نهاد الطويل - النجاح الإخباري - متابعة خاصة : نجحت موسكو وايران في أستانة (4) بحمل تركيا على توقيع مذكرة اتفاق ما اطلق عليه " خفض التصعيد والتوتر" في أربع مناطق سورية. لكنّها أخفقت في الوقت ذاته في إقناع الولايات المتحدة بالتزام الاتفاق ذاته، لماذا؟

وان كان النظام السوري سارع للاعلان عن ترحيبه بالاتفاق الجديد، الا ان معنيين بالملف نقلوا "تعاطي طرفي الصراع السوري بريبة مع ما يُحضر دوليا، خصوصًا وان الخطة الأخيرة ترسخ الى حد بعيد مبدأ مناطق النفوذ ومشروع تقسيم سوريا الى كانتونات طائفية".

ووصفت الهيئة العليا للمفاوضات الخطة بـ"الغامضة وغير المشروعة"، وخاصة اعتبار ايران طرف ضامن لأي اتفاق، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المقترح الروسي وقال إنه يراه "تقسيما طائفيا" للبلاد.

وتعوّل المعارضة السورية حاليا وبشكل أساسي على الموقف الأميركي من المقترح، باعتبار ان واشنطن أعلنت موافقتها عليه لكن بتحفظ، وهو ما أشارت اليه مصادر قيادية في المعارضة لافتة الى ان موقف الولايات المتحدة الاميركية النهائي سيتضح تماما بعيد الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركيدونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية واسرائيل.

"داعش" الخاسر الأكبر ..

ولا شك أن "داعش" يبقى الخاسر الأكبر من مشروع "مناطق تخفيف التصعيد" باعتبار انّه المستثنى الوحيد من الخطة، ما سيعني انصراف كل الاطراف الدولية كما فرقاء الصراع السوري وبالتحديد النظام والأكراد لقتاله.

وقد بدأ فعليا العد العكسي لمعركة الرقّة، بعد سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على الطبقة، ويُتوقع أن تُطلق واشنطن صفارة انطلاق المعركة للسيطرة على معقل التنظيم المتطرف في الشمال السوري، مباشرة بعد أول لقاء يجمع الرئيسين الأميركي والتركي منتصف الشهر الجاري.

غياب أممي ..

بالمحصلة، قد يكون المشهد السوري الحالي أكثر تعبيرا من أي وقت مضى عن حجم التدخلات الدولية بالملف، باعتبار ان الدول التي تتقاسم مناطق النفوذ لم تعد تلحظ حتى رأي الفرقاء السوريين بمقرراتها، وتفرض أجنداتها بغياب اي دور للأمم المتحدة.

المعارضة السورية: شرعنة للتدخل

أكّد رئيس المجلس الوطني السوري السابق،عبد الباسط سيدا، أنّ "المناطق الآمنة، مقدّمة لشرعنة التدخل الروسي الإيراني في سوريا وإضفاء طابع من الشرعية على هذا التدخل"، نافياً "موافقة تركياعلى تقسيم سوريا".

وأشار سيدا في تصريح نقلته وكالة "رويترز" إلى أنّ "مشاركة المعارضة في الأستانة يأتي من منطلق حرصها على حقّ الشعب السوري، خصوصاً أنّ التقسيم له تبعات سلبيّة على الداخل التركي"، لافتا إلى أنّ "ملف القضية السورية أصبح بيد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بشكل أساسي، والجميع ينتظر تفاهماً أميركيّاً روسيّاً للتقدّم بحلّ معيّن للقضيّة السورية".

ضغط مخابراتي تركي ..

ولم يتردد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان هذه المرة باعلان تدخل رئيس مخابراته لثني فصائل المعارضة السورية عن قرارها تعليق مشاركتها في محادثات آستانة.

أردوغان قالها بوضوح: " تدخل هاكان (رئيس المخابرات التركية النافذ هاكان فيدان) فورا وناقش فصائل المعارضة التي وافقت مجددا على المشاركة في المحادثات... ولذا، ستستمر مفاوضات آستانة".

وتوالت في الساعات الماضية المواقف الرافضة للاتفاق الروسي- الايراني- التركي وتعتبر المصادر ان الاتفاق الجديد "يخدم النظام بشكل رئيسي، لا سيّما وان طرفين ضامنين هما حليفاه الرئيسيان اللذان يقاتلان الى جانبه".

المعنيون في الشأن العسكري لا يرون فرقاً بين وظائف "اتفاق وقف النار" و"اتفاق مناطق تخفيف التصعيد"، فكلاهما يؤدّيان الغرض ذاته. لكن حين يسارع الروس إلى الإعلان عن وقف الطلعات الجوية السورية ـ الروسية فوق مناطق "تخفيف التصعيد"، وحظر هذه المناطق على طائرات التحالف الأميركي، يتضح أنّ الهدف الروسي أبعد من تثبيت وقف النار، بل هو بمثابة عمل إجراء استباقي هدفه فرض وقف تخصيب مخطط أميركي ـ بريطاني ـ أردني، لفتح جبهة الجنوب السوري، والتوغّل ضمن الأراضي السورية تحت ذريعة الحرب ضدّ الإرهاب.

لكن، ما إنْ بدأ الاتفاق يسلك حيّز التطبيق، حتى أعلن الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني أنّ الأردن سيقوم بالدفاع عن حدوده بالعمق السوري إذا اقتضى الأمر ذلك. وأنّ الأردن لم يوقّع على إقامة المناطق الآمنة السورية قرب الحدود الأردنية. وهو التصريح الذي لقي رداً سورياً قوياً، حيث أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي عُقد على ما يبدو لهذا الغرض، أكد أنه سيتعامل مع أيّ قوات أردنية تدخل الأراضي السورية بأنها قوات معادية وسيتمّ التعامل معها على هذا الأساس.

وحيث إنّ موقف الناطق الأردني المتزامن مع مناورة "الأسد المتأهب" يظهر حقيقة ما يُخطّط له انطلاقاً من الأردن، جاء الردّ سريعاً من الوزير المعلم، وهو ردّ حمل رسائل عديدة، تكشف بأبعادها أنّ ما فعلته روسيا بطرح إقامة "مناطق تخفيف التصعيد"، وتحويل الطرح الى اتفاق منسق بالكامل مع سورية، وهذا الاتفاق إنْ خُرق فسيؤجّج التصعيد على أكثر من صعيد.