال ومن أطرف عربية.