محمد قنيطة - النجاح الإخباري - قراءة تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد يُفيد في فهم مزاجيات الرأي العام حولك، وقد يُعطيك مؤشرات تجاه مستويات الوعي لدى الجماهير، وقد يمنحك إن كنت كاتباً أو إعلامياً، فكرة موضوع بالمجان، وما عليك إلا أن تجتهد قليلاً في صياغة هذه الفكرة وحيثياتها.

لفت انتباهي صباحاً تعليقاً لأحد الأشخاص يرد على ما كتبه آخر، حيث كان الأول يشتم مسؤول، ويتهكم على أدائه وسياسته، فرد عليه الثاني بتعليق يقول " لو الأمور اتصلحت بين معلمك وهذا المسؤول الذي تشتمه وتتهكم منه وتتهمه، هل سيبقى رأيك كما هو.. ؟ " .

استوقفني فعلاً هذا التعليق، فهو مُعبر عن حقيقة نهر كبير من الكلمات والعبارات التي يكتبها العديد من الأشخاص في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية، حيث تجد قضية واحدة يُعبر عنها كل بطريقته، ينطلقون من انتماءاتهم أو توجهاتهم أو تجارب ذاتية ليست بالضرورة تمثل الواقع .

قد نتفهم أن الاختلاف في وجهات النظر وأرد، وأن للثقافة والتربية تأثيرها في مثل هذه الاتجاهات, وقد نتفهم أن مواقع التواصل الاجتماعي فضاء مفتوح رواده من المثقفين وغير المثقفين، من النخب ومن عامة الناس، لكن أن ينطبق تعليق صاحبنا على من هم قادة أو نخب في السياسية والإعلام وغيره، ولهم كلمة مسموعة تصل للجماهير من خلال منابر يمتلكونها أو لأحزابهم أو جهات يعملون معها، هنا لابد من وقفة، مع التأكيد أنه لا يعيب المرء أن يستخدم منبرا متاحا له في كلمات حق أو نصح أو فائدة، وليس زوراً أو تدليساً أو انتقاماً ذاتياً أو استرزاقاً بغير حق !!.

بالمثال يتضح المقال، يسعفني سياق بعض موضوعات مازال العديد من أصدقائي يثيرونها على صفحاتهم تدور في رحى موضوعنا، منها قضية الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وما يثار حول اختفائه عقب دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول، بعض الأصدقاء في الفضاء الأزرق تناولوا الموضوع من زاوية ثانية، وتحدثوا عن أراء الكاتب السعودي حينما كان موالياً للنظام السعودي الحاكم، ويهاجم خصوم آل سعود بأشد العبارات، بالمقابل رأيه حينما اختلف مع آل سعود ونظام الملك سلمان وابنه، وكيف تحولت بعض كتابته حسب بيئته الجديدة، على قاعدة الخصوم والحلفاء وفق المصالح .

ونشر أحدهم اقتباسات قديمة للكاتب خاشقجي حينما كان موالياً للنظام السعودي، وسيفاً مسلطاً على خصومهم، وعلق على نص قديم لخاشقجي كتبه على صفحته حول ما يجري في سوريا، " أيد خاشقجي بغير حق قطع الرؤوس في سوريا لصالح آل السعود، واليوم آل سعود يقطعون رأسه !! " .

وموضوع آخر يثار الآن في سياق موضوعنا، يتعلق بصحفي معروف، وما أثير حول خلافاته مع وزارة الداخلية بمنع اصدارها جواز سفره بعد قرار قضائي من المحكمة، على خلفية ديون في ذمته تقدر بـ 70 ألف شيقل لصالح شركة كهرباء القدس الفلسطينية، حسب ما كشفت الوزارة .

قضية الديون في ذاتها قد يتعرض لها أي مواطن – بفارق المساءلة الجماهيرية له إن كان مسؤولاً أو صاحب رأي– لكن الزيادة في قضية الديون، وتدور في سياق موضوعنا، ما يردده القراء " بأن يقوم الصحفي صاحب القضية بنشر أخبار ومقالات على أنها تحليل سياسي كالمعتاد، لكنها في الحقيقة تنطلق من قضية ذاتية شخصية نابعة من خلافاته مع الحكومة حول الديون المستحقة عليه، فيكتب مقالاً، يستحضر فيه معلومات قديمة نُشرت في الاعلام الإسرائيلي عن صراعات دامية تدور رحاها الآن لخلافة الرئيس عباس، والانقضاض على المنصب بقوة السلاح، ولتجاوز هذه الكارثة، يكشف أن هناك جهوداً لتغيير الحكومة التي وصفها (حكومة الخلاف الوطني)، وذكر في مقاله اسم شخصية سياسية، اعتبرها أقوى المرشحين لمنصب رئيس الحكومة الجديدة ، واسترسل في ذكر محاسنها وايجابيات اختيارها، في النصف الأخير للمقال بأكمله ، وكأنه يبعث عبر مقاله ( المهني ) رسائله في اتجاهين، ضد فلان ومع فلان، والشاطر يفهم !! " .

وعلق العديد من الأصدقاء عبر صفحاتهم على هذه القضية، بكثير من الاستغراب، " بالأمس مع الحكومة واليوم ضدها، وإن كان الصحفيون هكذا تحكمهم ذواتهم!، أو يُسخرون أقلامهم مع فلان أو ضد فلان حسب مصالحهم ومشاكلهم وديونهم، والأصل أن توضع مشاكلهم الشخصية جانباً، لأن الأصل في مهنتهم الأمانة في نقل الحقيقة للناس" .

لست هنا بصدد الخوض في تفاصيل أراء الكاتب السعودي خاشقجي، أو تفاصيل قضية الصحفي المشار إليه وخلافاته مع الحكومة، ما أريد أن أصل إليه من سياق هذا الموضوع، إن كنت من الجمهور العام لابد أن تمرر أي قضية على منطق عقلك، ولا بد من إعمال هذه العقول أمام كل ما يقال مهما كان شأن قائله، وإن كنت في منصب القيادة أو المسؤولية أو الشهرة فتأكد أن الكثيرين يقرؤون ويسمعون لك، لذا تحرى الدقة والصدق، فقد يصيب قولك الناس والوطن بضرر، احترس فالجمهور واعٍ، وأعلم أن في هذا الجمهور الكثير من العارفين المثقفين، سيراجعونك إن تبين زيف قولك، وكل حرف بات محفوظاً ويسهل استرجاعه.

لذا أقول.. عزيزي السياسي، عزيزي الصحفي، عزيزي القائد، عزيزي الخطيب، وعزيزي المواطن، كن صادقاً فيما تكتب، وسر في طريق واحد تقتنع أنت فيه لا تغيره الأهواء أو المصالح، أو الذاتية، وتأكد دائما، أن صاحب المبدأ الصادق ينجو ويعلو أخيراً.