حسن البطل - النجاح الإخباري - دقيقتان أو عشر دقائق كافية لسرّ الاحتجاب، وفي سالف العصور، كان الكسوف والخسوف يمحوان الحدود بين العاقل والجاهل.. فيدخل الناس في لوثة من الجنون.
اللوثة هي اللوثة، طقس تتبدّل عاداته مثل عادات الزفاف، غير أن كسوف نهاية القرن والألفية جعل للوثة الجنون نكهة لوثة الولع.. عندما يستر قمر الأرض العري الفاضح الأزلي لأمّنا الشمس، دقيقتين أو عشر دقائق، تقوم أقمار أطلقها الإنسان لتنقل صورته وصوته؛ مآسيه وأفراحه في اللحظة ذاتها إلى كل بيت، بنقل صورة الشمس التي تلد شمساً خلال دقيقتين أو عشر دقائق. دببة القطب، ثعالب الغابة، خفافيش الكهوف.. وأسود السهوب، تبقى في طقس الإنسان القديم: قيامة عابرة لا تكفي سوى لصحوة طرح السؤال.
خمس سنوات من العقد الأخير، للقرن الأخير الذي يسبق الألفية الجديدة، جعلت الإنسان يعيش جملة من مراسيم هذا الكون النابض:
*  مذنّب هالي، الذي يُلقي السلام على كوكب الأرض، مرة كل 76 عاماً، ألقى سلامه الأخير في هذا القرن.. قبل سنوات قليلة.
*  مذنّب هالي - بوب، الذي يلقي السلام على كوكب الأرض، مرة كل 2400 عام، ألقى، العام الفائت، سلامه الأخير طيلة شهر تقريباً على مخلوقات نصف الكرة الشمالي.
* .. وأخيراً، الكسوف والخسوف اللذان سبقا ولادة الأشنات الخضراء، والطحالب، وكائنات الخلية الواحدة، صارت أقمار الإنسان (TV5) تجعلهما طقساً من الولع البهيج من القطب إلى القطب.
على الأغلب، نزح المجوس من قلب آسيا إلى أقصى شرقيها وهم يجدّون في إثر ظاهرة كونية، لعلها «مذنب هالي» مثلاً. عندما غرب المذنب وراء الأفق ولد إنسان حمّلوه وزر النبوءة.. حتى هرب من وزرها إلى صليب العذاب. ومع ولادته، بدأ توقيت ميلادي موحّد لتاريخ الإنسان. وعندما ألّفت سنواته، قالوا: تؤلِّف ولا تؤلِّفان؟!

كسـوف آخـر
شيء في مثل لزوجة روث البقر؛ وفي مثل لونه يضعونه، عشيّة يوم، في باطن كفّ الكاعب الحسناء، التي ستغدو.. عشيّة اليوم التالي، عروساً مسربلة بالأبيض. شيء يسمّونه الحنّـاء.
في صباح الزفاف، تغدو هذه الحنّـاء أشبه ببعر الماعز، وفي مثل لزوجته.. لكن ذلك اللون يبقى أسابيع على باطن الكفين؛ وعلى أظافر الأصابع يبقى شهراً أو شهرين.
لون ناري خامد ينزاح عن بياض الأظافر ببطء شديد، منذ أن تتحول الكاعب البكر إلى امرأة حسناء.. وقبل أن يغرب لون الحنّـاء عن أظافر الإبهام.. يتكوّر بطن المرأة.
المرأة شمس لا تلد شمساً، ولكنها حياة تلد الحياة.
قبل الحنّـاء أو بعد الحنّـاء، لا تعود البنت هي البنت، ثم لا تعود الأنثى إلاّ في هيئة أُمٍّ صغيرة. قبل ليلة الحنّـاء، تحمَـرُّ الوجوه حياءً من إيحاءات الكلمة ومن خيال الفعل، ومن ثمّ يذهب الحياء الأنثوي إلى باطن الكفين.. ثم يذهب إلى أظافر الأصابع العشر.
شتّى أنواع حديثة لطلاء الأظافر لا تشبه ألوانها لون الحنّـاء، كما لا يشبه لون شروق الشمس لون غروبها.

طقـس أنثـويّ
الشعر بروتين أسود صافٍ، وأظافر الأصابع بروتين آخر أقل صفاءً. صاروا يبنون الأظافر الهشّة بشيء من مادة صناعية.
لم يعد طقس الكسوف كما كان. طقس الكسوف صار طقساً للولع، ولم يعد طقس الحنّـاء كما كان. لم يعد لون طلاء الأظافر هو اللون القديم. فلأدخل في طقس آخر:
نحن نجرّب حبر القلم على أية ورقة، وهذه الأنثى اختارت أظفر إبهام يدي اليسرى لتجرب لون طلاء أظافرها.
يوما بعد يوم ينزاح اللون. ولقاء بعد لقاء تراقب الأنثى انزياح هذا اللون: «عندما ينزاح تماماً.. سأهجرك إلى أنثى لأظافرها لون الحنّـاء» هكذا، دخلنا في طقس آخر؛ وفي دورة من ستة أسابيع تقريباً. قبل أن يختفي لون الطلاء تماماً، تأمرني: «ضع يدك على الطاولة» أنصاع للأمر تماماً.. ويخضع أظفر إبهام يدي اليسرى إلى طلاء آخر.. لا يشبه الحنّـاء.
إنه طقس أنثوي سخيف وصغير؟ لماذا لا.. ففي بعض القرى يضعون الحنّـاء في كفّ العريس الذّكَر.. مرة واحدة وأخيرة.
كل ستة أسابيع مرة، وفي الطلاء الثالث قلت: «يوماً ما سأضع الحنّـاء على أظافر أصابع يديك كلها، وأصابع قدميك كلها.. وعلى شفتيك أيضاً، وجفون عينيك.. سأطليك بالحنّـاء».
ضحكة الأنثى هي ضحكة الأنثى، وأحياناً نادرة تضحك الفتاة كما تضحك المرأة.
العاشق العاقل والجاهل.. والمجنون يحبّون ذلك البريق الخاطف على وجه الأنثى. لا يمكنك النظر إلى عري الشمس الفاضح.. إلّا وقت الكسوف. ها أنت تراه وميض شهوة على وجه الأنثى!
حسن البطل