منال الزعبي - النجاح الإخباري - لأنَّ الربيع ميلاد الحياة والإبداع، يطلق خضاره وأزهاره وثماره، ويحتفي بالمرأة، والأم، والأرض، والوعد، يطل علينا من بين زهر لوز فلسطين يوم الثقافة الفلسطيني على شرف الراحل محمود درويش وتلبية لنداء قصيده الذي باح فيه في وداعه الأخير (لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي).

يحتفل المثقفون والمبدعون الفلسطينيون، مع مختلف الأوساط والشرائح الفلسطينية بصنوف الثقافة ودروبها من فعاليات وأنشطة ثقافية، وأدبية، وأمسيات فنيَّة.

ولأهمية الثقافة في تعميق وترسيخ الثقافة الوطنية الإنسانية، التي تعزّز كلَّ ما هو إنساني وجمالي، وتنمّي وعينا وحسّنا، بأفق يتّسع لحرية الاختلاف والتنوع، وينتصر للحرية والروح، ويصقل مبادءنا وقيمنا، ويحفظ هوّيتنا، وطابعنا الفلسطيني الذي نحب، وننتمي، ونتمسك بتلابيبه رغم كيد محتل غاشم.

وتقف الثقافة ليس ببعيد عن الواقع السياسي، بل هي ثورة ذات طابع خاص، بدءًا من تحرير النفوس من قيودها، وانسياقها للبوح والتعبيرعن مكنوناتها.

والمثقف إنسان أصيل، يدرك بوعيه وعمقه كلَّ القضايا الإنسانية والمجتمعية والسياسية، ملم ومطلع على بواطن العلوم، آخذٌ من كلّ منها بقبس، هو مقاتل بريشته، بقصيدته، بأبطال روايته، بمنحوتاته، بوقوفه على خشبة المسرح، فهذا درويش الذي غمّس قصائده من أدام الوطن حتى انغمس هو بأرضه،  ظلَّ علمًا خفَّاقًا، وظلَّ صوته ميراثًا للأجيال الذين يتوافدون للوقوف على شاهدة قبره؛ يؤدون التحية بعد جولة في متحفه الذي ضم حياة بنكهة وطن.

هذا اليوم الثقافي هو أجندة وطنية فلسطينية، نقف فيه عند أسماء عبقت بفكرنا من شعراء، ومثقفين، ومبدعين سطروا بفنهم دستور شعب وقضية،و ناضلوا بالقلم والكلم، ورصدوا الثورة وأركانها، ورسموا حلم العودة، وفلسطين وتاريخها بمداد الدمع والدم، جابوا البلاد وعاشوا ليل المنافي والشتات، آمنو بالنصر وساروا في دروبه يحشدون العقول ويرصون الصفوف على أبواب الحرية والحلم المنتظر.

فيه نمجّد وجوهًا رحلت وغابت، وتماهت في فيافي الأرض ونجوم السماء، إذ شكَّلت وعينا وثقافتنا، وصاغت نصوص الحرية والانتصار للقضية، فحقها أن تظلَّ حيّة بالذاكرة، وفي صميم تراثنا الأدبي، وأن تصان أعمالها وتنقل للأجيال.

وإن كانت فلسطين ترسف بألف قيد، فطوبى لمثقفينا مجد دولتهم وعزتهم، فالإبداع يولد من رحم المعاناة، من رحم النكبة والتشرد والخيام، من ارتعاشات الانتفاضات، لذا تقلدوا أوسمة الصدق والالتزام، والتتصقوا بهموم الوطن، وغرقوا بدموع الثكالى ودماء الشهداء، ولامسوا الألم والوجع الفلسطيني والجرح النازف.

وتبقى رسالتنا لكلّ مثقف بعينه، أن يحمل صوت المساكين والمستضعفين، وأن ينتصر للعمال والكادحين، وكلّ مهمش وضعيف، وأن يواصلوا التنوير المعرفي بضمير، دون انحياز لدين أو حزب، وأن يواصلوا العطاء، حفظ الله فلسطين وعلماءها ومثقفيها ومبدعيها وكل أهلها المرابطين.