عبير بشير - النجاح الإخباري - المشهد الراهن ليس صادماً بقدر ما هو كاشف. ببساطة، ما حصلت عليه إسرائيل بالاعتراف الرئاسي الأميركي بضم الجولان لها، هو قبض ثمن إبقاء بشار الأسد في قصر المهاجرين بدمشق التي هي على مرمى حجر من الجولان. ففي أساس هذا السياق كانت معادلة تقوم على الربط بين التسليم باحتلال إسرائيل للجولان نهائياً والسماح ببقاء بشار الأسد في دمشق بحماية الإيراني والروسي. 
لم تتدخل إسرائيل على طول الأزمة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، والأهم أنها كبحت أي توجه داخل الكونغرس الأميركي للتدخل والإطاحة بالأسد، حتى الضربات الجوية التي قامت بها إسرائيل في مرحلة لاحقة، كانت لمنع تمركز إيران في سورية، وليس للإطاحة بالأسد. كان علينا أن نتوقّع منذ بدأ الانهيار السوري عام 2011 السقوط الجديد للجولان. كل منطقة كانت تنهار في سورية كان الجولان يبتعد معها عن الكيان السوري، ويقترب من إسرائيل.
أثبت النظام السوري، منذ الأشهر الأولى للثورة السورية، قبل ثماني سنوات، أن الجولان ثانوي في حساباته. فقد قام بسحب عشرات الكتائب التي كانت مرابطة في الجولان بموجب اتفاقية فك الاشتباك، ونقلها إلى آلة القتل في الداخل.
لم تكن هناك نية سورية حقيقية في استعادة الجولان إلى الوطن الأم في يوم من الأيام، مع أن إسرائيل تحتل الجولان لأكثر من نصف قرن. الجواب، بكل بساطة أن الجولان كان ضمانة للنظام الذي أسسه حافظ الأسد. فبعد ثلاث سنوات من احتلال إسرائيل للجولان، قام وزير الدفاع حافظ الأسد بما سمّاه "الثورة التصحيحية"، لم يلق الأسد الأب أي مقاومة لهذا الانقلاب، على العكس من ذلك، كانت هناك إحاطة دولية لـ"الحركة التصحيحية" التي قام بها، من منطلق أنّه كان لا بد من التخلص من البعث المغامر ذي الميول اليسارية، وعلى أساس معادلة ضمان الأسد الهدوء في الجولان مقابل هدوء في الداخل السوري.
طبعاً، لم تكن القيادة السورية الراحلة أو الحالية متآمرة ورافضة لاسترداد الهضبة الإستراتيجية، بقدر أن قرار سورية باستعادة الجولان له أثمان أغلى سياسياً وعسكرياً وعلى مستقبل النظام السوري الهش، وما كان يمكن للنظام السوري أن يحظى بالجائزتين: لبنان والجولان معاً. اختار النظام الهيمنة على لبنان، واعتبر الجولان محتلة وستعود يوماً ما. وظل الاحتلال الإسرائيلي للجولان ذريعة شرعية لاحتلال سورية للبنان، ولإحكام القبضة الحديدية على الشعب السوري، على أساس "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
أما عن اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فهو لم يضف جديداً على أرض الواقع، فقد ضمت إسرائيل الجولان عام 1981. وكل ما حدث أن ترامب انضم متأخراً مائة عام إلى طاولة مارك سايكس وجورج بيكو؛ كي يعدل في خرائط "سايكس بيكو".
لكنه في عالم السياسة يعني الكثير، فهو ليس سوى خطوة أولى وحاسمة على طريق الاعتراف بضم الضفة الغربية. هذا ما باح به رئيس الكنيست يولي أدلشتاين تعقيباً على تغريدة ترامب المتعلقة بالجولان، وهو يعني أن إسرائيل وبضوء أخضر فاقع ترامبي دفنت حل الدولتين، بعدما دفنت أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وأصبحت تشرعن بغطاء أميركي احتلالاتها لأراضٍ كسبتها في حروبها مع الفلسطينيين والعرب. ويعني بشكل أخطر، أن هذه الانعطافة التاريخية، تضع أصبعاً في العين الفلسطينية، وتحدد المسار الذي سوف يسير عليه مشروع التسوية الذي تقوم عليه إدارة ترامب وفريقه المتصهين، أو ما يعرف باسم "صفقة القرن". فهي تقوم على مقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض كما قال بومبيو، وستليها فصول وإعلانات رئاسية ،لا تقل دراماتيكية عن قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان.
على كل حال، توقيت الإعلان الرئاسي حول الجولان، ليس بريئاً، فهو هدية إنقاذية قدمها ترامب لنتنياهو عشية انتخابات الكنيست، وفي ظل أن هناك خطراً حقيقياً من أن يستمر نتنياهو في قيادة الدولة العبرية، وبالتالي هناك خطر حقيقي على تحالف اليمين الإسرائيلي، مع اليمين الأميركي المتصهين، وبالتالي على مستقبل التجديد لولاية رئاسية لترامب. 
هيرب كينون، المُحلّل للشؤون العسكريّة في صحيفة جيروزاليم بوست قال: إن نتنياهو قام في البداية بتصميم كل شيء بما يُناسبه، "لقد صمم خطته، سيسافر إلى واشنطن ويحصل على عناقٍ حارّ من دونالد ترامب، يتوّج بتوقيع ترامب على وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ويتحدث إلى آلاف المؤيدين المبتهجين في آيباك، يليه اجتماع مع زعماء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وعشاء في البيت الأبيض.. كل ذلك سيكون بالصوت والصورة، أمام الناخب الإسرائيلي وموجهاً لخصومه المنافسين.
ولكن هذا لم يحدث ببساطة، لأن صاروخاً من غزة ضرب مستوطنة في وسط إسرائيل وغيّر كل شيء ونسف خطته، وغطى على إنجازه الأبرز بهدية الجولان. 
وفي الواقع، أحد أسباب طول عمر نتنياهو السياسي، على الرغم من كل الغيوم التي تحوم فوقه، كان قدرته على بث إحساسه بأنه سيّد الأمن، وأنه عندما يكون في السلطة يكون هناك القليل من فرصة انفجار القنابل داخل الحافلات أو "إرهابيين يُفجّرون في المدن"، أو سقوط صواريخ على المنازل. وأضاف كينون: يستمر نتنياهو في الفوز بالانتخابات ولاية بعد ولاية؛ لأنه نجح في إبراز شعور بأنه عندما يكون في السلطة، "فأنت وأطفالك أكثر أماناً"، وهذا شيء يدركه خصومه جيداً.