وكالات - محمد ياغي - النجاح الإخباري - لا يبدو أن للتغيرات التي تحدث داخل المجتمع الإسرائيلي وانتقاله من دعم اليمين المتطرف الى دعم اليمين الفاشي الديني لها تأثيرات سلبية على علاقات إسرائيل بدول الإقليم.
الدول التي طبعت علاقاتها بإسرائيل بما فيها تركيا والإمارات العربية والبحرين والمغرب والسودان هنأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بفوزها في الانتخابات وكأن شيئاً لم يتغير.
وعلينا هنا أن نقول إن «تقبل» هذه الدول للحكومة الفاشية في إسرائيل ليس شيئاً مفاجئاً، لأن قرار هذه الدول بتطبيع علاقاتها بإسرائيل لم يكن له علاقة مطلقاً بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإنما كان نابعاً من حسابات خاصة بكل دولة من هذه الدول على حدة.
تركيا مثلاً أعادت سفيرها لإسرائيل لأن توجهها الجديد هو العودة الى سياساتها القديمة بتصفير المشاكل بينها وبين دول الجوار بعد أن «خسرت» حربها في سورية وبعد أن استهدفت الولايات المتحدة اقتصادها، وبعد تحالفت إسرائيل ومصر واليونان ضدها في البحر المتوسط من المسألة الليبية الى موضوع ترسيم الحدود البحرية لاستخراج البترول والغاز.
والامارات العربية طبعت علاقاتها مع إسرائيل ودخلت في تحالف معها رغبة منها بالاستفادة من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة والذي يوفر لها الحماية السياسية من الانتقادات داخل الكونغرس الأميركي في كل ما يتعلق بسياساتها الداخلية والإقليمية.
المغرب والسودان أيضا قاما بتطبيع علاقاتهما بإسرائيل، الأولى «طمعاً» بالحصول على اعتراف أميركي بسيادتها على الصحراء الغربية والثانية لرفع اسمها عن قائمة الإرهاب.
لا يوجد إذاً علاقة بين القضية الفلسطينية وبين تطبيع هذه الدول لعلاقاتها بإسرائيل.
كان هنالك شيء من «الخجل» سابقاً متعلق بخوف هذه الدول من أن تخسر تأييد شعوبها لها إن قامت بالتطبيع مع إسرائيل وهو ما منعها عن القيام به، لكن فشل الربيع العربي سمح لهذه الدول بتجاوز «خجلها» وخوفها من شعوبها، وبالتالي «الجرأة» على اتخاذ قرار التطبيع.
التغيرات الداخلية إذاً في إسرائيل والتي عبر عنها فوز اليمين الفاشي في الانتخابات الأخيرة لا تأثير لها على علاقات إسرائيل مع الدول التي طبعت علاقاتها معها. ولعل هذا - تحديداً- هو ما يجعل «مهمة» استكمال التطبيع مع باقي الدول العربية على رأس أولويات الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
في مقدمة الدول التي تريد إسرائيل تطبيع العلاقات معها لأهميتها العربية والإسلامية والدولية هي العربية السعودية. وهي بالتالي ستكون الهدف المركزي لحكومة نتنياهو، فهل تنجح إسرائيل في ذلك؟
إذا وضعنا أنفسنا مكان العربية السعودية لمعرفة إن كان التطبيع ممكناً أم لا، يمكننا ملاحظة عدد من العوامل التي تدفع باتجاه التطبيع وعدد آخر يدفع باستمرار مقاطعة إسرائيل.
عوامل الدفع هي رغبة العربية السعودية بتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة وضمان تأييدها لها دون أن تعدل من سياساتها كما تريد واشنطن.
السعودية تريد أن يكون لها علاقات قوية مع بكين وموسكو، وترغب أيضا في الحفاظ على أسعار معقولة لبرميل البترول وهي لا تريد أن تكون موضع «اتهام» و»انتقاد» ودعوات «للمقاطعة أو العقوبات» في الإعلام الأميركي ومن قبل الكونغرس.
السعودية تدرك أن اللوبي الإسرائيلي يمكنه أن يوفر لها الى حد ما، ما تريد من الولايات المتحدة، وهذا عامل مشجع للعربية السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
هنالك أيضا توجه سعودي داخلي منذ العام ٢٠١٦ يتمثل في تحويل المملكة الى دولة جاذبة للاستثمار والسياحة ومنتجة في نفس الوقت للأسلحة المتقدمة.
هنا أيضا ترى السعودية في إسرائيل عاملا مساعدا وربما «مهماً» في تحقيق ذلك لأسباب، منها أن عدداً كبيراً من الشركات العملاقة يمتلكها يهود. وأن المنطقة السياحية على البحر الأحمر التي تقيم عليها السعودية أكبر مشاريعها السياحية «نيوم» قريبة من الحدود الإسرائيلية (فلسطين التاريخية) وتشغيل هذه المنطقة بدون معوقات قد يحتاج تعاون مع إسرائيل. ثم هنالك القدرات التكنولوجية الإسرائيلية في المجال العسكري، والتي وإن كانت إسرائيل غير مستعدة لمشاركتها مع دول عربية مثل السعودية، إلا أنها وبسبب القاسم المشترك المتعلق بمواجهة إيران لن تمانع من تعزيز كل ما من شأنه تعزيز قدراتها في مواجهة إيران مثل التعاون الاستخباري والانذار المبكر والدرع الصاروخي المتقدم الذي يكتشف ويمنع وصول الصواريخ الإيرانية لإسرائيل.
وأخيراً، هنالك العامل الدولي المتمثل في أن روسيا والصين ودول أوروبا تشجع علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل لأسباب خاصة لكل منها.
على الجانب الآخر هنالك عوامل تمنع العربية السعودية من الذهاب في اتجاه التطبيع مع إسرائيل. لعل أهمها أن العربية السعودية هي صاحبة المبادرة العربية للسلام التي قبلها العرب العام ٢٠٠٢، وهي تشترط الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي التي تحتلها إسرائيل مقابل التطبيع. التراجع عن هذه المبادرة بالتطبيع مع إسرائيل قبل انسحاب الأخيرة من الأراضي التي تحتلها سيكون موضع انتقاد شعبي داخل المملكة وخارجها.
هنالك أيضا ما يسمى بالشرعية الدينية حيث تستمد الدولة السعودية جزءاً من شرعيتها بناء على تبنيها ودفاعها عن القضايا الإسلامية، وهذا النوع من الشرعية وإن ضعف في السنوات الأخيرة بسبب تراجع دور المؤسسة الدينية في العربية السعودية، إلا أن أهميته مازالت موجودة بفعل عشرات السنوات من ربط «الدفاع عن الإسلام» بشرعية الحكم في المملكة، ولا شك بأن الدفاع عن فلسطين، كقضية إسلامية عادلة، لا يزال له تأثير كبير في المجتمع السعودي والتطبيع تبعاً لذلك سيحدث شرخاً بين المؤسسة الحاكمة وبين الشعب السعودي.
يضاف لكل ذلك، أن التطبيع مع إسرائيل سيجعل من إيران وحلفائها الجهة الوحيدة التي مازالت تتمسك بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما يعني دفع الشعوب العربية لتأييد هذا المحور باعتباره الجهة الوحيدة التي مازالت تتمسك بالحق الفلسطيني والتي ومازالت على استعداد لمواجهة إسرائيل.
أخيراً، على عكس دول الخليج الصغيرة مثل الامارات والبحرين، العربية السعودية دولة كبيرة، والرأي العام في قضية التطبيع مع إسرائيل مهم لصانع القرار السعودي، أقله لمنع إعطاء الحركات الدينية المتطرفة ذريعة جديدة للتمدد داخل المملكة.
عند المقارنة والموازنة بين عوامل الجذب باتجاه التطبيع وعوامل الدفع بعيداً عنه، من الصعب الوصول الى «يقين» بأن التطبيع بين العربية السعودية وإسرائيل لن يحصل أو أنه قد يحصل، لأن النظام العربي الرسمي أصبح أقل تأثراً بمواقف شعوبه بعد فشل الربيع العربي.
كل ما يمكن قوله، بأن عوامل الدفع لجهة التطبيع موجودة وضاغطة، وان القضية الفلسطينية تخسر يومياً إذا لم يتمكن الفلسطينيون من إعادة قضيتهم لواجهة الصراع في العالم العربي، وبالتالي إعادة رسم الخطوط الحمراء بين إسرائيل والعالم العربي.