بشار دراغمة - النجاح الإخباري - في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الفلسطينية تعقد جلستها في مقر محافظة القدس في بلدة الرام، وتقرّ خطوات دعم أهالي القدس وتعزيز صمودهم، كانت تحركات أخرى وخلوات تجري في مقر المقاطعة في مدينة رام الله استعدادًا لاجتماع القيادة في ساعات المساء.

حالة التناغم التي كانت سائدة، وتتابع الخطوات والقرارات المتتالية التي تأتي من الرام ورام الله تؤكّد أنَّ التطورات تسير بتسارع كبير لا يحتمل التأجيل، وهو ما دفع القيادة لتقديم موعد اجتماعها إلى الثلاثاء بدلًا من الأربعاء.

على الأرض ماذا يعني إقرار الحكومة رزمة من البرامج والخطوات الفورية بهذا الحجم وبهذا الشكل والتوزيع وبهذه الحصص؛ لدعم صمود القدس وأهلها والإعلان عنها من محافظة القدس، وماذا تعني دعوة الرئيس إلى الغضب بوجه المحتل والتظاهر عن نقاط التماس رفضًا للوضع الجديد في المسجد الأقصى، وماذا يعني تأكيده مجددًا على قطع الاتصالات مع الاحتلال والإعلان صراحة هذه المرّة أنَّها تشمل التنسيق الأمني؟

فيما يتعلق بقرارت الحكومة فقد جاءت مدروسة ووفق توزيع فيه من الرسائل ما يكفي ليدرك الاحتلال أنَّ الأمور لن تكون سهلة كما يتوقع، فكان أوَّل قرارات الحكومة التأكيد على أهمية "اللجنة العليا للقدس" وتنفيذ سلسلة الدعم التي تمَّ إقرارها عبر اللجنة العليا، وفي ذلك مغزى بأنَّ القوَّة العسكريَّة المتحكمة في القدس لن تكون عائقًا أمام الفلسطينيين في مواصلة مسيرة دعم القدس وفق الخطوات التي ترسمها القيادة وليس كما يريد الاحتلال، حتى أنَّ لجنة طوارئ التي شكلتها الحكومة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كلّ من وزير الماليّة والتخطيط ووزير شؤون القدس، تعمل بالتنسيق مع اللجنة الوطنية العليا لشؤون القدس.

ركزت الحكومة على توزيع المبالغ المخصصة لدعم صمود القدس والبالغة (25) مليون دولار، بطريقة ذكية توصل رسالة للاحتلال بأنَّ المقدسيين متمسكون في أرضهم وبيوتهم ولن يتخلوا عنها مهما كان الثمن، فتم تخصيص (15) مليون دولار لدعم قطاع الإسكان وترميم البيوت في مدينة القدس.

كما حرصت الحكومة على جعل أسواق القدس عامرة، وشجَّعت التُّجار على فتح محالّهم واستمرار الحياة بشكلها الاعتيادي تزامنًا مع الوقفات الاحتجاجية التي يتمُّ تنظيمها وأن لا تكون الوقفات على حساب استمرار حياة المقدسيين، وعليه تمَّ تخصيص دعم لتجار البلدة القديمة في القدس. 

وأبدت الحكومة اهتمامها بالحياة التعليمية للسكان المقدسيين وأقرَّت  دفع الأقساط الجامعية للفصل الأول من العام الدراسي (2017-2018) لطلبة البلدة القديمة الملتحقين بالجامعات أو الطلبة الجدد الذين سيلتحقون بالجامعات، بالإضافة لدعم مراكز جامعة القدس في البلدة القديمة، بالتزامن مع الاهتمام بالجوانب الدينية والصحية والاجتماعية، وهو تأكيد على التمسك بكل المؤسسات الفلسطينية في القدس أيضًا.

ما قامت به الحكومة هو تطبيق عمليّ وذكيّ لما يفكر به الرئيس محمود عباس، فخيار التوجه إلى التصعيد مع الاحتلال سيكون المقدسيون رأس حربته، ولا يمكن أن يكونوا كذلك دون تثبيتهم في أرضهم ودعم صمودهم وتأمين متطلباتهم الأساسية في مختلف مناحي الحياة، ودائمًا كان المقدسييون على قدر الرهان، لكن يبقى السؤال ماذا تريد القيادة الآن، وإلى أين ستصل الأمور؟.

الظرف الراهن هو الحلقة الأقوى لاستعادة الوحدة الوطنية، وإجبار حماس على النزول عن الشجرة واللحاق بمسيرة الوحدة، وكل ما تقوم به القيادة سواء على صعيد الرئاسة أو الحكومة يسير بهذا الاتجاه لضمان التفاف الكل الفلسطيني حول قضية القدس، ويوم أمس أشادت الفصائل بما فيها حركة حماس بخطوات القيادة في دعم صمود المقدسيين، ولا ينقص حماس الآن إلا اتخاذ القرار، وحتى التنسيق الأمني الذي كانت حماس تقول إنَّ الرئيس محمود عباس يعتبره "مقدسًا" تخلى عنه، وأزال جميع الذرائع من أمام الحركة لطيّ صفحة الانقسام، أما الخطوات الأخيرة التي اتخذها في قطاع غزة فهي خطوات مؤقتة يتمّ التخلص منها إذا ما قررت حماس إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

إذًا حركة حماس الآن أمام اختبار حقيقي إذا ما كانت ستختار القدس والوحدة الوطنية أو تمضي في محاولتها الأخيرة لإيجاد اتفاقات جانبية تطيل قدرتها على التعايش مع الظروف الراهنة لفترة أطول.