أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كان واضحاً منذ الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في تونس أن الشعب التونسي يبحث عن رئيس من خارج النظام الأبوي الذي فرضته الأحزاب السياسية والنظام السياسي واللذان جسدا بنظره فشلاً في ادارة ذلك البلد فقد أطاح منذ الجولة الأولى بمرشح الدولة العميقة ووزير الدفاع الدكتور عبد الكريم الزبيدي وأطاح أيضاً بمرشح حزب النهضة التونسية الشيخ عبد الفتاح مورو.

كان يبحث عن رئيس من الشعب وليس من النخبة التي قالت كثيراً ولم تفعل شيئاً سوى صراعات على السلطة كما في كل البلاد العربية التي تنشغل فيها السلطة والمعارضة بالقتال الذي ينبع من فشل التوافق الذي يسود في هذه البلاد لكن تونس التي أشعلت ثورة الياسمين الهادئة وأطاحت برئيسها بشكل سلمي ثم انتخبت رئيساً آخر بهدوء ودون أن ترتبك الدولة ثم توفى هذا الرئيس في ولايته لتُحدث انتقال هادئ خلال الفترة الانتقالية ولتقدم لنا آخر النموذج الناجح الذي تعثر لدى العرب وتعثرت معه الدول والشعوب.

وضعنا الفلسطيني لا يشبهه أي وضع فقد ذهبنا بعيداً في الصراع حد الدم وبالسلاح ولم نحل أزمة استفحلت لأننا مستجدون على علم الحكم والسلطة فأطحنا بها وبنا والمضحك أننا ونحن نراقب انتخابات اسرائيل والولايات المتحدة وتونس وكل انتخابات الكون نضرب ونجمع ونطرح ونغضب ونفرح والأهم نهنئ الشعوب على اجرائها انتخابات ونمنعها عندنا بلا أي شعور بالتناقض بين أن نبرق التهنئة لشعب تونس وأن نمنعها عن الشعب الفلسطيني وبضمير لا يشعر بأي وخزة ومتصالح مع نفسه وسط الكارثة...!

الشعوب لا تصحو فجأة ولا تصنع وتاريخها بالتجزئة وعلى رغبة  الأحزاب والوعي العام لا يأتي بين ليلة وضحاها بل يأتي امتدادا لإرث طويل والآن بات من المؤكد أن الوعي التونسي يتجاوز في أدائه وعي الكثير من الشعوب العربية ومن الممكن أن ننسب الفضل للرئيس المؤسس الراحل الحبيب بورقيبة وهو الرجل الذي أسس للدولة العلمانية والذي هاجمه الأخوان المسلمين في كل مراحل حكمه لنكتشف الآن أن هذا العقل العلماني كان يصنع مكاناً للإسلاميين ويهيئ بيئة سياسية تمكنهم من أن يكونوا جزء من النظام السياسي وها هم أول المستفيدين منها ومن هذا الوعي الذي تراكم منذ عقود.

اختارت تونس أستاذ القانون الدستوري القادم من خارج التجربة وهي تخطو خطوة هامة باتجاه كسر الطواطم التي تعشش في العقل العربي وكسر نظرية الخبرة والشعارات الكبيرة فقد اختارت رجلاً عبر عن نفسه بكثير من الصدق والتواضع رجل لم يحمله حزباً تتغلغل خلاياه في كل المدن وقد تمكن من ازاحة منافسين يملكون قوى ونفوذ وأموال.

ليس للنهضة فضل في انتخاب قيس سعيد فقد نافسته بمرشحها القوي في البداية وأن ما حصل عليه الرجل في دورة الاعادة أكثر من أربعة أضعاف ما حصلت عليه النهضة في البرلمان وهو وزنها الحقيقي لذا فان الرجل مرشح الشعب التونسي البعيد عن القوى والأحزاب وتلك تعطيه قوة ليس فقط في الداخل التونسي بل أيضاً على صعيد الخارج لأنه يتكئ على الشعب وخارج لتوه من تجربة ديمقراطية ومحمولاً على ارادة شعبية حقيقية وليست مزيفة.

سابقاً كانت الشعوب العربية تتطلع لتجارب الغرب الديمقراطية وكيف تغير تلك الشعوب وكيف تزيح أحزاباً تاريخياة وتستولد قوى جديدة وتنتخب رؤساء من خارج النظام السياسي كانت تنظر بعين الغيرة، الآن بإمكانها أن تقارن نفسها مع دولة أقرب مع أول دولة عربية تمكنت من تجاوز العقل الشرقي والطلاق مع هذا الارث الاستبدادي ومرة أخرى تلك مدعاة للقراءة والاستفادة اذا أراد الشرق العربي أن يستفيد من الغرب العربي بدل أن يستمر في غرقه في صراعات القبائل...!!!