النجاح الإخباري - المتحدث الجيد هو الذي يعرف أين يتوقف، والمحارب الناجح هو الذي يعرف متى يتوقف، والسياسي الذكي هو الذي يقلل كثيراً من ردود الأفعال الآنية لمصلحة التفكير الملي والحسابات الدقيقة لخطواته.

هذا القول أوجهه بالمقام الأول لحركة حماس في غزة، التي يتعين عليها وهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن ما يجري هناك سواء على صعيد الحياة اليومية للناس التي هي الأسوأ ربما على مستوى العالم كله، وكذلك على مستوى الصراع مع إسرائيل الذي يتأجج هذه الأيام، ولكن على نحو جزئي بفعل حاجة إسرائيل إلى بعض هدوء لتمرير الموسم الانتخابي وفق مبدأ بعد الانتخابات سيكون لكل حادث حديث.

النجاح الذي أحرزه الاخوة المصريون ببلوغ وقف لإطلاق النار رغم ما اعتبرته إسرائيل عملا صارخا ضد أمنها وخسارة معنوية فادحة بوصول الصواريخ قبل أيام إلى ضواحي تل ابيب، إضافة إلى إصابة بيت بصورة مباشرة ما أوقع عدداً من الجرحى ربما يكون هو الأعلى خلال السنوات القليلة الماضية.

المريب في رد الفعل الإسرائيلي هو المسارعة إلى تصديق الروايات التي قالت أن الصواريخ أطلقت بالخطأ، وإسرائيل ليست موضوعية في أمر الإعلان عن أي حدث أمني ينطلق من غزة، فهي تعلن ما تحتاج أن تعلن وتتغاضى عندما تحتاج أن تتغاضى وتبالغ في الضرب عندما تحتاج الى ذلك.

كنت أتوقع ان تقرأ حركة حماس الوضع في إسرائيل جيدا، وأن تتصرف على ضوء تطورات هذا الوضع ويفترض ومن خلال المواجهات الساخنة المتصلة بين حماس وإسرائيل أن تكون الحركة خبيرة ومتمكنة في وعي الموقف الإسرائيلي والقوانين التي تحكم ردود فعله.

كان الأفضل والأكثر ذكاءً أن تعمل حركة حماس بتنسيق دقيق مع المصريين كي تظل الجبهة مع إسرائيل هادئة ومسيطرا عليها، وكان ذلك وما يزال في مصلحة حماس وغزة كي يتمكن المصريون من استئناف جهود التهدئة وتحصيل الاثمان المترتبة عليها وان تطبخ على نار هادئة كما يقال.

الإسرائيليون لا يريدون تعكير صفو احتفالهم بالقرار الأمريكي الذي منح الجولان لها كهدية تنفع نتنياهو في الانتخابات، وتنفع أمريكا كما يتخيل ترمب في تقوية حليفتها الأولى وربما الأخيرة في مجال القوة الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

ينقص الاخوة في حماس أن يعرفوا بأن الهدوء في وقته أقوى تأثيرا ألف مرة من عمل عسكري يستدرج قصفا مريحا لإسرائيل ما دام يتم من الجو ولا ترافقه احتمالات خسائر في البر.

تقديري أن الإجراءات الأساسية التي ستتخذها إسرائيل ضد غزة مؤجلة إلى حين نضوج الظروف التي تراها مواتية لعمل واسع النطاق، وفي حال كهذا فإن الحكمة مطلوبة بل وفيها تفادي الخسائر أو التقليل منها.

نصيحتي للأشقاء في غزة أن يستمعوا جيدا للمصريين الذين هم وحدهم من يمكن أن يساعد في وضع الأمور في نصابها.