نابلس - النجاح الإخباري - المعركة المؤجلة بدأت في غزة، حيث يشعرون وكأن الحرب بدأت للتو، رغم ما كل لحق بالقطاع من قتل وتدمير، فالناس وبعد أن انتهت الهدنة الإنسانية المؤقتة، والتقطت أنفاسا ليس للراحة وإنما للبحث عن جثث وتفقد الأنقاض، عادت لسماع دوي آلة الحرب من جديد وتم إعادة تفعيل عدّاد الشهداء الذي لا يتوقف.

المشاعر التي يعايشها أهالي قطاع غزة هي ذاتها التي مروا بها في أولى أيام الحرب، ولا زال سكان القطاع يرجحون أن الأسوأ لم يأتي بعد، كون المعارك الحالية تجري في أكثر المناطق ازدحاما بالسكان مثل حي الشجاعية ومنطقة جباليا في الشمال وخانيونس في الجنوب.

المعركة المؤجلة

وأجلّت دولة الاحتلال معركتها في حي الشجاعية وجباليا إلى مرحلة متأخرة بدأتها بشكل تدريجي خلال الأيام الماضية.

في هاتين المنطقتين بدأت البنايات السكنية تتهاوى بفعل قصف إسرائيلي متواصل ولا يتوقف، وعلى الأرض تحاول دبابت الاحتلال التقدم، فيما لا يزال الكثير من السكان في منازلهم ولم يخلوها إلى جنوب القطاع الذي يشهد حالا مماثلا من المعارك.

وتعتقد دولة الاحتلال أن الترسانة الأقوى لحركة حماس وعدد العناصر الأكبر موجود في منطقة الشجاعية وجباليا والتي يتم توصيفها على أنها معاقل لحركة حماس وبالتالي تعتقد دولة الاحتلال أن المعركة لن تكون سهلة وستمر بالكثير من التعقيدات.

وأعلن متحدث باسم جيش الاحتلال ارتفاع عدد قتلى الجيش إلى ضابطين وثلاثة جنود في المنطقتين "الشجاعية وجباليا" خلال اشتباكات دارت مع المقاتلين هناك.

ويقول شهود عيان لوكالة أنباء العالم العربي أن دولة الاحتلال تستهدف مربعات سكنية بالكامل ويتم تسويتها بالأرض في هاتين المنطقتين لفتح طريق أمام الدبابات للدخول.

ويعيش في جباليا المدينة وحدها نحو 200 ألف فلسطيني وفق أحد إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما يبلغ عدد سكان مخيم جباليا نحو 56 ألف نسمة.

أما شرق غزة يعتبر حي الشجاعية الحي الأكبر فيه فيسكنه نحو 350 ألف نسمة. بشقيه الشجاعية الجنوبية (التركمان) والشجاعية الشمالية (الجديدة أو حي الأكراد) , إضافة الى أحياء الدرج والتفاح والزيتون .

يعرف أهالي الشجاعية ما دونته كتب التاريخ عن حيهم، فيصفونه بأنه حارس بوابة قطاع غزة.

في شمال الحي حيث مقبرة الحرب العالمية الأولى التي دفن فيها آلاف الجنود بعدما عسكرت قوات نابليون بونابرت هناك.

القصف الإسرائيلي المتواصل بطريقة جنونية يذكر أهالي قطاع غزة بتلك المقبرة، ويخشون أن يتحول الحي بأكمله لمقبرة لأهالي الحي الذي فضلوا البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها.

يعتقد أهالي الشجاعية أن مسألة تدمير حيهم هي مسألة ثأر قديم بعدما نجحت الفصائل الفلسطينية في 2014 في أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال الإسرائيلي في حي الشجاعية، حينها دكت مدفعية الاحتلال الحي بشكل مكثف واستشهد نحو 75 فلسطينيا. وهو ما ألمح له وزير دفاع الاحتلال لدى تفقده القوات المتوغلة إلى الشجاعية قائلا :"جولاني في مهمة تصفية حسابات لن يخرجوا من الشجاعية إلا بعد تدمير قدرات حماس" .

اقتحام غير عادي

وفق ما تم رصده من حركة الآليات فإن اقتحام آليات الاحتلال لم يكن من الطريق العادي والذي دأبت دبابات الاحتلال من دخوله من أقصى شرق الشجاعية المنطقة الأقرب لغلاف غزة (المنطقة الحدودية) ودخلوا من المنطقة الجنوبية الغربية للحي عكس كل التكتيكات السابقة ووفق الإعلام العبري فان هذا التكتيك لتجنب اعداد حماس المتوقع في المناطق الحدودية من ناحية الأنفاق المفخخة والأسلحة والوحدات المتمركزة هناك.

وفقًا لخارطة الاقتحام فإن قوات الاحتلال بدأت دخول حي الشجاعية من منطقة "مفترق الشجاعية" وتوغلت في الأحياء القريبة من المفترق وباتت داخل بعض الأحياء المكتظة بالسكان -في الوضع الطبيعي- وتمركزت هناك واعتلى بعض القناصة العمارات المجاورة للمفترق.

وفق تقديرات الاحتلال فإن الانتهاء من حيي الشجاعية و جباليا يحتاج حتى نهاية الشهر الجاري.

البحث عن صورة النصر

حتى الآن لم تفلح دولة الاحتلال في إظهار صورة النصر التي تبحث عنها، وبالتالي فإن وقت القتال في هذه الفترة مستبعد من ناحية القناعة الإسرائيلية الداخلية بأنها لم تحقق أهداف الحرب التي وضعتها.

صورة النصر التي يتطلع إليها الاحتلال قد تكون باغتيال او اعتقال شخصية كبيرة في حماس مثل يحيى السنوار وليس أقل منه على سلم الترتيب القيادي في الحركة، أو بسيطرة تامة لقوات الاحتلال على كل قطاع غزة.

وتعلم دولة الاحتلال في دوائرها المصغرة أن ما عرضته من صور سابقة ليست الصورة التي تبحث عنها لكنه أقصى ما استطاعت الوصول إليه في فترة ما قبل التهدئة.

وعليه فإن المعارك القادمة ستكون أشد شراسة في البحث عن الصورة المنشودة.

 وتقول "هيئة البث الإسرائيلية" أن المعارك ستكون على أكثر من جبهة في نفس الوقت , ويبدو من الواقع الميداني أن الاحتلال بدأ بالدخول للمناطق الأصعب في نفس الوقت.

وقد وضع الاحتلال هدفا جديدا يسعى لتحقيقه في هذه المرحلة من الحرب وهو تدمير الأنفاق التي تستخدمها حركة حماس.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن "اسرائيل" قامت ببناء نظام من المضخات الضخمة التي يمكنها استخدامها لإغراق شبكة أنفاق حماس تحت الأرض في قطاع غزة بمياه البحر. وبحسب التقرير، تم تجميع مجموعة المضخات، التي تضم ما لا يقل عن خمس مضخات مياه ضخمة، شمال مخيم الشاطئ للاجئين في شمال قطاع غزة في منتصف الشهر الماضي.

ومن المفترض أن تقوم هذه المضخات بسحب المياه من البحر الأبيض المتوسط، وإغراق الأنفاق بآلاف الأمتار المكعبة من المياه كل ساعة، وهو ما سيؤدي إلى غمرها خلال أسابيع. وبحسب التقرير، لم يتقرر بعد في "إسرائيل" ما إذا كان سيتم تنفيذ العملية أم لا.

كل ما يجري يضيف إلى مجريات الحرب المزيد من التعقيدات، وبالتالي قد ينجح الاحتلال في تشكيل ضغط على حماس لإطلاق سراح محتجزين جدد بشروط لا تكون معقدة بالنسبة لدولة الاحتلال.

وكذلك لم تسقط دولة الاحتلال هدفها المعلن بإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة وبالتالي المزيد من العمليات العسكرية قد يؤدي إلى إقامة مثل هذه المنطقة بعد تهجير سكانها منها، خاصة أن صيغة التعامل الدولي مع المصطلحات بدأت تتغير، فالولايات المتحدة رغم أنها ترفض تهجير الفلسطينيين قسرا فإن لن تعارض هجرة طوعية وهذا ما تكرر أيضا على لسان أكثر من مسؤول دولي.