د بسام سعيد - النجاح الإخباري - اكاديمى وباحث 
درس كثير من المستشرقين الغرب المجتمعات العربية،  وأثار اهتمامى ان يدرس  يابانى من شرق آسيا يسمى " نوبو اكى نوتوهارا " والذى الف كتاب وقع بين يدى وانا أطالع الانترنت سمى بعنوان :العرب - وجهة نظر يابانية ،  ارتايت ان استعرض بعض ما جاء به بشكل موجز ، فبرؤية قد نتفق أو نختلف مع القليل أو الكثير من جوانبها ، يمكن الاشارة الى ان نوبو عاش فى الوطن العربى فى رحلة امتدت أربعين عاما كانثروبولوجى وباحث  درس اللغة العربية وآدابها وابحر فى المحيط العربى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وانسانيا ، حيث زار معظم الدول العربية وعايش أجيال وثقافات مختلفة انعكست على كتاباته حيث خالط الأكاديميين والمثقفين  الرسميين وتغلل فى نسيج الحياة العربية و التى يكشف عنها المواطن العادى والمثقف غير المبرمج برمجه رسمية .

نوهوتارا رأى المجتمع العربى بعيدا عن ثقافة العداء تجاة الثقافة العربية ، فليس بين العرب واليابان تاريخ صراع ، كالحروب الصليبية ،  من هنا استطاع أن يرى السلبيات المعيقة ، لكنه لم يغفل عن رؤية الإيجابيات. 

لقد ربط فى كتابه بين " كارثة القمع وكبت الحريات " وبلوى الشعور بالمسئولية،  حيث رأى ان الخوف ، كابرز نتائج للقمع ، هو معوق كبير لسوية ونماء الإنسان العربى ، ويقول : من يعرفون البلدان العربية قرأوا عن السجون ، من خلال الكتب والصحافه العالمية وبعض جماعات المعارضة الصغيرة ، وعندما تسأل عن موقع سجن ما ، فإن من تسألهم يصابون بالذعر ، ولا يجيبون ويهربون كأنهم واجهوا غولا شريرا ، أما الادهى فهو خوف الناس من رجال الأمن سواء كانوا من شرطه عادية أو شرطه سرية ، عملا بمقوله الحيطان لها آذآن  !!!

 المهم هنا أن ما يتعلق بالقهر والظلم والخوف فى المجتمع العربى - ليست فى غرابة أو جسامة ألوان هذا الخوف أو ذلك القهر ، بل فى علاقة القهر والخوف بانسلاخ الفرد عن الاحساس بالانتماء للمجتمع ، وللقضايا العامه ، بل وللملكية العامه أيضا- ويحكى نوتوهارا أنه زار صديقا عربيا فى عاصمة عربية، وعندما وصل إلى الحى الذى يسكنه هذا الصديق فاجاته القاذورات والنفايات المنتشرة  بعشوائية على الأرض،  وعلى مدخل البناية المهمل كما الدرج والشارع ، أما فى داخل بيت الصديق فكان البيت نظيفا ومرتبا  ومريحا وانيقا " استنتج نوتوهارا مما رآه ان كل ما يخص الملكية العامه يعامله الناس كعدو مكروة فينتقمون منه ، وهذا ما نراه فى الواقع من تعد على المال العام فى الحدائق العامه وتهشيم للمقاعد والمصابيح وما يمارس فى المؤسسات الحكومية من اهمال وتسبب  إلى حد الاغتراب !

ويقول فكرت فى هذه الظاهرة وفهمت ان المواطن العربي يقرن بين الأملاك العامة والسلطة  الحاكمة ، ومن هنا ينتقم سلبيا من السلطة الحاكمة القمعية وينفس عما فى اللاشعور فيدمر بانتقامه وطنه ومجتمعه،  ويرصد صديقنا هنا عجرفة السلطات فى بعض المطارات العربية ، وعدم احترام المواطن والوقت ، وإهمال مشاعر الناس ، والواسطه   ، وابوية السلطات بشكل يهين المواطن ، وكذلك رصد العنف الممارس ضد النساء والأطفال ويستهجن كيف يقبل الناس بالسلوك المسيطر من قبل القوى على الضعيف !!

ويتحدث نوتوهارا عن ازدواجية المواطن العربي بين ادعاء الشئ ونقيضه،  واعتبار المظاهر بديلا عن الجوهر فى الأخلاق والتقاليد والمعامله وهذا نوع من الرياء والقمع والخداع  .

ولا بد من الإشارة هنا إلى اعجاب نوتوهارا بالبادية و التى تتجلى فيها صرامة المواجهة و " وضوح الأخلاق " والحكمة فى التأخى مع البيئة القاسية ومن مواجهة للطبيعه بلا غطاء ولا حواجز ومن هنا تاتى الصلابه والشجاعة حسب قوله .

واخيرا يتسائل عن الثقة لدى المواطن بعدما رصد الواقع العربى ويقول : هل يثق المواطن العربي باحزابه السياسيه وحكامه ؟ وهل يثق بالصحافة،  والقضاء ، والقوانين العامه ؟ وهل يثق العاملون باداراتهم وأرباب عملهم ؟ وهل يثق الفلاح بالتاجر الذى يشترى محصوله ؟ وهل يثق المشترى بالبائع؟ فالثقة لا تورث ولكنها تنمو برعاية المجتمع!

هذه البانوراما النقدية ينبغي أن نتوقف أمامها وتقدير صدقها وان نلتفت إلى واقعنا والتخلص من المظاهر السلبيه التى يعيشها مجتمعنا و التى اختفت فى المجتمعات المتحضرة  بفعل حرية الإنسان فكرا وممارسة  فمتى تختفى فى مجتمعاتنا  ؟؟.