النجاح الإخباري - كتب محمد عمران سابقاً: "على قدر حلمك تتسع الأرض"، في مقال اختزل فيه قصته المليئة بالتحدي والكفاح، لكنَّ حلمه فاق حدود الأرض ووصل عنان السماء، فمن طالبٍ ترك مدرسته وعاد للجامعة في عمرٍ متأخرة إلى الأوَّل على جامعة النجاح الوطنية، لا زال محمد يرى نفسه في بداية المشوار ولم يطرق أبواب أحلامه بعد.

محمد سليمان يوسف عمران، طالب في الثلاثين من عمره، توَّج نفسه كأوَّل على جامعة النجاح الوطنية في فوجها السابع والثلاثين بحصوله على معدل تراكمي (3.99) في تخصص المحاسبة في كلية الإقتصاد والعلوم الإجتماعية متوجاً مسيرته المليئة بالتحدي والصمود.

العودة من رحلة اللاعودة..

الأوَّل على جامعتنا لهذا العام ليس طالبًا عاديًا، بل هو نموذج للتحدي فبعد تركه للمدرسة وهو في الصف العاشر وانخراطه في العمل العسكري ووصوله لمرحلة تعتبر لدى الكثيرين لا عودة فيها على المستوى الدراسي، قرر محمد العودة إلى الدراسة بعد تسع سنوات كاملة تعلَّم فيها في مدرسة الحياة، عودة محمد تمثَّلت بدراسته الثانوية العامّة كدراسة خاصة اعتمدت على عدد محدود من الحصص في مدرسة (رام الله الثانوية) و دون إجراء أيّ نوع من الامتحانات قبل الاختبارات النهائية، الأمر الذي علمّه أهميّة الاعتماد على الذات في الدراسة، عام كامل خاض فيه العديد من المعارك مع الذات تفوَّق فيها على نفسه واختتمه بالتفوق بامتحان الثانوية العامة والحصول على معدل (95.1) للفرع الأدبي، وفي هذا السياق يُشير محمد إلى أنَّ التحدي لم يقتصر على محتوى مواد الثانوية العامّة وإنما اشتمل على أساسياتٍ افتقدها في الصفوف السابقة المختلفة.

وفي حديثه عن مرحلة الثانوية العامّة، يوضح محمد أنَّ نقطة التحول بدأت عند قراءته لمجموعة من مقالات التعلم الذاتي عن كيفية الحفظ والتعلم بسرعة والتي ساعدته بشكل كبير على تغيير نمط دراسته حيث لاحظ التحسن الملحوظ لديه في ختم المواد، فكبر الحلم من مجرد النجاح في شهادة الثانوية العامّة إلى التفوق بها.

الحياة الجامعية..صفحة جديدة فتحت

يعتبر محمد أنَّ دخوله الجامعة كان بمثابة فتح صفحة جديدة في حياته، ورغم فارق السن بينه وبين زملائه إلا أنَّ حياته الجامعية كانت مميزة حيث ربطته بمدرسيه وزملائه علاقة أكثر من ممتازة، الأخ الكبير لأبناء دفعته ربما هو الوصف الأدَّق لتلك العلاقة، حيث يعتبر محمد أن حياته الجامعية كانت بحد ذاتها حياة وليست مجرد مرحلة.

وعند سؤالي له عن رأيه بدفعته في قسم المحاسبة، استشهد محمد بكلمات للدكتور معتز أبو عليا، رئيس القسم حين قال ذات مرّة "لم يمر علي يوماً دفعة متميزة كدفعة ( 113) حيث اشتملت على عدد كبير من الطلبة المتفوقين الذين ساد بينهم تعاون مميز في الجانبين الأكاديمي والاجتماعي".

اختيار تخصص المحاسبة..المنافسة القوية

"تجذبني تخصصات الاقتصاد"، بهذا أجاب محمد عند سؤاله عن اختياره تخصص المحاسبة، موضحاً أنَّ هذا الإهتمام بدأ عندما كان يدرس مادة الإدارة والاقتصاد في الثانوية العامّة حيث إنَّ المدرّس الذي درّس هذه المادة  كان يشرح المادة بطريقة جذبت محمد إلى عالم الاقتصاد.

عند التحاقه بجامعة النجاح اختار محمد تخصص التمويل، وبعد مرور عام من التفوق حصل في فصله الأول على معدل ( )3.95 ومعدل (4) في الفصلين الثاني ومن ثمَّ الصيفي لينهي عامه الدراسي الأول بمعدل تراكمي (3.98) ، قرر محمد التحويل إلى قسم المحاسبة والسبب شغفه بالمنافسة، حيث يرى محمد أنَّ مستوى المنافسة في قسم المحاسبة أكبر مما جعله يتخذ خطوة في غاية الأهمية توجها في نهاية المطاف بالتفوق ليس فقط على مستوى قسمه بل على مستوى جامعته.

وصفة النجاح..

وعن السر وراء نجاحه يقول محمد: "هناك فرق بين المنافسة على معدل عالي والمنافسة على التفوق، التفوق هو أن تبحث عن أي ثغرات في فهمك للمواد بعد أن تتمكن منها، تنظيم الوقت هو دائما مفتاح النجاح فمن دون برنامج لا يسير العمل، أنت بحاجة دائماً للتخطيط، الفصل الأول في الحياة الجامعية، على عكس ما يظنه الكثير من الطلبة هو الأهم ففيه تبدأ بالأساسيات ومنه يبدأ التفوق".

ويضيف محمد، أنَّ الجهد الذاتي من أهم مفاتيح النجاح مشيراً إلى أنَّ أيّ مدرِّس لا يستطيع إعطاء كل ما لديه خلال المحاضرات وعلى الطالب أن يطور نفسه في ظل وجود الإنترنت الذي يعتبر مصدر غير محدود للمعلومات من وجهة نظره.

رسالة إلى المجتمع..

يوجّه محمد رسالة إلى المجتمع، ففي مشواره في سوق العمل وبعد تفوقه في الجامعة بدأت رحلته بالبحث عن عمل ولكن الواقع الذي اصطدم به محمد كان مختلفاً عما توقعه حيث واجه مشكلة في "التمييز العمري" على حد تعبيره لدى العديد من المؤسسات، محمد الأول على جامعته، والمتفوق في دراسته، وصاحب الشخصية المثقفة والمتفتحة، قوبل بالرفض من قبل عدد من الشركات بسبب عمره الكبير بالنسبة لخريج.

وفي هذا السياق يقول محمد: "رسالتي التي أتمنى أن تصل للمجتمع هي أن تكون هناك قوانين في فلسطين لحماية الخريجين ضد التمييز العمري كما هو الحال في العديد من دول العالم، وأن يكون لدى الشركات بوادر ذاتية تحترم فيها الكفاءة قبل العمل".

المستقبل..

لأنَّ حلمه يكبر كل يوم يبدو أنَّ مستقبل محمد ليس واضحاً له حتى الآن ولكنه يرى أنَّ الجانب الأكاديمي المتمثل بإكمال الدراسات العليا هو الغالب لأنَّه يهوى هذا الجانب، حيث يأمل محمد بالحصول على فرصة لإكمال دراسته، مختتماً حديثه عن المستقبل بالقول: "أعتبر أنَّ تخرجي من البكالوريوس هو بداية المشوار وليس نهايته".

الشكر..

" شكري لن يكون مجاملة لأحد، سأشكر من يستحق الشكر" بهذه الكلمات عبّر محمد عن امتنانه لكل من رافقه في مسيرته المميزة والصعبة والمليئة بالعقبات، الوالدة هي أول من خطر في باله بدورها الأكبر في دعمه، فمعاناتها الطويلة مع المرض ومواجهتها له بشجاعة شكل درساً لمحمد في الصبر والمثابرة، الوالد قدّم أكبر من طاقته في دعمه، هكذا يرى محمد، معبّراً عن شكره  أيضاً لجميع مدرسيه في جامعة النجاح بشكل عام وخصوصاً في قسم المحاسبة، كما يقدّم شكره لجميع زملائه وخصوصاً أبناء دفعته الذين ورغم فارق الـ(9)سنوات معهم إلا أنَّهم كانوا بمثابة الإخوة الذين قدَّموا له كل الدعم والتشجيع الممكن.

الأول على الجامعة من قسم المحاسبة للمرة الثالثة على التوالي..

وفي نهاية التقرير تجدر الإشارة والإشادة بقسم المحاسبة في جامعة النجاح، الذي يقدّم للمرة الثالثة على التوالي الأول على الجامعة، من مي تميم إلى محمد يعاقبة وصولاً إلى محمد عمران، لا زالت جامعة النجاح فخورة بطلابها المبدعين الذين وصلت أحلامهم عنان السماء.