المهندس رائد مهنا - النجاح الإخباري - كتب المهندس رائد مهنا: تواجه الحكومة الفلسطينية أزمة مالية خانقة وذلك منذ القرار الاسرائيلي في اقتطاع جزء من أموال الضرائب (المقاصة)، وذلك بذريعة ما تقدمه الحكومة الفلسطينية من رواتب إلى أسر الشهداء والأسرى في السجون الإسرائيلية، ورفض الحكومة الفلسطينية تسلم الاموال منقوصة، هذا القرار كان له انعكاسات وتداعيات خطيرة على العديد من القطاعات سواء الحكومية أو القطاعات الخاصة.

وكان الأثر الأبرز لهذه التداعيات باقتطاع الحكومة الفلسطينية لجزء من رواتب الموظفين وتقليص خدماتها التي تقدمها للمواطنين في كافة المجالات، مما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، خاصة القطاع الصحي الذي تشرف عله وتديره وزارة الصــحة التي تعتبر الجهة الرسمية الرئيســية المقدمة للرعاية الصــحية الأولية في الضــفة الغربية وقطاع غزة، ٥٨٣ عيادة في الضفة الغربية، وحوالي من ثلث عدد العيادات الصـــــــحية الأولية البالغ عددها ١٦٠عيادة في قطاع غزة،. (2)

تمتلك وتدير وزارة الصحة ما نسبته 63.2% من أسرة المستشفيات العامة في فلسطين، و37.9% من أسرة المستشفيات المتخصصة، و14.5% من أسرة الولادة، وجميع أسرة الأمراض النفسية والعصبية. ويبلغ عدد مستشفيات وزارة الصحة 27 مستشفى، بسعة سريرية قدرها 3.384 سريراً؛ أي 54.5% من إجمالي عدد الأسرة في فلسطين.

يوجد 14 مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة في الضفة الغربية، بسعة سريرية قدرها 1.623 سريراً، وهو ما يعادل 48% من مجمل أسرة مستشفيات وزارة الصحة، بينما يوجد 13 مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة في قطاع غزة؛ حيث يبلغ عدد أسرة مستشفيات وزارة الصحة في قطاع غزة 1.761 سريراً، أي 52% من مجمل أسرة مستشفيات وزارة الصحة في فلسطين.

البنك الدولي نشر تقريراً حذر فيه من أن تردي الأوضاع الاقتصادية في فلسطين وقال إن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة آخذاً في الانهيار تحت وطأة الحصار المستمر منذ عشر سنوات، والشح في السيولة خلال الفترة الأخيرة، وذلك على نحو لم تعد معه تدفقات المعونة كافية لحفز النمو.(1) وأضاف أن الأوضاع في باتت مثيرة للقلق حيث يعاني شخص من كل اثنين من الفقر، وفي قطاع غزة الذي يغلب عليه طابع الشباب فإن معدل البطالة يصل إلى أكثر من 70%."

وعلقت المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة "مارينا ويس" على التقرير بقولها "لقد تكالبت عوامل الحرب والعزلة والصراعات الداخلية، تاركةً اقتصاد غزة في حالة من الشلل تفاقمت معها المحن الإنسانية. إنه وضع يعاني فيه الناس الأمرين لتلبية متطلبات الحياة الأساسية، ويكابدون أحوال الفقر المتفاقمة، واشتداد البطالة، وتدهور الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، وهذا وضعٌ يتطلب حلولا عاجلة حقيقية ومستدامة". (1)

 

إن التوقف عن تحويل أموال الضرائب والمساعدات المالية من قبل إسرائيل والدول المانحة لدولة فلسطين  قد خَلَق نقصاً حاداً في الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية داخل المستشفيات في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يجعل وزارة الصحة أكثر إعتماداً على التحويلات الطبية الخارجية والتي تحظى منها المستشفيات الإسرائيلية بالحصة الأكبر، خاصة وأن إسرائيل تخصم المستحقات التي تحددها المستشفيات الإسرائيلية بشكل مباشر ودوري من أموال المقاصة في الوقت الذي تتراكم فيه ديون المستشفيات الفلسطينية على وزارة الصحة مما يفاقم من أزمات هذه المستشفيات ويجعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها ولا حتى القيام بواجبها في تقديم الخدمات الصحية اللازمة للمواطنين .

وفي قطاع الأدوية، انخفضت نسبة الأدوية والمستهلكات الطبية المتوفرة في مخازن وزارة الصحة الفلسطينية إلى أقل من 50% على مدار التسع سنوات الاخيرة، علاوة على نفاذ العديد من الأصناف الحيوية اللازمة لانقاذ حياة مئات المرضى كُلياً من مستشفيات ومخازن وزارة الصحة الفلسطينية بما في ذلك أصناف معينة من أدوية مرض السرطان، مما شكل خطراً حقيقيا على حياة أولئك المرضي.

كما أن نفاذ العديد من المستهلكات الطبية والأدوات الجراحية التي تعتبر-Lifesaving items- يعتبر ايضاً خطراً كبيراً علي حياة العديد من المرضى الذين يقبعون في أقسام العناية المركزة وغيرها من الأقسام الحيوية في المستشفيات. ناهيك عن عدم القدرة على توريد مولدات الكهرباء للمستشفيات، ومعدات الاتصالات اللازمة لتنســـيق عمل سيارات الإسعاف ومعدات الوقاية الـشـخـصـيـة للموظفين الصـــحيين.

من جهة أخرى ترفض بعض الشركات المنتجة والمصدرة للأدوية توريد طلبيات الوزارة من الادوية والمستلزمات الطبية وذلك بسبب تراكم الديون المستحقة لتلك الشركات والتي لم تستطع وزارتيّ المالية والصحة الفلسطينيتين سدادها بسبب العجز الناتج عن توقف الدول المانحة عن دفع التزاماتها وتوقف إسرائيل عن دفع أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.

أما بالنسبة للأجهزة الطبية الحيوية والتشخيصية والأساسية لتشغيل غرف العمليات والعناية المركزة والمختبرات واجهزة الاشعة العادية والمقطعية والاجهزة الخاصة بغسيل الكلي التي لا يمكن الاستغناء عنها فهي أيضاً في وضع متدني جداٍ بسبب نقص قطع الغيار وأدوات الصيانة اللازمة ونقص التمويل اللازم لاستبدال التالف منها.

على ضوء هذا الوضع الخطير، يضطر الكثير من المرضى الحصول على الأدوية المطلوبة بشكلٍ مستقل من الصيدليات الخاصة مما يضيف عبئً مادياً جديداً عليهم وقد لا يستطيعون شراء الأدوية في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وتقلص رواتب الموظفين.

ومما يجدر ذكره أن هذه الأزمة ( بما يتعلق بقطاع غزة ) لم تنتج فقط بسبب الضائقة المالية وجفاف مصادر التمويل كما ذكرنا سابقاً، وإنما أيضاً بسبب العراقيل والإعاقات الطويلة المفروضة على دخول البضائع والأدوية والمعدات الطبية من المحافظات الشمالية (الضفة الغربية ) إلى المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) في أعقاب الإغلاقات المتكررة للمعابر الحيوية بين الأراضي المحتلة ومحافظات الوطن من قبل قوات الاحتلال.

من جانب آخر فقد تضررت أيضا جودة وفعالية عمل المستشفيات والمراكز الصحية بسبب عدم تلقي العديد من العاملين ومنهم عاملي النظافة لرواتبهم ومستحقاتهم المالية بشكل جزئي أو كلي لأشهر طويلة بسبب الانخفاض الحاد بالمدخولات للمستشفيات جراء الانخفاض الملحوظ لعدد المرضى المتوجهين إليها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تطال الشعب الفلسطيني بأكمله.

ووفقاً للتقديرات، إن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي خلال وقت قصير إلى انهيار كامل للنظام الصحي داخل الأراضي الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى الأزمات المتعلقة بالنواحي الفنية، والعملية، فقد حذرت وزارة الصحة، من خطورة الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية، وناشدت المجتمع الدولي ومؤسساته الحيوية بالتدخل لإنقاذ القطاع الصحي من الانهيار وانقاذ حياة آلاف المرضى التي كفلت جميع الاتفاقيات الدولية والإنسانية حمايتهم. فقد ارتفعت معدلات الوفيات بين المرضى بنسبة ملحوظة في السنوات الأخيرة مقارنة بالسنوات الأولى من قيام السلطة الفلسطينية، فقد اضطرت المستشفيات إلى وضع قوائم انتظار طويلة للعمليات الجراحية والتي بعتبر جزءاً منها عمليات جراحية طارئه ومستعجلة بسبب الازمة المذكورة ولم تتمكن وزارة الصحة من الاستمرار أيضاً في تحويل الحالات الحرجة إلى مستشفيات الداخل المحتل أو إلى الخارج بسبب الديون المتراكمة عليها للجهات ذات العلاقة بسبب نفس الازمة.

اما بالنسبة للخدمات الطبية العسكرية فقد تحملت عبىءً كبيراً عن كاهل وزارة الصحة الفلسطينية في سنواتها الاولي، ومع انحسار الدعم المالي عنها لجأت الخدمات الطبية العسكرية إلى تحويل الغالبية العظمي من مرضاها لتلقي الخدمات العلاجية في مستشفيات وزارة الصحة مما أثقل كاهل الوزارة بشكل ملحوظ. ومن الواجب اعطاء الاهمية القصوى لإعادة الاعتبار والاستقلالية للخدمات الطبية العسكرية من اجل تقديم الخدمة الطبية للآلاف من منتسبي قوات الامن الوطني وأجهزة الدولة الأخرى، وبالتالي تخفيف العبء من جديد عن كاهل وزارة الصحة وتقديم الخدمات الطبية لمستفيدي كلا المؤسستين بكفاءة أعلى.

من جهة اخري فان الحصار المفروض على شعبنا أدى إلى تعطيل الخطط التطويرية التي تم وضعها للنهوض بالواقع الصحي في الأراضي الفلسطينية على كافة المستويات، سواء على صعيد الإنشاءات أو الكادر البشري.

وللخروج من الازمة الحالية هناك عدة حلول ممكنة تحاول السلطة من خلالها معالجة الازمة الحادة والمتواصلة، ومن تلك الحلول:

1- مناشدة المجتمع الدولي للضغط على حكومة الاحتلال لإطلاق سراح أموال الضرائب العائدة للسلطة الفلسطينية المحتجزة لدى الاحتلال والتي من الممكن أن تساهم بحل الأزمة بشكل ملحوظ.

2- مناشدة الدول المانحة بالإيفاء بالتزاماتها المالية السنوية لسد العجز في ميزانية السلطة وتمكينها من إدارة كافة القطاعات الحيوية ومنها القطاع الصحي.

3- الضغط على المؤسسات والمنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي والتي يقدر عددها في الأراضي الفلسطينية بالمئات من أجل تقديم دعم حقيقي وملموس لتغطية العجز في مجال الادوية والمستلزمات الطبية والاجهزة الطبية والأدوات الجراحية وقطع الغيار اللازمة لها بدلاً من تنظيم ورشات عمل نظرية لا تكفي للنهوض بالقطاع الصحي بشكل ملائم.

4 ـ إستقطاب الكفاءات والخبرات الفلسطينية التي تعمل في المجال الطبي في الخارج للعمل في القطاع الصحي الفلسطيني لتخفيف عبء التحويلات الطبية الخارجية والتي تمثل فاتورة عالية التكاليف على موازنة دولة فلسطين.