وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - لم يعد هذا السؤال مجرّد سؤال افتراضي وذلك لأن جملةً من التطورات والأحداث والمعطيات نقلته، وتنقله من دائرة الافتراض إلى دائرة الاحتمال، وربما الترجيح، أيضاً.
ومهما كان الطرح القائل بأن كافة، أو معظم أطراف هذه الحرب التي بات ممكناً وقوعها، ليس لها مصالح حيوية، مُلحّة فيها، إلّا أن الحروب لا تقع بسبب دوافعها المباشرة فقط، وإنما لأن المصالح المختلفة لأطرافها ليست ثابتة ولا مستقرة، أو لأن درجة التنافر بين هذه المصالح باتت تتطلّب نوعاً من «إعادة التنظيم» التي لم يعد ممكناً الوصول إليها، أي إعادة التنظيم دون مثل هذه الحرب.
أقصد أن الحروب يمكن أن تقع لأن بعض مصالح أطرافها هي بحكم المهدّدة بالزوال أو الاضمحلال، أو التلاشي أو التراجع الكبير، أو لأن أطرافاً أخرى ـ وبالرغم من عدم وجود تهديد مباشر لمصالحها ـ ترى أن فرصتها في «تكريس» هذه المصالح هي من خلال حرب تعتقد أن بالإمكان ربحها والانتصار فيها.
دعونا نحاول تحديد الموضوع الرئيس لهذه الحرب إن وقعت. أو دعونا نحاول بحث المسألة الأكبر والأهم في مقاربة هذه الحرب!
هنا علينا أن نفرّق بين منطق ومنطق، متعارض، وربما متناقض، أيضاً، حيال هذه المقاربة.
المنطق الذي يرى أن هذه الحرب يمكن أن تقع بسبب ارتفاع درجة تهديد مصالح هذا الطرف أو ذاك من قبل الطرف أو الأطراف المقابلة له بطبيعة الحال منطقه الخاص، المنطلق من حجم تقديره لمصالحه، وبالتالي من حجم التهديد المقابل، في حين أن عديد حجم هذه المصالح، وبالتالي حجم التهديد المقابل ليس واحداً ولا موحداً.
أقصد لا يوجد مقياس أو معيار واحد وموحّد لمنطق إمكانية اندلاع هذه الحرب، لأن كل طرف له منظوره الخاص لهذا المنطق.
لكن، ومع ذلك كله فإن موضوع هذه الحرب يتمحور حول الدور الإقليمي لإيران من وجهة نظر الأطراف كلها، ويتمحور حول «أحقّية» هذا الدور من وجهة النظر الإيرانية.
وطبقاً لهذا المنطق، وتأسيساً عليه تأتي مسألة «الخطر» الذي يمثله امتلاك إيران للسلاح النووي، أو التكنولوجيا النووية، والتي تؤكد إيران على أنها «سلمية» ومشروعة من وجهة نظر القانون الدولي، في حين يراها الغرب بأنها «حافّة» السلاح النووي، وتراها الولايات المتحدة الخطر الأكبر في المنطقة، وتراها إسرائيل التهديد الأخطر، والذي يصل إلى حدود التهديد الوجودي.
وهكذا فإن السلاح النووي، أو الحافّة النووية ليس له تلك القيمة التي تستدعي الحرب لو أن «الدور الإقليمي» لإيران كان تحت السيطرة، أو كان بالحدود التي يمكن التعايش معها!
بالنسبة للولايات المتحدة فإنها ترى أن الدور الإقليمي ليس له الأولوية المطلقة هنا، لأنها تعايشت سابقاً مع هذا الدور في العراق، وتعايشت معه جزئياً في أفغانستان، وكان هناك درجة مسكوت عنها من التفاهم بين إيران والولايات المتحدة.
يختلف الأمر قليلاً في لبنان، ويختلف كثيراً في سورية، والأمر متروك لإسرائيل للتعامل مع الدور الإقليمي لإيران في كلا البلدين.
العرب عموماً، وعرب الخليج تحديداً يرون الدور الإقليمي لإيران أخطر من «التدخل» في سورية ولبنان لأنهم «فهموا» أن الدور الإقليمي لإيران يصل إلى «قاع الدار الخليجية»، وأن إيران «تمتلك» الكثير من الأوراق «الداخلية» التي يمكن أن تهدد الاستقرار الخاص بمعظم دول الخليج، ليس على أُسس اقتصادية أو طبقية، وإنما على أُسس طائفية ومذهبية.
ولهذا فإن موقف دول الخليج من الدور الإقليمي لإيران أكثر حسماً وجذرية من الموقف الأميركي، وأكثر «تطرفاً» من الموقف الأميركي والإسرائيلي.
هنا يبدو واضحاً التباين الكبير بين الموقف الأميركي والإسرائيلي من جهة، وبين المواقف العربية عموماً، والخليجية، خصوصاً إزاء الحرب في اليمن، وإزاء الحراك السياسي في العراق، وحتى إزاء تردّي الأوضاع في لبنان.
وهنا، أيضاً، لا ينظر العرب، ولا بلدان الخليج للسلاح النووي، والتكنولوجيا النووية الإيرانية إلّا باعتبارهما الدعامة الرئيسة المكمّلة للدور الإقليمي لإيران.
يعتقد بعض الرومانسيين الثوريين العرب أن إيران ليس لديها مثل هذا الدور الإقليمي الذي يهدد المصالح القومية العربية، في حين أن أصنافاً أخرى «معارضة ومناقضة» لهؤلاء الرومانسيين على الجهة المقابلة تعتقد وترى أن خطر الدور الإقليمي لإيران يصل إلى حدود التساوي والتوازي، والتماهي مع الخطر الصهيوني، بل ويصل الأمر بالبعض إلى ما هو أبعد من ذلك.
لاحظوا إذاً أن الموضوع الرئيس لمقاربة الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط هو الدور الإقليمي لإيران، والسلاح النووي ليس إلّا موضوعاً تابعاً ونابعاً من هذا الدور،
حلفاء ووكلاء إيران يرون إيران قلعة المقاومة في هذا الإقليم، وأما من هم على الجهة المقابلة فإنهم لا يرون في إيران إلّا قوة للسيطرة والهيمنة، وأن كل مسألة «المقاومة» ليست سوى الأدوات والأوراق التي تلعب بها إيران لإحكام سيطرتها وهيمنتها على كامل هذا الإقليم، بالتنافس مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى تركيا، وأن المشروع القومي الفارسي هو المحرّك الوحيد لكل سياسات إيران وكل توجهاتها في المنطقة.
وبما أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترى في الدور الإيراني «خطراً» عليها، وتهديداً لهيمنتها المطلقة على الإقليم، وبما أن «العرب» عموماً، والخليج العربي، خصوصاً، يتفقون ويتوافقون على طبيعة هذا الخطر، ويتقاسمون مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هذا الرأي وهذه الرؤية فليس أمام هذا «التحالف» الجديد، سواء كان معلناً أو سرّياً، وسواء كان أمنياً عسكرياً، أو وصل إلى حدود الاندماج السياسي والاقتصادي، وحتى الثقافي إلّا «إجبار» إيران على «تعديل» مسار تدخلها الإقليمي، وليس أمامه سوى منع إيران من امتلاك السلاح والتكنولوجيا النووية، إما بالاتفاق أو الحرب.
حتى هذه اللحظة اكتفت الولايات المتحدة بسلاح العقوبات الصارم، لكن هذا السلاح فشل حتى الآن.
وحتى الآن اكتفت إسرائيل بعمليات إعاقة وتخريب، ولكن هذه العمليات كما واضح لن تؤدي إلى نتائج كبيرة.
وحتى الآن لم تتراجع إيران عن دورها الإقليمي، وقد حاول بعض العرب، ولم يحاول معظمهم لأنهم ضد المحاولة.
فما السبيل إذاً؟
الحرب أصبحت مرجّحة، وأصبحت ممكنة لأن الولايات المتحدة فشلت في التنازل قليلاً لإيران «خشية» من فقدان السيطرة على الإقليم كله إذا هُزم الغرب في أوكرانيا.
الحرب أصبحت مرجّحة لأن التعويض «الممكن» الوحيد عن خسارة الحرب في أوكرانيا هو في الشرق الأوسط، بعد أن فشلت الولايات المتحدة في استفزاز وابتزاز الصين.
والمانع الوحيد لكي لا تقع هذه الحرب هو أن ينتصر الغرب على روسيا في أوكرانيا!
باختصار، أصبحت المستحيلات السياسية هي المنفذ و»المنقِذ» الوحيد للولايات المتحدة لكي لا تتورّط وتورّط منطقة الإقليم في حرب ستكون مدمّرة على أوسع نطاق، وفي حرب المنتصر فيها سيخرج مهزوماً من شدّة الدمار.