سما حسن - النجاح الإخباري - لم أكن أتوقع أنني سوف أجلس هذه الجلسة ما بين ترقب وتوجس، وأكتب عن يومياتي في بيتي عن العزل المنزلي بسبب وباء كورونا، بعد أن ظللت لسنوات أكتب بشكل يومي، من خلال موقع فيسبوك عن يومياتي مع أولادي في ظل الحصار الضارب على غزة منذ سنوات.

توقعت أن فيروس كورونا المستجد سوف يحيد عن غزة المثقلة بالوجع، وقد مرت الأيام السابقة صعبة علينا أكثر من أي وقت مضى، وشعرت مع أولادي، وكل من حولي من جيران وأحبة أتواصل معهم على الدوام، بأن هذه الأيام أثقل مما اعتدنا، فهناك حرارة الجو المرتفعة على غير المعتاد، وهناك أزمة انقطاع الكهرباء العتيدة والمصرة على تنغيص ليالي الصيف الجميلة، والتي تليها أزمة شح المياه الصالحة للشرب والاستخدام اليومي.

غلطة الشاطر بألف، وربما ليست غلطة أو خطأ في الإجراءات الاحترازية مما تسبب في دخول فيروس كورونا إلى غزة، والتي كانت تصنف كأنها "كوكب آخر" فلم تسجل فيها أي حالات داخلية منذ بدء انتشار الوباء في العالم، باستثناء الحالات التي كانت توضع تحت الحجْر الصحي عند العودة من خارج القطاع.

أفقت على واقع أليم، وعلى حقيقة طالما حاولت الهروب منها، وهي أن "كورونا" سوف يصل إلى غزة لا محالة، فالخطأ الذي حدث هو سبب لنتيجة متوقعة ومهما بالغنا بالحرص، وها هو "كورونا" يتجول في شوارع وأزقة غزة، حسب تعبير وسائل الإعلام.

اليوم نعود للإجراءات الاحترازية والوقائية التي تخففنا منها، ويبدو أن التخفف منها ما كان إلا لضيق ذات اليد عند الناس، فهذا الشعب المنهك اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً تكالبت عليه الظروف السياسية والصراعات المحيطة، والخطر يهدد حياة أبنائه، وهناك عدم الشعور بالأمان وهذا وحده يؤدي لمشاعر القلق والتوتر على الدوام، ولا يمكن أن تستقر مناعة أي جسم وتقوى وتتحفز للمقاومة وهناك القلق والتوتر يعتمل بها، فهذه المشاعر السلبية باستمرار كفيلة بأن تهدم أقوى بنيان جسدي أمامها.

ها أنا اليوم أقف في الشرفة أتأمل الشوارع الخاوية وألمح من خلف الشبابيك والشرفات القلوب الراجفة، أعلم ما يعتمل في عقل وقلب كل مواطن في غزة، فأنا ابنتها وأمضيت ما يقرب من النصف قرن فيها. أعلم كل ما مر بنا من أحداث وظروف، وأتخيل أن غزة بأهلها مثل خزان الماء الضخم فوق سطح بناية، هذا الخزان المهمل الذي يضخ الماء للأسفل ويصل إلى صنابير الماء في البيوت لا أحد يلتفت إليه، ولذلك لم يشعر به أحد حين أصابه ثقب صغير. هذا الثقب ربما هو اهتراء بفعل الزمن أو أن رصاصة أصابته مثلما كان الرصاص الحي يصيب خزانات المياه فوق البيوت في زمن الانتفاضة الأولى، وأثناء اجتياحات المدن قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة.

الآن هذا الخزان الضخم تتسرب منه المياه قطرة قطرة، ولا أحد يفكر بصيانته أو إصلاحه، ولكن منسوب الماء الذي ينزل منه إلى الأسفل حيث الصنابير الفضية اللامعة في البيوت يقل، والجميع يتشاغل، حتى تقع الواقعة ويفرغ الخزان من الماء ويتلفت الجميع إلى الأعلى صوب الخزان الذي كافح طويلاً حتى انهار.

الحياة في غزة تنسحب ببطء من صدور أهلها، وها هو اليوم فيروس كورونا يغزو أهلها الذين أنهكهم الفقر والحصار والاقتتال والانقسام، والذين لا يملكون بنية صحية مناسبة لاحتواء أو إنقاذ الناس في حال إصابتهم بالأعراض الخطيرة وغير الخطيرة للفيروس المستجد.

نراهن على أن شعب غزة هو شعب فتي في مجمله "70% من سكانه هم من الشباب والأطفال"، ونراهن أن هذه البنى الفتية سوف تصمد طويلاً أمام اجتياح فيروس كورونا، وندعو الله أن يكون وعي المواطن أكبر وأقوى من أي استهتار أو يأس، فغزة هي الآباء والأمهات الذين يجب أن نحرص عليهم، وأصحاب الأمراض المزمنة كثر للأسف، ومن يتعايشون مع هذه الأمراض بالأدوية التي تصرفها المؤسسات الصحية للأونروا هم الأجداد والجدات أيضاً، فاكهة و"نوارة" البيوت، ولذلك يجب أن نحرص عليهم، يجب أن نلتزم بيوتنا ونغسل أيدينا بالماء والصابون وما تيسر، وأن نتباعد ما استطعنا لذلك سبيلاً، فغزة أم الانتصارات لا يجب أن تهزم أمام فيروس اسمه كورونا.