الدكتور ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

لم يتبق من حل الدولتين إلا مواقف دولية هزيلة غير مؤثرة ، وقرارات دولية غير قابلة للتنفيذ. وقانون للتسوية وشرعنة الإستيطان والإحتلال لأكثر من 4000 مستوطنة غير شرعية علما ان كل المستوطنات المبنية على الأراضي الفلسطينية غير شرعية بحكم العديد من القرارات الدولية وأخرها القرار الأممي رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن ، وبإمتناع الولايات المتحدة عن التصويت مما يعني ان القرار له صفة دولية كبيرة ، ورغم التناقض فيما تصدره إسرائيل من قوانين مع القانون الدولي ، فإن الوقائع على الأرض تؤكد ان حل الدولتين لم يعد قابلا للحياة ،فإسرائيل اليوم تسيطر على ما يقارب من ستين في المائة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والتي تعرف بالمنطقة ج، وهي ما تحاول إسرائيل تجاوز الزمن ومصادرتها لاكتمال المشروع الإستيطاني ، جاعلة مفهوم الدولة الفلسطينية مجرد سراب سياسي. وللتأكيد على ان حل الدولتين لم يعد قائما نشير إلى مقومات أي دولة :التواصل الجغرافي على مساحة معترف بها ، وهذا غير متوفر، السيطرة على الموارد الطبيعية والبشرية وأيضا غير متوفر، وسلطة لها صلاحيات سيادية غير متوفرة ، يبقى العنصر الذي يقف وراء التفكير في بديل لحل الدولتين هو العنصر السكاني الفلسطيني او الشعب الفلسطيني والذي نجح في الحفاظ على هويته الوطنية والحضارية والتاريخية ، ونجح في التوالد الذاتي ليتحول إلى قوة لا يمكن إقصاؤها أو تهجيرها، لذلك الدافع وراء حل الدولتين عنصران ألأول الحيلولة وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية في قلب الضفة الغربية على مساحة تقارب العشرين في المائة ، وإذا ما تجمع عنصر الأرض مع العنصر السكاني فهذا يعنى بالنسبة لإسرائيل تهديدا مباشرا ، ويحول دون تحقيق هدفين إسرائيليين ،هدف التمدد الديموغرافي ، وهدف التمدد الأمني ،وتحقيقا لهذين الهدفين لا بد من البحث عن حل يأخذ في الإعتبار هذين الهدفين. في ضوء ذلك يطرح الان العديد من التصورات لبديل حل الدولتين ،ومن هذه البدائل:

دولة غزة

هذا الحل يتوافق مع ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة، فمن ناحية يحقق للفلسطينيين ما يريدون من دولة ، ومن ناحية ثانية لا تشكل هذه الدولة أي تهديدات بالنسبة لإسرائيل، لصغرها والتحكم في مخارجها ومنافذها، والتحكم أيضا في مواردها. وتتوفر لهذه الدولة كل الإمكانات عنصر السكان والتواصل الجغرافي والسلطة ، وما تحتاجه هذه الدولة فقط إعترافا إسرائيليا ودوليا يتوقف على إلتزام السلطة في غزة او حركة حماس المسيطرة والمهيمنة على غزة بنبذ العنف ، وإتفاق هدنة طويل الأجل. وتعتبر غزة بمعايير الدول دولة صغيرة أو قزمية ، هامشية او طرفية ، وتفتقر للعمق الإستراتيجي للدول، مما يجعلها دائما دولة تابعة لغيرها. قد تحقق غزة نواة لدولة إسلامية بمرجعية إخوانية تلقى التأييد من قبل دول كقطر وتركيا وحتى الولايات المتحدة وما يتم إنجازه من مشاريع لتوليد الكهرباء والمياه ومستقبلا ميناء يصب في هذا الخيار ، وبالتالي يتحقق الهدف المزدوج من دولة غزة حاجة فلسطينية ، وحاجة إسلامية ، وهذا الخيار يتوافق أيضا مع الخارطة السياسية الجديدة التي يعاد فيها رسم الخريطة السياسية للمنطقة ، والتي يعاد تقسيمها على أسس إثنية وعرقية ودينية ، وغزة نموذجا لها.وتذهب رؤية إسرائيل وفقا لدراسة أيلاند مدعومة بتأييد أمريكي أن تقدم مصر لغزة ما مساحته 12 في المائة مقابل التنازل عن نفس المساحة في الضفة الغربية لصالح إسرائيل. أما مصر فستحصل مقابل ما تنازلت عنه مساحة متساوية من الأرض في صحراء النقب المحتلة. وعلى لدول العربية ان تكون جزءا من هذه التسوية.

الحل الإقليمي: فيدرالية أردنية فلسطينية

وهذا الخيار يتوافق والفكر الليكودي الذي يرفض فكرة الدولة الفلسطينية ، ويؤمن بفكرة الوطن البديل وهو الاردن، لكن مع تعديلات تجمع بين مفهوم الدولة الفلسطينية والدولة الأردنية ، فالدولة الفلسطينية يمكن ان تتحقق من خلال هذه الفيدرالية . ومن خلال هذا الحل يمكن التغلب وإيجاد الحلول للعديد من القضايا المركبة كقضية اللاجئين والذين سيجدون لهم دولة جديدة ، وقضية القدس ، وقضية الحدود. وهنا يعتبر إتفاق وادي عربة هو الإتفاق المنظم للعلاقة الجديدة مع الدولة الجديدة التي ستخلق بناء على هذه الفيدرالية، فالفيدرالية تعني قيام شخصية دولية جديدة لها كافة السلطات السيادية في مجال الجيش والسياسة الخارجية ، وتبقى كل وحدة لها سلطاتها المحلية في مجال التعليم والشرطة ،والقضاء، وتتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي ، وبهذا الخيار تتغلب إسرائيل على فكرة الدولة الفلسطينية ، وتجد حلا لمشكلة التفوق الديموغرافي الفلسطيني ، والتمدد ألأمني ، وتوسيع فكرة الحدود ألآمنة لإسرائيل. ويمكن أن تضاف لهذه الدولة الفيدرالية كما يرى أيلاند غزة ، ومن ثم تتكون من ثلاث وحدات ، مع الإحتفاظ بخصوصية كل حالة . ويضمن هذا الخيار تفوق الأردن بإعتبارها المكون الاساس او الرئيس لهذه الفيدرالية . وتلقى هذه الفكرة الآن قبولا لدى الإدارة الجديدة التي ترى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس عبر قيام الدولة الفلسطينية ، وإنما عبر الحلول الإقليمية ، وهذا ما يفسر عدم معارضة الولايات المتحدة للإستيطان الإسرائيلي ، وفى هذا السياق فإن إستمرار البناء الإستيطاني لم يشكل عائقا في طريق قيام هذه الفيدرالية الجديدة. ويحقق هذا الخيار لإسرائيل ما تريد فمن ناحية تتخلص من القضية الفلسطينية بشكل نهائي ، وتصبح العلاقة الجديدة بين الاردن وإسرائيل، وتتخلص من فكرة شعب فلسطيني تحت الإحتلال بإكتسابه المواطنة الجديدة للدولة الجديدة. ومن ثم تتخلص إسرائيل من العبء السكاني الفلسطيني ، وتظهر امام العالم أنها قد استجابت للرغبة الفلسطينية في قيام الدولة. هذا هو البديل الإقليمي الذي تسعى إسرائيل بدعم أمريكي لتبنيه في المرحلة القادمة ، وفي الوقت ذاته ستقوم الدول العربية بتقديم كل المساعدات المالية اللازمة لإنجاح هذا المشروع من حيث دمج اللاجئين، وبناء البنية التحتية اللازمة لإستيعاب الشعب الفلسطيني , وقد يتوافق هذا الخيار مع التحولات والمتغيرات الجديدة في النظرة لإسرائيل، والتي من خلالها يمكن إستيعاب إسرائيل في النظام الإقليمي الجغرافي العربي ، وتطبيع العلاقات معها.

خيار دولتين على نفس الأرض

وهذا الخيار من الحلول الإبداعية أو ما يسمى التفكير خارج الصندوق والتفكير التقليدي ، وتقوم الفكرة على الحفاظ على وحدة الأرض، ويمكن تقاسم فكرة الدولتين على نفس الأرض، بمعنى شركاء في الأرض شركاء في الحياة ، اي يكون هناك فلسطين وإسرائيل متوازيتان ومتداخلتان وتمتدان من نهر الأردن حتى البحر المتوسط. ووفقا لهذا الخيار تنتفي صفة الصراع على الأرض، وينتهي الإحتلال، وضمان حرية التنقل للجميع ، وحرية العمل، والفكرة هنا تطبيق السلطة حيث يوجد المواطن الفلسطيني او الإسرائيلي ، وستختفى فكرة الحدود، وسيكون لكل وحدة سلطتها القضائية ، وسيشارك سكان المنطقة بتحديد السلطة القائمة عليهم بالإنتخاب، وتحتفظ كل منها بحكومتها ، وتبقى القدس عاصمة لدولتين، ويتم حل مشكلة اللاجئين بالتدريج والتوطين.

هذا الخيار لا يخرج عن كونه خيارا نظريا لا تستجيب له الوقائع على الأرض، ولا الطموحات القومية . واخيرا يبقى الخيار الثاني هو الأقرب لما تريده إسرائيل، وهو الخيار الذي يلقى تأييد الإدارة الأمريكية الجديدة . والسؤال هل يملك الفلسطينيون والعرب الرفض؟

[email protected]