وكالات - محمد ياغي - النجاح الإخباري - ربما لم يكن في حسابات الرئيس بوتين وهو يخطط لانتزاع مقاطعتَي دونيتسك ولوغانسك — ذات الأغلبية الروسية — من أوكرانيا وضمهما الى الأراضي الروسية أن الحرب ستطول وستتحول الى حرب استنزاف يعاني من مخاطرها سكان العاصمة موسكو.
الحرب، ربما، في مخططات الرئيس بوتين كانت ستكون على طريقة تدخله العسكري في جورجيا العام ٢٠٠٨ عندما دعمت وحداث محدودة من الجيش الروسي الانفصالين في إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. الحرب استمرت أقل من أسبوع وانتهت بإعلان وقف إطلاق النار بين روسيا وجورجيا بوساطة فرنسية لكن بعد سيطرة روسيا على الإقليمين.
والحرب، ربما، كان مخططا لها أن تكون على طريقة حرب روسيا على أوكرانيا العام ٢٠١٤، عندما تمكن الروس من ضم شبه جزيرة القرم ودعموا الحركات الانفصالية في جنوب وشرق أوكرانيا. الحرب انتهت بعد أشهر من بدئها بتوقيع اتفاق مينسك بين روسيا وأوكرانيا برعاية منظمة الأمن والتعاون الأوروبية.
والحرب، ربما، كان مخططا لها أن تكون على طريقة التدخل العسكري الروسي في سورية العام ٢٠١٥، عندما امتنعت الولايات المتحدة والغرب عموما عن دعم المعارضة السورية بأسلحة حديثة تُمكنهم من الانتصار على نظام الرئيس بشار الأسد.
في كل الحروب السابقة لروسيا – بوتين، شارك بضعة آلاف من العسكريين الروس في الحرب، وأهداف التدخل كانت محدودة ولا تصطدم مباشرة بالمصالح الغربية.
لذلك تصرف الغرب إما بعدم اكتراث أو بضبط نفس ناتج عن فقدان الإرادة في المواجهة مع روسيا، أو بما يخدم مصالحة كما في الحالة السورية عندما لم يرغب بانتصار المعارضة التي يصفها بالتطرف او بانتصار النظام الذي يعتبره الغرب حليفا لخصومه في روسيا وإيران، وكان هدفه استنزاف الطرفين وتعزيز قوة الأكراد في شمال سورية، وهو ما حققه بالفعل.
في حرب روسيا الأخيرة على أوكرانيا كان كل شيء مختلفا، ولهذا كانت النتائج مختلفة أيضا.
بدايةً روسيا حشدت أكثر من مائتي ألف جندي للحرب، ثم أعلنت بأنها تريد تدمير «النازية» في أوكرانيا، وهو ما يعني فعليا تغيير النظام ووضع نظام موال لها، وأعلنت أيضا بانها تهدف الى نزع سلاح أوكرانيا، ومنعها من دخول حلف الناتو، ولاحقاً أعلنت بأن الحرب تستهدف بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ثم قامت بزج أكثر من ثلاثمائة ألف جندي جديد الى المعركة بعد أن تبين لها أن «العملية الخاصة» تحولت الى حرب استنزاف مفتوحة من الغرب ضدها.
ربما تكون موسكو محقة في دفاعها عن أمنها القومي خصوصا ما يتعلق منه برفضها لوجود حلف الناتو على حدودها، إذ أن ذلك سيجعلها غير قادرة على ردع خصومها النوويين بعد امتلاكهم القدرة على مهاجمة روسيا في وقت قياسي.
لكن المسألة هنا لا تتعلق بشرعية أهداف روسيا بقدر ما تتعلق بخطأ حساباتها.
الغرب في تقديري مصمم على هزيمة روسيا في هذه الحرب وهو ما لم تحسب له موسكو في بداية المعركة. حتى بعد إدراكها لذلك، تصرف الكرملين بحذر شديد، فهو حذر الغرب منذ البداية من تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة، ثم حذر من تزويد الغرب لأوكرانيا بطائرات مسيّرة وصواريخ قادرة على أن تطال العمق الروسي، وحذر بعد ذلك من تزويدها بطائرات مقاتلة وأن ذلك كله سيجعل الغرب مشاركا في الحرب بشكل مباشر ضد روسيا وأن هذا سيترتب عليه نتائج خطيرة.
لقد تدرج الغرب في اختبار استعداد موسكو للتصعيد أو المواجهة المباشرة معه، واكتشف عجزها وعدم رغبتها في أية مواجهته خارج حدود أوكرانيا... لا في أوروبا ولا في سورية ولا في أفريقيا أو في أي مكان للروس وجود فيه.
بداية سلح الغرب أوكرانيا بصواريخ قصيرة المدى قادرة على إحداث دمار كبير للقوات الروسية، ثم زودها بأنظمة دفاعية متطورة لحماية نفسها، وبعدها قام بتوريد أحدث المدرعات الغربية لها، ثم أمدها بالمسيّرات الجوية القادرة على الوصول الى العمق الروسي، وأنعم عليها بأسلحة الدمار العنقودية، ثم بالزوارق المسيّرة التي تستطيع مهاجمة الأسطول البحري الروسي، واتخذ قرار تزويدها بالمقاتلات الجوية التي ستدخل الخدمة في الجيش الأوكراني خلال شهر أو اثنين.
لم يتبق فعلياً غير تزويد أوكرانيا بالصواريخ الدقيقة بعيدة المدى التي يمكنها ضرب أي مكان في روسيا، وبعدها بأحدث طائرة مقاتلة يمتلكها الغرب (ف ٣٥).
الغرب أقوى اقتصادياً من روسيا بعشرين مرة (اجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة وأوروبا ٤٥ تريليون دولار، بينما الناتج المحلي الروسي أقل بكثير من تريليوني دولار) وهو ما يمكن الغرب من الاستمرار في دعمه لأوكرانيا على المدى البعيد.
السؤال: هل بإمكان روسيا أن تصمد طويلاً؟
الاتحاد السوفييتي السابق الذي ورثته روسيا لم يتمكن من الصمود في أفغانستان أكثر من عشرة أعوام بعد احتلاله لها، علماً بأن دعم الغرب «للمجاهدين» كان أقل بكثير جداً من الدعم الذي تحصل عليه أوكرانيا.
هذه الحرب ستخسرها روسيا إن لم تُعدل من استراتيجيتها إما لجهة التصعيد لحسم المعركة في أوكرانيا، أو لجهة إيجاد منفذ للغرب يسمح بقبول عرض للسلام.