نابلس - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - نجح السودانيون بعزل البشير وهو الرجل الذي تربع على حكم السودان لثلاثة عقود مثله مثل الكثيرين من الزعماء العرب وهو الرئيس الذي دفع بالسودان إلى مجاهل الفقر وانهيار الاقتصاد والعملة، والمدهش أنَّه فوق كومة الخراب التي أحدثها كان يريد أن يستمر.

البشير الذي جاء بانقلاب عسكري كان يقف خلفه حسن الترابي الشخصية الإسلامية المعروفة وأحد أبرز قادة الأخوان المسلمين، والذي اختلف معه البشير لاحقاً ووضعه في السجن بعد أن تمكَّن من الحكم، ثمَّ بدأ وضع السودان يتدهور، لكنَّ قبضته على السلطة كانت تتزايد رغم محاولات السودانيين تنظيم حركة احتجاجية لخلعه، إلا أنَّه واجهها بكلِّ العنف الذي تمتلكه أجهزته الأمنية، لكن الشعب السوداني بعد كلّ تلك المحاولات نجح أخيراً.

لقد فاجأنا السودان بقدرة شعبه على خلع البشير لأكثر من سبب أولها أنَّ النظم الشمولية ذات الطابع الإسلامي لا تتورَّع عن قمع المعارضين باسم الدين وبفتاوي شرعية تجعل من أبنائها يعتقدون أنَّ في ما يمارسون من أعمال عنف وقمع وقتل حتى كنوع من العبادة وحماية الدين، والمسألة الأخرى أنَّ هذه النظم تركب أجهزتها القمعية والأمنية من أبناء الأيدلوجيا الواحدة التي لا تسمح بأي تشقق داخلها.

المفاجأة كانت وجود مجتمع سوداني حيّ لم يستطع البشير وحزبه تحطيمه فهناك أحزاب معارضة رغم كلّ ما تعرضت له من قمع واعتقالات وإقصاء وملاحقات، إلا أنَّها ظلَّت باقية وكذلك اتحادات وتجمعات مهنية تمكَّنت من تنظيم التظاهرات وإدارة الاحتجاجات وظلَّت تحرس ثورة الشعب السوداني حتى بعد عزل البشير عندما حاول وزير الدفاع عوض بن عوف الالتفاف بعد عزل الرئيس المخلوع تنصيب نفسه قائدًا للمجلس العسكري لإدارة البلاد وهو أحد أبرز الموالين للبشير رفضت التجمعات ذلك واستمرت في مطالبها إلى أن تمكنت من عزل كل موالي الرئيس السوداني وحزبه.

النتيجة التي يمكن قولها إنَّ حكم حزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان بعد انقلاب عام   (1989) بسنوات قليلة لم يورثها سوى الخراب والفقر، وضحى بالوطن من أجل الحكم حيث تمَّ تقسيم السودان و التفريط بالجزء الجنوبي منها مقابل بقاء البشير وحزبه بالحكم، وهم الأن كما أعلن أنَّ البشير وعدد من قادة الأخوان المسلمين قيد الاعتقال، وواضح أنَّه لم يتمكن لا هو ولا أيّ من قادة الأخوان من مغادرة السودان بعد أن أعلن في اليوم الأول عن إغلاق المجال الجوي.

تمكن السودان بعد الجزائر وهي تجارب عربية تظهر أنَّها استفادت من سنوات العنف الشديد الذي ضرب الإقليم وأدارته دول عديمة الخبرة لينتهي بكلّ هذه المجازر التي شهدناها عندما استعجلت دول خليجية في تشكيل قوى معارضة من المرتزقة ومدتهم بالمال والسلاح لتقضي على ثورات الشعوب في مهدها.

الأن يتقدَّم نموذج جديد يمكن تسميته بالربيع العربي نموذج الجماهير التي تعتصم في الميادين والساحات بشكل حضاري بعيدًا عن العنف وأيدلوجيا القتل وتلويث ثورات الشعوب.

البدايات في السودان تقدم نموذجًا مختلفًا حيث الحضور لجميع فئات الشعب وأحزابه في فك وإعادة تركيب النظام السياسي، فهل سيقدّم السودان تجربة مختلفة بعد ذلك؟ حتى الآن كان يتم الإطاحة بجهة لصالح جهة نقيضة أو لصالح الجيش فهل سيكون هناك نظامًا جديدًا لم تعهده المنطقة؟ الشعب السوداني يقول إنَّ الأمر ممكن!