نابلس - عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - جمهورية فنزويلا البوليفارية أسوة بدول أميركا اللاتينية تعتبر وفق المفاهيم والمعايير الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية تاريخيا جزءا من الحديقة الخلفية لها. ومنذ استقلال أميركا، وتبنيها خيار التوسع الاستعماري منذ القرن الثامن عشر، وهي ترى في جمهوريات الموز الأميركية الجنوبية مجالها الحيوي في الجزء الغربي من العالم، وأثناء الحرب العالمية الثانية أعدت أميركا خططها للانتقال والتوسع بحيث يشمل استعمارها كل العالم بقاراته المختلفة. ومع بداية النكوص والتراجع في مكانة أميركا العالمية في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، وهزيمتها في أكثر من جبهة وساحة، رغم انها مازالت الدولة الأكثر تفوقا في العالم من الزاوية العسكرية، عادت لترتيب شؤونها في القسم العربي من العالم بحيث تحافظ على ماء وجهها أمام حلفائها، وأمام شعبها ومؤسساتها وأباطرة راس المال العالمي. 
ما تقدم يصب مباشرة في التطورات الدراماتيكية، التي تشهدها جمهورية فنزويلا البوليفارية بقيادة نيكولاس مادورو، الرئيس المنتخب في آب الماضي، الذي أدى القسم في العاشر من الشهر الجاري، ويعتبر الامتداد الطبيعي لحكم الرئيس الراحل، هوغو تشافيز البطل اللاتيني المعاصر، وحامل لواء الفقراء والمعدمين في اميركا الجنوبية خصوصا والعالم عموما، الذي ترجل عن مواكبة الحياة في الخامس من آذار 2013. وتسلم الراية القائد الثوري الجديد، نيكولاس مادورو في ابريل 2013، وثم تم التجديد له في ولاية ثانية، مما آثار ردود فعل رعناء في الولايات المتحدة عموما، وإدارتها المارقة والمهزومة، إدارة ترامب الهمجية، ودفعها للإعلان مباشرة، أنها لا تعترف بمادورو رئيسا لفنزويلا، وأعلنت بلسان جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، انها ستعمل لتقويض حكمه باسم "الديمقراطية" والدفاع عن "حقوق الإنسان" الأكاذيب المفضوحة والعارية، التي لم تعد تنطلي على أحد من بني الإنسان. كما ان اميركا تدفع الأمور تجاه ارتكاب مغامرة جنونية من خلال شن حرب على فنزويلا، مما يفاقم من حدة التطورات الجهنمية في البلاد، ويعمق الأزمة، ولا يحلها بأي حال من الأحوال.  
ولهذا ما أن أعلن جوان غويدو، رئيس البرلمان اليميني المعارض يوم الأربعاء الماضي الموافق 23 كانون الثاني الحالي بأنه الرئيس الانتقالي والشرعي، حتى اعلنت الإدارة الأميركية الاعتراف به مباشرة، وهو ما يكشف المؤامرة الخبيثة المعدة سلفا من قبل إدارة ترامب ومن يتماهى معها من دول اوروبا واميركا اللاتينية. وإثر ذلك انقسم العالم بين مؤيد ومعارض للانقلاب، الذي يقوده الشاب المغمور (35 عاما) على قائد الشرعية القومية الفنزويلية، مادورو. ولم يكن الانقلاب مفاجئا للرئيس الشرعي، حيث أعلنت المؤسسات الرسمية الفنزويلية إمكانية قيام رئيس الجمعية الوطنية بإعلان نفسه رئيسا للبلاد. لا سيما وان المعارضة الفنزويلية المأجورة، والتابعة للولايات المتحدة واجهزتها الأمنية قامت قبل خمسة شهور بمحاولة اغتيال الرئيس مادورو أثناء إلقاء خطاب في مناسبة قومية، وفي 21 من الشهر الحالي حاولت مجموعة مأجورة من الجيش الفنزويلي، تعمل مع المعارضة الانقلاب على الشرعية، غير انها باءت بالفشل، وتم وأدها فورا من قبل مؤسسة الجيش الفنزويلي.
ولم يكن الموقف الأميركي والرأسمالي الغربي عموما وليد الصدفة، انما يستند إلى حقائق علمية، ويرتبط بمصالح تلك الدول وخاصة أميركا الفاشلة، حيث ان فنزويلا تعتبر بالأرقام، هي الدولة، التي تمتلك الاحتياط الأول في مجال النفط عالميا، وتتفوق على المملكة العربية السعودية، التي لايزيد مخزونها النفطي عن 269 مليار متر مكعب، في حين تختزن فنزويلا في آبارها الجوفية ما يقارب ال299 مليار متر مكعب من النفط، كما انها تمتلك ثروات ومعادن ومياه عذبة بكميات كبيرة. ولهذا عملت، وتعمل أميركا على تقويض حكم الثورة البوليفارية بكل الوسائل من اجل نهب ثروات البلد، وحرمان شعبه من خيراته وعائداته النقدية. 
وللاعتراف الأميركي السريع برئاسة غويدو سبب رئيس يمنحها الحق بتحويل الأموال والأرصدة له، كي يشتري ذمم العسكر وغيرهم من النخب السياسية والاقتصادية لتقويض سلطة مادورو الشرعية. لكن وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو رفض الانقلاب، وقال "جنود الوطن لا يقبلون برئيس فرض في ظل مصالح غامضة، أو أعلن نفسه ذاتيا بشكل غير قانوني، الجيش يدافع عن دستورنا، وهو ضامن للسيادة الوطنية". وهو ما يشكل ضربة قوية لخيار إدارة ترامب ومن لف لفها من دول الغرب الأوروبي وأميركا اللاتينية. 
ومع ذلك الاعتراف الأميركي ليس كل شيء، لأن هناك اقطابا ودولا ليست مع الخيار الاستعماري الأميركي وخاصة روسيا الاتحادية والصين والمكسيك، بالإضافة لكوبا كاسترو. وقد اتصل بوتين بالرئيس الشرعي، مادورو، وابلغه وقوف روسيا إلى جانب الشرعية، وادانت روسيا التدخل الأميركي الفج في الشؤون الداخلية لفنزويلا المستقلة. كما أعلنت فلسطين وقوفها المباشر إلى جانب الشرعية الفنزويلية، التي يمثلها مادورو. كما ان الرئيس الشرعي الفنزويلي، اعلن مباشرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وأعطى الدبلوماسيين الأميركيين 72 ساعة لمغادرة كراكاس العاصمة. 
التطورات العاصفة في فنزويلا تقف خلفها الولايات المتحدة مباشرة، وهي تتناقض مع الشرعية الدولية، ومع مواثيق الأمم المتحدة، وسيادة واستقلال الدول الأعضاء فيها. ولكن أميركا المهزومة تبحث عن فريسة جديدة لتعوض هزائمها في العالم وخاصة في الشرق الأوسط الكبير، وجنوب شرق آسيا وأوكرانيا، وحتى داخل اوروبا. الأمر الذي يدعو كل نصير للسلام ولإرادة الشعوب، الوقوف بصلابة مع الرئيس الشرعي، مادورو وفنزويلا الحرة والأبية لرد كيد أنصار الارهاب في اميركا وبقاع الأرض المختلفة. 
      [email protected]